تتحدد منهجية التفسير “التوحيدي الموضوعي” عند محمد باقر الصدر فيما يلي:

تعريفه: هو التفسير الذى يقوم بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية، فيبين ويبحث ويدرس مثلاً عقيدة التوحيد في القرآن، أو يبحث عن النبوة في القرآن، أو عن المذهب الاقتصادي في القرآن، أو عن سنن التاريخ في القرآن وهكذا.([1])

هدفه: تحديد موقف نظري للقرآن الكريم، وبالتالي للرسالة الإسلامية من ذلك الموضوع من موضوعات الحياة أو الكون.

– طريقته الإجرائية: كون التفسير موضوعياً، بمعنى أنه يبدأ من الموضوع، من الواقع الخارجي، من الشئ الخارجي، ويعود إلى القرآن الكريم، فنعبر عن التفسير بأنه موضوعي باعتبار أنه يبدأ من الموضوع الخارجي وينتهي إلى القرآن الكريم، وتوحيدي باعتبار أنه يوحد بين التجربة البشرية وبين القرآن الكريم، لا بمعنى أنه يحمل التجربة البشرية على القرآن، ولا بمعنى أنه يخضع للتجربة البشرية؛ بل بمعنى أنه يوحد بينهما في سياق وبحث واحد، لكي يستخرج نتيجة هذا السياق الموحد من البحث، يستخرج المفهوم القرآني الذى يمكن أن يحدد موقف الإسلام تجاه هذه التجربة أو المقولة الفكرية التى أدخلها في سياق بحثه.([2])

نماذج مما قدمه الصدر للتفسير التوحيدي الموضوعي

ومن التطبيقات التى قدمها الصدر في ميدان التفسير “التوحيدي الموضوعي” ما تناوله من موضوعات ارتبطت بواقع الأمة والمتغيرات التى تمر بها، والمتغيرات التى تمر بها، والأفكار والمذاهب المعاصرة وعرضها على القرآن وتحديد الموقف منها، ومن هذه القضايا التى اهتم بدرسها قرآنياً ما يلي:

– السنن التاريخية في القرآن الكريم، وتعرض في هذا المبحث إلى خمسة عناصر أساسية هي: عطاءات القرآن في مجال سنن التأريخ – أساليب القرآن في بيان سنن التاريخ – خصائص السنن التاريخية – خصائص الظواهر التاريخية – أشكال السنن التاريخية في القرآن.

عناصر المجتمع في القرآن وتناول فيه الاستخلاف – دور الإنسان في حركة التاريخ – المثل الأعلى منطلق لبناء الإنسان – دور العلاقات الاجتماعية في حركة التاريخ – التأثير المتبادل في العلاقات الاجتماعية.

– أبعاد التغيير الذى أحدثه القرآن وتضمن: تحرير القرآن للإنسان من الوثنية – تحرير القرآن للعقول – تحرير القرآن للإنسان من عبودية الشهوة.

العمل الصالح في القرآن، وقدم هنا درساً مقارناً موضوعياً بين النظرة الرأسمالية والنظرة الماركسية والنظرة الإسلامية في تقييم العمل.

– الحرية في القرآن، وقدم هنا أيضاً درساً مقارناً لموضوع الحرية في الحضارة الغربية والقرآن الكريم.

ويلاحظ أن الصدر في موضوعاته التى بدأ بها وطرحها على القرآن لاستخراج  نظريات إسلامية بشأنها تظهر تأثره بالمتغيرات والسياقات المعرفية والاجتماعية التى عاشها آنذاك وهي حالة الصراع مع الفكر الغربي بشقيه الرأسمالي والاشتراكي مع الفكر الإسلامي، ومحاولات الاختراق الثقافي للعقل المسلم بوسائل التغريب والاستشراق والتبشير لذا كانت نتاجات الصدر في معترك حضاري” حقيقي حاول إرساء منظور حضاري للفكر الإسلامي فكتب “فلسفتنا”، “الأسس المنطقية للاستقراء” و”الإسلام يقود الحياة”، وكلها مستمدة من النهج الموضوعي في تفسير القرآن ومن الرؤية القرآنية الأصلية في مجال الإنسان، الكون، أو العمران والتى تسبق التصور الغربي المعاصر.

واهتم – أيضاً – محمود شلتوت (1893-1963) بمقاصد القرآن([3])، وقسمها إلى ثلاثة أقسام: العقيدة، والأخلاق، والأحكام، ثم صنف أساليبه لتبين هذه المقاصد والدعوة إليها وهي: أولاً ,الإرشاد إلى النظر والتدبر في ملكوت السموات والأرض، ثانياً, قصص الأولين، أفراداً وأمماً الصالحين منهم والمفسدين بغرض العظة والاعتبار، ثالثاً,إيقاظ الشعور الباطني في الإنسان فيندفع الإنسان بوحي هذا الشعور إلى التساؤل عن مبدئه، وعن مادته وعن حياته، وعن مآله ومصيره، ورابعاً: أسلوب الإنذار والتبشير، أو الرعد والوعيد. وقد تناول الشيخ شلتوت سور القرآن على حدة مبيناً مقاصد كل سورة التى رآها بنية واحدة، وأغراضها، ووسائل الدعوة فيها.

وكذلك اعتنى محمد الغزالي(1917-1996) بالتفسير الموضوعي ونهج فيه نهجين مختلفين، أحدهما: يعتمد على تتبع الموضوع الواحد في القرآن كله مبيناً جوانبه المتعددة والمتكاملة في نفس الوقت وهو منحي “الترابط العضوي لآي القرآن وبياناته”, وظهر ذلك واضحاً في كتابيه “المحاور الخمسة”([4])، و”نظرات القرآن”. في الكتاب الأول أورد خمسة محاور يدور حولهم القرآن:الإلوهية (الله الواحد), الكون (الكون الدال على خالقه), القصص القرآني, البحث والجزاء, ميدان التربية والتشريع.

أما في كتاب “نظرات في القرآن([5])، فتناول فيه عدة موضوعات تعد استكمالاً لهذه المحاور الخمسة مثل: النبوات في القرآن، الإنسان في القرآن، فساد الأمم في القرآن، الأعجاز النفسي والعلمي والبياني في القرآن، القرآن وأهل الكتاب.

أما المنحى الثاني الذى اتبعه الشيخ الغزالي في نهجه الموضوعي في تفسير القرآن فظهر في كتابه “نحو تفسير موضوعي لسور القرآن”، ويوضح فلسفته في هذا الكتاب على النحو التالي “…والهدف الذى سعيت إليه أن أقدم تفسيراً موضوعياً لكل سورة من الكتاب العزيز. والتفسير الموضوعي غير التفسير الموضعي: الأخير يتناول الآية أو الطائفة من الآيات فيشرح التراكيب والألفاظ والأحكام: أما الأول فهو يتناول الصورة كلها يحاول رسم “صورة شمسية” لها تتناول أولها وأخرها وتتعرف على الروابط الخفية التى تشدها كلها وتجعل أولها تمهيداً لآخرها، وآخرها تصديقاً لأولها. لقد عنيتُ عناية شديدة بوحدة الموضوع في السورة وإن كثرت قضاياها…”. ([6]) واستطاع الغزالي تطبيق هذا المنهج على الأجزاء العشرة الأولى من القرآن، من سورة الفاتحة وحتى سورة التوبة.

نخلص مما سبق إلى أن التفسير الموضوعي يتضمن مجموعة من الأنساق المنهجية لتفسير القرآن وهي :

 

أولاً :  نسق المحاور أو الموضوعات الكبرى : كما ظهر عند

محمد عبده : في تقسيم القرآن إلى خمسة محاور رئيسة هي:التوحيد, والثواب والعقاب, والعبادة , و سبل السعادة, والقصص والأخبار .

– ومحمد الغزالي في المحاور الخمسة : الإلوهية , والكون و والقصص, والبعث والجزاء ,والتربية والتشريع.

– وحسن البناالموضوعات الكبرى: الإنسان , والكون , والمرأة , والاقتصاد, الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر, والعبادات , والأخلاق .

ثانياً: نسق المقاصد: كما ظهر عند :

– محمد عبدالله دراز ( النبأ العظيم) :حيث أشار إلى نظام عقد المعاني في السورة الواحدة.

محمد الطاهر بن عاشور ( التحرير والتنوير): وأكد على أن القرآن كله يحتوى على ثلاثة مقاصد أساسية هي : إصلاح الأحوال: الفردية , والاجتماعية , والعمرانية .

– ومحمود شلتوت (إلى القرآن ) : قسم مقاصد القرآن إلى أربعة مقاصد أساسية , الإرشاد إلى النظر والتدبر , القصص القرآني والعبرة ,إيقاظ الوجدان , الإنذار والتبشير.

ثالثاً: نسق حاجات الأمة: كما ظهر عند باقر الصدر

    حيث أشار في هذا الصد إلى خمسة موضوعات أساسية في القرآن رأى ضرورة العناية بها عند النظر في القرآن  لاحتياج الأمة إليها لمعالجة واقعها, وهي : السنن التاريخية في القرآن الكريم, عناصر المجتمع في القرآن ومكوناته وأدواره و طبيعة العلاقات فيه, التغيير والتحرير, العمل الصالح, والحرية .


([1])الصدر,محمد باقر. المدرسة القرآنية .مرجع سابق، ص23.

([2]) المرجع السابق، ص35.

([3])شلتوت, محمود. إلى القرآن. القاهرة: دار الشروق، 1983، ص5-7.

([4])الغزالي, محمد. المحاور الخمسة. القاهرة: دار الصحوة، 2000.

([5])الغزالي, محمد. نظرات في القرآن. القاهرة: دار نهضة مصر, 2005 .

([6])الغزالي, محمد. نحو تفسير موضوعي لسور القرآن الأجزاء العشرة الأولى. القاهرة: دار الشروق، ط2، 1992، ص5.