يعد الدكتور عبد الصبور فاضل، عميد كلية الإعلام – جامعة الأزهر، من أعلام الأكاديميين الراصدين لميلاد وتطور الإعلام الإسلامي الذي شهد فترات ” مد وجزر “

من هنا تأتي أهمية الحوار معه والتعرف على رؤيته لواقع الإعلام الإسلامي من خلال النقد الذاتي البناء، الذي يستهدف تشخيص الواقع رغبة في إصلاحه إلي الأفضل وتفادي سلبياته التي قللت تأثيره في القيام بدوره في نهضة الأمة..

– يعترض البعض علي مسمي ” الإعلام الإسلامي ” أصلا ، فهل توافقون علي ذلك ؟

هذا اعتراض في غير محله لأن الإعلام الإسلامي أصبح واقعا تتم ممارسته على الأرض.. نعم يمكن للبعض أن يعترض على بعض الممارستن أن يتحدث عن سلبيات أو إيجابيات، لكن أن يعترض على إطلاق هذا الاسم فهو إنكار لواقع..

ودعني أؤكد لك أن هذا النوع من الإعلام يعد أحد وسائل التعبير عن هوية هذه الأمة والدفاع عنها ولهذا فلا يجب الاستهانة به سواء من الناحية التثقيفية أو التربوية أو الترفيهية المنضبطة بضوابط الأخلاق والتدين المغروس في الفطر السوية.

– حديثكم عن أهداف تربوية وتثقيفية كأنه يلقي بمسئولية على العاملين بالإعلام الإسلامي.. فكيف تراها؟

بكل تأكيد.. فهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق القائمين على الإعلام الإسلامي، من حيث يجب أن يستشعروا أنهم أصحاب رسالة سامية وأمانة عظيمة أمام الله وتجاه هذه الأمة..

من أوجب واجبات المسلم أن يملك الدنيا ملكا حقيقيا من باب أنه قادر على إعمارها وذو خبرة في التعامل مع كل دقائقها

هذه الرسالة ينبغي أن تكون حاضرة وقت التفكير ووقت التنفيذ، على مستوى الفكرة والهدف وعلى مستوى الآليات والأساليب.. يجب أن يصنعوا الفارق بين هذا الوصف “الإسلامي” وبين رافعي أي راية غيره؛ وإلا فإنهم سيسيئون من حيث لا يشعرون، وبالمناسبة فإن كثيرين من المنتمين لهذا الحقل قد أساءوا إساءة كبيرة.

– يتحدث البعض أن كثيرين من القائمين على الإعلام الإسلامي حولوه إلي ” بيزنس ” بدليل أن أصحاب بعض الفضائيات الإسلامية هم في نفس الوقت أصحاب قنوات سينمائية تبث أعمالا ضد الدين والأخلاق.. فما رأيكم؟

للأسف هذه ازدواجية نعاني منها وتسيء إلى الإعلام الإسلامي.. لكن دعني أؤكد لك بداية أن المشكلة ليست في كون الإعلام الإسلامي بيزنس، مطلقا، ما المانع أن يكون كذلك وأن يحمل رسالة واهدافا نبيلة؟! لماذا نصر على أن نرى كل ما هو إسلامي فقير ومعدم وغير متجاوب مع مستجدات الحياة؟! نرى الشيخ فقيرا مهلهلا، نرى المؤسسات الإسلامية متأخرة والعاملين فيها يعانون من شظف العيش، نرى القنوات الإسلامية فقيرة وتعاني من ندرة الكوادر المحترفة لأنها تهرب إلى من يدفع اكثر؟!!!!

لا تناقض مطلقا بين الاثنين، بل إنني أرى أن من أوجب واجبات المسلم أن يملك الدنيا ملكا حقيقيا من باب أنه قادر على إعمارها وذو خبرة في التعامل مع كل دقائقها..!

أما الازدواجية التي تحدثت عنها فهي العيب الشديد.. بل الخطر المهدد لكيان هذه المنظومة الإعلامية… وهنا أيضا ألفت إلى أن المشكلة ليست في الإعلام الإسلامي كفكرة، بل في بعض سلوكيات القائمين عليه ولهذا ينبغي توجيه النصح لهؤلاء بأن يحددوا مواقفهم إما إلي هؤلاء أو هؤلاء..

– بالنظر إلى المضامين سعادة الدكتور.. كيف ترى مواصفات الإعلام الإسلامي المنشود ؟

الأمر غاية في البساطة بعيدا عن التعقيد والتنظير.. نريد إعلاما ينطلق من التصور الإسلامي للكون والحياة والإنسان، نريد إعلام عمران لا تخريب، نريد إعلام تنمية لا ركود، نريد إعلام حرية لا استبداد، نريد إعلام رحمة لا غلظة، نريد إعلام عدل لا ظلم، نريد إعلام مساواة لا طبقية، نريد إعلام إخاء لا عنصرية، نريد إعلام تجديد لا رجعية وتخلف، نريد إعلام تكريس لقيمة الإنسان بغض النظر عن دينه ولونه ومذهبه وعرقه!

من يفهم الإعلام الإسلامي على أنه إعلام وعظي فقط، فهو صاحب فهم قاصر

أعتقد أن حضور هذه القيم العليا داخل المنظومة الإعلامية يجعلها قادرة على اجتذاب القلوب والعقول جميعا، مع ضرورة أن تكون وسائل الوصول إليها خاضعة للتصور الإسلامي كذلك في الحل والحرمة داخل النسق العام وليس داخل الفهوم لمساحات الاختلاف.. فالقاعدة الأصولية لا إنكار في المختلف فيه!

الإعلام الإسلامي المنشود ينطلق من تقوى الله وخشيته وتحقيق القيم الدينية النبيلة وتجنب كل ما يضر المتلقين أو المتابعين وتقديم النموذج الحضاري المنطلق من التصور العقدي للأمة لتغيير واقع الأمة إلى الوضع الأفضل مسلحا بالحق والصدق وينسجم مع الفطرة السوية بإيجاز تقديم الرسالة الشمولية للإسلام الذي يمثله.

– على ذكركم للوسائل الخاضعة للتصور الإسلامي فقد اختصر البعض الإعلام الإسلامي وخاصة الفضائي في الوعظ.. كيف ترون ذلك؟

من يفهم الإعلام الإسلامي على أنه إعلام وعظي فقط، فهو صاحب فهم قاصر؛ لأن الوسائل التي تتيحها الوسائط الجديدة يمكن أن تحدث أثرا أكبر ملايين المرات مما سيحدثه شيخ جالس يخطب أمام كاميرا، فدقيقة واحدة لمشهد مصنوع باحترافية بتقنية الفيديوجراف مثلا ربما يكون له أثر لا تعادله مليون خطبة وخطبة!

غاية ما أريد قوله أن الأساليب والآليات يجب أن تتناسب مع العصر ومستجداته وطبيعة الفئات المستهدفة والرسالة المراد إيصالها، الوعظ وسيلة سليمة..؟ هذا سؤال ينبغي أن يوضع في إطار هذه الاسئلة: ما الرسالة، وما الفئة المستهدفة؟ ربما يكون نافعا أكثر من غيره مع فئة محددة، لكنه لا يكون مناسبا على الإطلاق مع فئات اخرى ورسائل أخرى، وربما لا يكون مناسبا على الإطلاق في عصر التيك واي ومواقع التواصل التي قربت العالم وجعلت منه قرية صغيرة أتيحت فيها المعلومات بأساليب شتى.

– لكن كثيرين من العاملين في الإعلام الإسلامي يردون على مثل هذا الكلام مؤكدين أنهم يواجهون تحديات كبيرة.. فهل توافقون على وجود مثل تلك التحديات؟

بكل تاكيد هناك تحديات.. هناك تحديات داخلية وأخري خارجية عديدة ولعل أهمها بوجه عام: عدم وعي كثير من الإسلاميين المعاصرين بأهمية ودور الإعلام، حتى من دخل المجال بعد ذلك دخله متأخرا وبعقلية غير احترافية، وبالتالي لم يواكب التطور التقني فضلا عن التطور المهني..

أضف لذلك أيضا عدم وجود برامج تدريبية عملية كافية وبالتالي خضع غالبيته للاجتهادات الفردية أو الرؤى الشخصية، ومن ثم ليست هناك إستراتيجية أو تنسيق أو حتى تعاون بين العاملين في مجال الإعلام الإسلامي، سواء علي مستوي الدولة الواحدة أو علي مستوي العالمين العربي والإسلامي، واقتصر على الإعلام الوعظي واغفل بقية الجوانب فتحولت الفضائية إلي ما يشبه منبر المسجد.

– تحدثت عن غياب الرؤية لدي بعض وسائل الإعلام الإسلامي فهل برأيك هذا ما أدى إلي الصدام مع الأنظمة الحاكمة ومن ثم إغلاقها ؟

للأسف هذا ما حدث.. ولكن لا يمكن التعميم؛ لأن إغفال علاج العقبات والتحديات التي تواجه الإعلام الإسلامي ستؤدي حتما إلي صدام مع السلطات الرسمية في بعض الأقطار العربية والإسلامية لأنها لم تحسن قراءة الواقع ودخلت في مناطق محظورة، أو صدر عنها القول غير المناسب في الوقت غير المناسب أو القول المناسب في الوقت غير المناسب أو بطريقة غير مناسبة..

أيضا قد تقع بعض وسائل الإعلام الإسلامي ضحية التمويل المشبوه مما يوقعها تحت طائلة القانون.. وبالتالي أصبح الإعلام الإسلامي اليوم مفعولا به وليس فاعلا ففشلت بعض وسائله في القيام بالدور المنوط بها في التثقيف والتوعية وفتح القنوات المعرفية أمام المسلمين، ومواجهة الغزو الفكري والثقافي والأخلاقي الذي تتعرض له أمتنا في عصر أصبح العالم فيه قرية كونية صغيرة مما سهل تناقل الأفكار بين كل شعوب العالم.

– التسلسل المنطقي إذن أن نسأل عن كيفية الارتقاء بالإعلام الإسلامي؟

لا يمكن تقديم رُوشتة متكاملة في هذا الإطار لأن الامر أكبر من فكرة، هو عمل متكامل يجب أن تحشد له جهود جماعية، لكن على أية حال أحب أن أؤكد على ضرورة أن تهتم الأحزاب والحركات الإسلامية ومختلف الجهات الإعلامية ذات التوجه الإسلامي بإعداد الإعلامي المتكامل من خلال توفير البيئة المناسبة وإعادة النظر في مناهج ومقررات كليات وأقسام الإعلام وتأهيل الدعاة من مختلف التيارات بالتعامل الأمثل مع ما يجري علي الساحة الإعلامية التي تشهد نوعاً من التدافع والبحث عن الامتيازات بين مقدمي الخدمة الإعلامية من ناحية ومستقبليها….

الآلة الإعلامية تلعب دورا مهمًا في حياة الأمم والشعوب في عالمنا المعاصر بل إنها المحرك للرأي العام

لابد من الوصول إلي منطقة التوازن بين الحرية والمسئولية وتطوير آليات العمل الإعلامي الإسلامي لتتماشي مع روح العصر وسرعة الإيقاع، وتوطين التكنولوجيا في دورة العمل، واستثمار سمات التميز لكل وسيلة إعلامية..

فمثلا الصحافة الورقية تتوسع في الصحافة الاستقصائية والتحقيقات التي تكشف ما وراء الكواليس في تطوير الأداء والحفاظ على المكانة وكذلك تحقيق أقصى استفادة من وسائل الإلكتروني والرقمي والفضائي.

– هل يمكن أن تكون هناك نقابة للعاملين في الإعلام الإسلامي علي مستوي الأمة كلها وليس علي المستوي المحلي فقط ؟

اقتراح جيد قابل للمناقشة بإنشاء نقابة للإعلاميين الإسلاميين ترعي مصالحهم وتدعم الارتقاء بممارسات المهنة، وإنشاء ودعم معاهد ومراكز البحوث الإعلامية لإنجاز بحوث تقويم الأداء الإعلامي بصفة دورية وتفعيل التعاون بين المؤسسات الإعلامية والأكاديمية لرفع مستوي الأداء المهني كخطوة رئيسية في السعي نحو الارتقاء بمستوي الخدمة الإعلامية الإسلامية.

 – هل يستطيع الإعلام الإسلامي المنافسة في المجال الإخباري ؟

 من الأفضل أن تكون مهمته الرئيسية بناء المنظومة القيمية والتربوية والأخلاقية والتفاعل بإيجابية في رد الشبهات عن الإسلام والمسلمين بشكل علمي وعقلي بعيدا عن الخطب؛ لأن الآلة الإعلامية تلعب دورا مهمًا في حياة الأمم والشعوب في عالمنا المعاصر بل إنها المحرك للرأي العام والمعبر عن قضايا وهموم الجماهير ويحتل دور الإعلام المرتبة الأولي في حياة الإنسان في العالم نتيجة لتأثر مختلف احتياجاته بما يدور حوله من أحداث مهمة.

بل إن التطورات التي أحدثها الإنترنت في المجتمع الإنساني خلال السنوات العشر الأخيرة ربما تعادل تلك التطورات التي مَّرت بها الإنسانية والفكر الإنساني خلال عدة قرون ماضية.

ويمكن القول أن المواقع إلكترونية الصحفية أحدثت انقلابًا كبيرا في عالم الصحافة، وأدخلت تطوير فنيًا وعمليًا ليس فقط علي مستوي القارئ بل علي مستوي الصَّحفي نفسه، وفي مصادره الصَّحفية وكذلك في شكل الصحيفة وتناول المادة الصحفية بأشكالها المتعِّددة. ولم يقف أمر عند هذا الحد بل تعداه إلي التأثير في أساليب إدارة الصحفية التي تحَّولت من إدارة التقليدية إلي إدارة إليكترونية.

– ذكرت أن من بين القيم العليا التي يتوجب على الإعلام التعامل معها هي قيمة التنمية.. كيف ترى سبل تحقيق ذلك؟

أقترح أن يشارك الإعلام الإسلامي في المشروعات التنموية والحاجات المحلية والقومية، مع التناول الموضوعي لمختف القضايا والتصريحات وخاصة المتعلقة بالمسئولين، وأن يكون أكثر التصاقا بمصالح الجماهير وحياتهم اليومية وتقديم حلول عملية لمشكلاتهم من المنظور الشرعي…

بالإضافة إلي ضرورة الابتعاد عن التصنيف إلى الفئات المتصارعة في المجتمع ولهذا لابد أن يحافظ الإعلام الإسلامي علي تميزه واستقلاله وموضوعيته.