في كتابه الشهير عام 1985، “الابتكار وريادة الأعمال”، كتب المؤلف الشهير بيتر دراكر حول مجتمع ريادة الأعمال وأثره على التنمية الاقتصادية.

ريادة الأعمال تعتمد على نظرية للاقتصاد والمجتمع ترى أن التغيير شيء طبيعي وصحي، وأن المهمة الرئيسة في المجتمع – وخاصة في الاقتصاد – في أن تقوم بفعل شيء مختلف بدلا من إعادة ما تم القيام به ولكن بشكل أفضل”.

ماذا يعني إذن أن نعيش في مجتمع تتزايد فيه روح المبادرة؟ هناك ست مميزات رئيسية هي :

1- الابتكار يسبق اللوائح .. وليس العكس :  في مجتمعات ريادة الأعمال الابتكار دائما يسبق التنظيم. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، العلماء في وادي السليكون وبوسطن ونيويورك دائما يتقدمون خطوة واحدة عن المشرعين، ويقومون بتطوير الابتكارات التي تساعدنا على حل بعض المشاكل المهمة.

دور المشرع يأتي في نهاية المطاف بعد أن يضع المبدع أو المبتكر حلولا ناجعة تساهم في تحسين حياتنا، إذا كانت اللوائح في مجتمع ما تسبق مرحلة الابتكار فمن المرجح أنها ستحد من روح المبادرة لدى المبدعين.

2- مكافأة رواد الأعمال والمبتكرين على الاختراعات التى يقومون بها :  أصحاب المشاريع في نظر مجتمع ريادة الأعمال هم ” أبطال” لأنهم يجنون أرباحا مادية من عملهم فيصبحون مضرب المثل والاقتداء بين الناس.

في المقابل نجد في المجتمعات الخالية من بيئة ريادة الأعمال المسؤولين الحكوميين والسياسيين وموظفي الخدمة المدنية هم الذين يجنون أعظم المكافآت المالية، لأنهم يملكون القرار ويستطيعون فعل أي شيء يريدونه .

قبل أن تحرر الهند اقتصادها، احتل البيروقراطيون الدرجات الاجتماعية والاقتصادية العليا ولكن هذا الأمر اختلف اليوم، حيث استطاع عدد من رجال الأعمال خلق ثروات هائلة لأنفسهم ولبلدهم وذلك بفضل فكرة ريادة الأعمال.

3-  الابتكارات تسحب المجتمع إليها لا تقتحمه : حاولت بعض الدول إقحام الابتكارات في المدارس الابتدائية والثانوية، وفي مشاريع الصرف الصحي والمياه النظيفة، ولكن هذه التدخلات كان لها أثر سلبي على استدامة هذه المشاريع.

ونشر البنك الدولي دراسة أفادت بأن أقل من 3 في المئة فقط من مشاريع البنك الدولي منذ عام 1970 من ” المرجح جدا ” أن تكون مستمرة.

من أهم ميزات مجتمعات ريادة الأعمال أن طبيعتها مختلفة وتسمح بتطوير ابتكارات منتشرة في المجتمع لتحل معضلة جديدة طرأت بعد ابتكارها،  بمعنى آخر أنها تسمح بإنجاز ما لم يتم إنجازه سابقا.

على سبيل المثال قبل عشر سنوات مضت، كان ينظر للهواتف النقالة بأنها من الكماليات لدرجة أنه كانت توصف بـ  ” لعبة الأثرياء” ، ولكن من خلال جهود المبتكرين ورجال الأعمال تم توفير بدائل مكنت مئات الملايين من فقراء الهند والصين وأفريقيا الحصول على هذه الأجهزة وبأسعار معقولة.

4- الحكومة تعتمد على إبداع المبدعين:  قدرة المجتمع على تطوير الابتكارات التي تساهم في حل المشاكل باستمرار من أفضل مؤشرات النمو والازدهار على المدى الطويل. وتدرك الحكومات أنه يجب إدارة الاقتصاد من أجل تشجيع الابتكار وريادة الأعمال حتى تبقى في دائرة المنافسة الدولية.

من ناحية أخرى، فان الحكومات التي تعتمد في الغالب على الموارد الطبيعية والإيجارات تضع مواطنيها تحت رحمة أسعار السلع  التي تحددها الأسواق الدولية وبالتالي لا تملك السيطرة عليها.

5-ينتشر العمل الجزئي بصورة أكبر : أو بعبارة أخرى، لن يقتصر العمل على العقود التي تتطلب قضاء 8 ساعات على الأقل في اليوم ، وبدلا من ذلك ستعتمد على تعاقدات قصيرة المدى ولمشروعات محددة إلى حد كبير.

6-  المجتمع إما منتعش أو يمضي في طريق واضح نحو الازدهار: ويختلف الازدهار عن النمو، فقد ينمو الاقتصاد دون أن يصبح مزدهراً، رأينا هذا يحدث فى العقد الماضي عندما كانت الاقتصادات الأفريقية مثل نيجيريا وأنجولا وغينيا الاستوائية الأسرع نمواً في العالم، لكنها فشلت في تحقيق الرخاء والرفاهية للملايين من مواطنيها.

النمو يتفرع من الازدهار الذي يشمل زيادة في مستوى المعيشة للفقراء وذوي الدخل المنخفض.

ووفقا لدراسة بيو للأبحاث فإن نسبة الفقراء وذوي الدخل المنخفض لم تتغير في الدول الأفريقية على الرغم من النمو المذهل.
وبالنظر إلى كيفية اختلاف عملية النمو في أفريقيا عن نمو اقتصادات النمور الآسيوية فى عقد الخمسينيات والستينيات، سنجد أن اقتصادات النمور الآسيوية شجعت نمو القطاع الخاص وقامت برعاية الشركات الريادية مثل : ( سامسونج،إل جي، شركة هيونداي، وفورموزا بلاستيك).

مجتمع ريادة الأعمال هو مجتمع مزدهر، لأنه يعطي كثير من الناس القدرة على اختيار العمل  والتوقيت المناسب لهم.

خلاصة القول .. الابتكار وريادة الأعمال عنصران ضروريان لأي اقتصاد أو سوق يتطلع للازدهار.