أمة (اقرأ) التى حملت رسالة التوحيد و نور الهداية إلى مشارق الأرض ومغاربها، فأخرجت الناس من ظلم العبودية والاضطهاد إلى توحيد رب العباد، ثم ما لبث أن انتشر رسلها حاملين رسائل العلم ونور الحق إلى مختلف أصقاع المعمورة يعلمون الناس ويفقهونهم و يهدونهم سبيل الرشاد.

ولم يزل حملة مشروع “اقرأ”  على الطريق سائرين حتى نهضت الأمة بالعلم والمعرفة وشيدت حضارتها الإسلامية العريقة وبلغت النهضة المعرفية أوجها وقمة إزدهارها عبر مختلف العصور، وفي العصر العباسي  أمر  المأمون بترجمة كتب اليونان، فكانت الخلافة الإسلامية في بغداد صرحا علميا ومعرفيا لا مثيل له في تاريخ الإنسانية حيث بلغت دور النشر والطباعة في أحد شوارع بغداد أكثر من 200 دار نشر وطباعة و أسست دار الحكمة التى ضمت الكثير من الكتب المترجمة في الهندسة والطب والآداب.
وهل قامت نهضت العالم اليوم إلا على علوم ومعارف المسلمين وانجازاتهم العلمية في العهد الأندلسي فقد كتبوا في الفلسفة والرياضيات والكيمياء والطب والهندسة ومن أشهرهم ابن سينا، ابن رشد، الفرابي، وابن خلدون والخوارازمي وغيرهم كثر.

ويوم أن تخلت الأمة عن وظيفتها “اقرا” انفصمت عراها وتبددت كبرياؤها وجبروتها وانتكست معالمها فقد ذهب النور الذي كان جذوة عزها ومجدها،  فلننظر إلى الأمم المتحضرة اليوم التى تفوقنا بسنوات ضوئية في العلم والتكنولوجيا كيف تشكل القراءة جزءا من وجدانها و أساسا لنهضتها.
اليابانيون من أكثر شعوب العالم إدمانا على المطالعة، قبل 8 سنوات كان عدد المكتبات في اليابان 3116مكتبة.
وعلى الرغم من التطور التكنلوجي الهائل وخاصة في الإلكترونيات فإن اليابانيين يفضلون قراءة الكتب الورقية بدلا من الكتب الإلكترونية E-Book رغم ما تنفقه الشركات المتخصصة من ملايين الدولارات لإنتاج E-book  حيث أن 94% من اليابانيين يفضلون الكتب الورقية على الإلكترونية.

ففي إستطلاع للرأي تم نشر نتائجه في ديسمبر الماضي وشمل 1200 ياباني (رجال ونساء) تتراوح أعمارهم من 15 – 69 سنة. النتائج أظهرت أن 6% من المستطلعة آرائهم يفضلونE-Book , بينما 87% يفضلون إقتناء الكتب من محلات  والمكتبات المخصصة لبيع الكتب ، 45% يفضلون شراء الكتب عن طريق الانترنت من مواقع بيع الكتب مثل : Amazon  و أخيرا 37% يفضلون شراء الكتب المستعملة، يعتبر الانفاق على شراء الكتب البند الثاني بعد الإنفاق الصحي في قائمة أولويات الإنسان الياباني

الكوريون من أكثر الشعوب الآسيوية إدمانا على المطالعة،  سنة 2014 حققت نسبة المطالعة بين صفوف المواطنين 90% و قد أثار الرقم ضجة كبيرة في أوساط الأكاديميين والمهتمين بشؤون التعليم باعتباره مؤشرا ضعيفا.
من صروح العلم والمعرفة في كوريا والذي لعب دورا هاما في تثقيف وتوعية المجتمع الكوري ما يعرف ب Paju Book City  وهي مدينة تعليمية تضم أكثر من 200 دار نشر وطباعة وتحتوي المدينة على 160 مبني عصري تمتد على مساحة قدرها 385 هكتار.

وتعتبر هذه المدينة أكبر مساهم في تزويد السوق بالكتب حسب ما ذكر مدير المدينة التعليمية السيد Ki-ung Yi
توجد مجموعة  مكتبات تساهم بشكل مباشر في  تطوير وتنمية عادة القراءة وسط الكوريين منها: المكتبة الوطنية لكوريا تأسست سنة 1945 اهتمت هذه المكتبة بجمع الكتب النادرة والوثائق التاريخية، يبلغ عدد العاملين بالمكتبة 228 موظف، وسجلت ما مجموعة 5 مليون كتاب ووثيقة ويبلغ عدد الزائرين 1.3 مليون.

المكتبة الثانية تأسست أثناء الحرب الكورية 1956 هي The National Assembly Library، وكان لهذه المكتبة دور هام في التوثيق والنشر ولعبت دورا هاما في تنمية الوعي ونشر المثل الديمقراطية بين المواطنين. يبلغ عدد العاملين بها 275 موظف وتشمل 2.5 مليون كتاب ووثيقة.

كوريا الجنوبية من أكثر الدول تطورا في مجال الصناعات الالكترونية والسيارات وغيرها دخل الفرد فيها يبلغ سنويا 36000 دولار، ويكفي ما كتب عنها الصحفي البريطاني دانييل تيدرو الذي جلس بها 10 أعوام فقط لفهم كيف استطاع هذا المجتمع أن يصنع هذه المعجزة وشخص ذلك في كتابه The Impossible County.

فى سنة 2003 أقامت مكتبة سينغافورة الوطنية إستطلاع للرأي لمعرفة مستوي إنتشار المطالعة بين صفوف المواطنين.
نتائج الإستطلاع أظهرت أن 52% من المستطلعة آرائهم يقرأون فقط من أجل “متعة القراءة” وليس من أجل التعليم أو الأمور المهنية.
نتائج الإستطلاع دفعت بالمكتبة إلى إطلاق برنامج Read Singapore لتحفيز المواطنين على المطالعة، وقد تم افتتاح هذا البرنامج من طرف وزير التعليم. فكرة البرنامج تقوم على اعتماد مجموعة كتب باللغات الوطنية:الإنجليزية، الصينية، المالاوية، تتم قراءة هذه الكتب حسب فترة محددة ثم بعد ذالك يفتح يوم لنقاش الكتب في المكتبات العامة والمدارس والمقاهي، تأتي فكرة Read Singapore  بعد فكرة مماثلة عرفت بــــ One City , One Book حققت نتائج كبيرة و أعطت دفعا جديد لتحفيز المواطنين على المطالعة.

تشير الإحصائيات المتعلقة بمؤشر المطالعة في دول العالم الإسلامي بشكل عام والدول العربية بشكل خاص إلى خلل عميق قد يكون له الأثر البالغ في رسم مستقبل حالك لهذه المجتمعات، تقرير التنمية البشرية  الصادر عام 2011 عن “مؤسسة الفكر العربي” أوضح أن العربي يقرأ بمعدل 6 دقائق سنوياً، بينما يقرأ الأوروبي بمعدّل 200 ساعة سنوياً، وهذا يوضح لنا مدى الكارثة الثقافية والعلمية التي يعيشها المواطن العربي، مقارنة بمواطنين في الدول الأوروبية، كما يؤكد وجود هوة ثقافية شاسعة بين ثقافة المواطن العربي وثقافة المواطن الأوروبي، لا تختلف بقية الدول الإسلامية كثيرا عن هذا الوضع فالكل تخلى عن لواء القراءة التى كانت أساس نهضة هذه الأمة.

 

.