قُدِّمت المضاربة في أول مسيرة الصيرفة الإسلامية على أن تكون البديل عن التمويلات الربوية إلا إن الواقع جاء أقل من هذه الآمال، فسرعان ما انحسر التعامل بها، لتحل محلها عقود وأدوات أخرى!

فعلى المستوى العملي وجدنا أن التمويل بالمضاربة لا يمثل إلا نسبة ضئيلة من أدوات التمويل بالبنوك الإسلامية.

فقد قامت بعض الدراسات بتمحيص وتحليل البيانات الصادرة عن البنوك الإسلامية، ومن خلالها أمكن التوصل إلى صورة تقريبية عن الأهمية النسبية للصيغ الاستثمارية التي استخدمتها هذه المصارف في التطبيق العملي خلال فترة ما قبل سنة 2000م، من عمر التجربة المصرفية الإسلامية، وهو ما يمكن من خلاله التعرف على حجم التمويل بالمضاربة في البنوك الإسلامي.

ويمكن إجمال نتائج هذه الدراسة في النقاط التالية:

أولا: التراجع الحاد لحجم التمويل بالمضاربة في المصارف الإسلامية التي أنشئت في بدايات التجربة المصرفية؛ حيث لم يحظ أسلوب المضاربة إلا بنسبة هامشية وصغيرة جدا من جملة الاستثمارات في جميع هذه المصارف, حيث كانت درجة اعتماد هذه المصارف علي صيغة المضاربة لتوظيف مواردها متدنية جدًّا ، لا تتناسب مع أهمية هذه الصيغة للعمل المصرفي الإسلامي كما صورتها الدراسات النظرية الأولى لطرح فكرة هذا العمل.

ففي البنك الإسلامي الأردني بلغت نسبة الاستثمار بصيغة المضاربة إلي إجمالي استثمارات البنك 1.4%, 5%, 3%, 2.6%, 3%, للأعوام1980م إلي 1984م علي التوالي بمتوسط عام 2.5% عن هذه الفترة.

وفي المصرف الإسلامي الدولي للاستثمار والتنمية بالقاهرة بلغت نفس النسبة 50%, 7.4% ,4% ,2% , 2.8% عن الفترة من 1982م إلي 1986م علي التوالي بمتوسط عام 3.2% عن هذه الفترة وقد اقتصر اتباع المصرف لهذه الصيغة علي تلك الفترة فقط.

وفي بنك البركة الإسلامي للاستثمار بلغت نفس النسبة 5.4% , 1.9% , 2.9% عن الأعوام من 1984 م إلي 1986م علي التوالي .بمتوسط عام قدرة 3.4% عن نفس الفترة.

وفي بنك فيصل السوداني كانت نسبة الاستثمار بالمضاربة إلي إجمالي استثمارات البنك صفر, 1%, 8%, 5%, 3%, صفر، وتلك الأعوام من 1980م إلي 1986م.

وبالنسبة لبنك فيصل الإسلامي المصري  فقد ذكر الدكتور محمد عبد المنعم أبو زيد أنه في مقابله له مع رئيس قطاع الاستثمار بالبنك أفاد بأن المبالغ المستثمرة من خلال أسلوب المضاربات حوالي 3% تقريبا.

كما ذكر أنه لم يعثر من خلال ما أتيح له من بيانات – علي أي نسبة مرتفعة للاستثمار بصيغة المضاربة خلال أي سنة من هذه السنوات في أي مصرف من تلك المصارف باستثناء بيت الاستثمار الإسلامي الأردني حيث تخطت هذه النسبة 50% من جملة استثماره في عام 1985 وقد تبين أن هذا المصرف قام بتصفية نشاطه عام 1987م.

 

بنوك لم تستخدم المضاربة من الأساس

ثانيا: تبين أن بعض المصارف الإسلامية لم تستخدم صيغة المضاربة لتوظيف الموارد خلال فترة عملها مطلقا, ومن هذه المصارف بنك دبي الإسلامي, وبنك البحرين الإسلامي, وبنك قطر الإسلامي, وبنك البركة البحرين، والبنك الإسلامي لغرب السودان وكذلك بنك البركة الموريتاني وبنك بنجلاديش الإسلامي.

ثالثا : من اللافت للنظر أن المصارف الحديثة النشأة – مثل  بيت التمويل المصري السعودي –  لم يمارس هذا العقد من الأساس، فقد تبين للدكتور محمد عبد المنعم أبو زيد من خلال زياراته لبيت التمويل المصري السعودي أنه لم يستخدم مطلقا صيغة المضاربة لتوظيف موارده, منذ بداية نشاطه في عام1990م وحتى عام2000م.

استمرار التراجع

رابعا: وعلي مستوى التطور الزمني لوحظ-علي الرغم من عدم جود سلسلة زمنية لعدة سنوات متتالية لعدد كاف من المصارف- انخفاض وتدني درجة اعتماد هذه المصارف علي أسلوب المضاربة سنة بعد أخرى وبصورة مستمرة تقريبا، حيث كان معدل نمو هذه النسبة سالبا في غالبية هذه المصارف .

وهكذا يتضح أن الأمر لم يقف عند حد تدني نسبة الاستثمار بأسلوب المضاربة في غالبية المصارف الإسلامية, بل لوحظ أن هذه النسبة كانت في تدن مستمر– باستثناء صعودها لسنة واحد فقط في البداية في بعض هذه المصارف -.

مقاطعة للمضاربة في بعض البنوك

خامسا: تبين أن المصرف الإسلامي الدولي بالقاهرة لم يعد يتعامل بصيغة المضاربة منذ عام 1987م, وكذلك تبين أن بنوك السودان الإسلامية الستة قد أوقفت التعامل بهذه الصيغة منذ عام 1986م بسبب قيام بنك السودان بحظر التعامل بها بحجة كثرة مخاطرها، وأنها من أكثر الأدوات الإسلامية مساهمة في خلق النقود وتوليد الضغوط التضخمية، كذلك يشير التدني المستمر(الاتجاه الهبوطي)للنسبة السابقة إلي ازدياد احتمالات التوقف عن العمل بهذه الصيغة بعد فترة.

2% نسبة المضاربة في السوق السعودي

وقد أظهرت دراسة تحليلية حديثة–صدرت في مارس2008م-أن التمويل  بالمضاربة لا يمثل سوى2% من سوق التمويل الإسلامي في المملكة العربية السعودية.

وقد قام أحد الباحثين بدراسة للأرقام والإحصاءات التي أوردها البنك المركزي السوداني لأنواع الصِّيَغ والعقود الشرعية التمويلية،([16]) وحجم التمويل بكل منها، ومن خلال التتبع والمقارنة تبين أن نسبة المضاربة لعام 2007م لا تتجاوز4.77% ولم يختلف الأمر في السنوات الأخيرة، حيث أثبتت دراسة حديثة أن نسبة عقود المشاركات في المصرفية الإسلامية لعام2010م لم تتجاوز11.56% من حجم التمويلات المصرفية، بينما وصلت نسبة عقود المداينات إلى88.44% من حجم التمويلات المصرفية لذات السنة2010م.