عند الحديث عن النهضة والبحث فيها وفي تفاصيلها لا بد من تحديد المصطلحات ومعرفة المفاهيم بدقة والتعامل معها على أساس ذلك، فللنهضة شروط، كما أن لها آثارا ونتائج ، والتفريق بين الثلاثة مهم .

شروط النهضة كما بينها المؤرخون وأهل العلم في هذا المجال هي الروح الدافعة والاعتزاز بالنفس والتاريخ ووضوح الفكرة والغاية والإيمان بقدرة الأمة التي تسعى للنهوض والأمل بإمكانية النهضة والعمل الجاد الدؤوب لتحقيقها.

أما عندما تبدأ النهضة بالفعل فستظهر بوادرها وتبدو نتائجها في العلوم والآداب والفنون وغيرها من مجالات الحياة وهذا ما حدث بالضبط  في النهضة الأوروبية لو أخذناها مثالا.

وهذا مابينه مالك بن نبي في كتابه ” شروط النهضة ” واختصره في الشكل التوضيحي التالي:

مقياس (2)

المهم هنا أن نفقه الفرق بين الشروط والنتائج ونعطي كل واحد منها حقه من الاهتمام و الأولوية والتقديم والتأخير، فليت شعري كيف يبكي البواكي على ماهو من نتائج النهضات والأمة لم تتحقق فيها شروط النهضة بعد ولم تسع فيها السعي المنشود؟!

لن يجدي المسرح والفن والأدب والموسيقى نفعا في أمة مهزوزة روحيا ومهزومة معنويا ، فاقدة الأمل وتؤثر القعود على الجد والعمل.

المشكلة تحدث عندما يرى المنبهرون بحضارة ونهضة غيرنا من المجتمعات والأمم تلك الآثار الجميلة من علوم وآداب ومبان وتقدم تقني وصناعي فينادون لمثل تلك الآثار في مجتمعنا وأمتنا ويحلمون بارتقاء القمم دون تأسيس القواعد والقيم.

وما يجب أن نعرفه بشكل واضح هو أن الحضارات تقوم بالاستفادة من غيرها وممن سبقتها ونقل ما عند الآخرين من العلوم والمعارف، ولكن هناك فرقا كبيرا بين نقل المعارف والعلوم وبين نقل وتقليد القيم والهوية.

ارجعوا الى التاريخ وفتشوا في صفحاته وابحثوا بعين الناظر المتأمل في الحضارات وأسباب وكيفية قيامها، ستجدون أن الحضارات تأخذ من علوم من سبقتها وتستفيد منها، لكن لم نجد حضارة استنسخت قيم وهوية غيرها، ماقامت حضارة إلا بالتأسيس على معين تراثها والاستقاء من وعاء لغتها.

ارجعوا الى التاريخ وفتشوا في صفحاته وابحثوا بعين الناظر المتأمل في الحضارات وأسباب وكيفية قيامها، ستجدون أن الحضارات تأخذ من علوم من سبقتها وتستفيد منها، لكن لم نجد حضارة استنسخت قيم وهوية غيرها، ماقامت حضارة إلا بالتأسيس على معين تراثها والاستقاء من وعاء لغتها.

إن أول ما نحتاج إليه في بناء نهضة أمتنا ويجب أن نسعى إليه هو استنهاض الهمم النائمة وإيقاظ الإيمان المخدر وبث روح جديدة في الأمة على أسس من قيمنا الأصيلة وهويتنا الراسخة ولغتنا المتينة.

لن تحدث النهضة على أرضنا ولن يتغير حالنا إلا اذا استنُهضت أرواحنا وتفجرت طاقاتنا وتغيرت نفوسنا وذلك بالضبط مايعنيه قوله تعالى ” إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم “.