من ديالي و مضايا  بأمس إلى الفلوجة اليوم المسلسل  الذي يعيد نفسه من جديد مسلسل القتل والقصف و الحصار والتجويع الذي يفتك بهم مسلسل  حتى أكبر المخرجين يقفون عاجزين عن تصوير  لقطة واحدة من حلقته رغم كل الخدع والمؤثرات البصرية  المتوفرة لديهم  لأن المشهد المرعبة  يفوق الوصف و التخيّل.

فمنذ احتلال العراق عام 2003، بدأت مأسي العراقيين وهي مستمرة  لحد الساعة و آخر مظاهرها  الحصار المفروض الذي يفتك بأهل الفلوجة المحاصرين بين نيران القصف المستمر من طرف المليشيات الشيعية الموالية للحكومة  و سيف تنظيم الدولة ” داعش”  الذي يذبح بدم بارد ,و ليكتمل  مثلث الابادة الجماعية بالجوع  الذي يحصد كل يوم آلاف الأرواح البريئة  وأغلبها من الأطفال والنساء والشيوخ .

فهل ما يحدث الأن في الفلوجة من إبادة جماعية في ظل صمت عالمي هو تنفيذ لمخطط رسمت معالمه سلفاً ؟

وللإجابة عن هذا السؤال لنرجع إلى الوراء قليلا ,فمنذ  احتلال العراق عمدت القوات الامريكية  لكسر كل ما هو حضاري في العراق, واستنزفت كل مقوماته الاقتصادية، و قد نتج عن هذا فراع دستوري وانفلات أمني  الذي أدي إلى بروز نزاعات طائفية، و التي تطورت إلى حربا طائفية بين سُنة وشيعة العراق في العام 2006م من جهة، ومن جهة أخرى النفوذ الذي يتمتع به النظام الإيراني في كافة مفاصل الدولة الذي شجّع على ظهور المليشيات الشيعية الحليفة لها على الساحة السياسية العراقية ,لتسخرها ضد مناوئيه  داخل العراق و خارجها .

ومع نهاية عام 2011  وبعد انسحاب القوات الامريكية، والذي خلف وراءه وضعاً  مأساوياً والذي ينتقل من سيء إلى أسوء ، فقد أحكام النفوذ الايراني سيطرته على النظام السياسي العراقي، الذي زاد من تأجيج العنف الطائفي نظرا لأسباب تاريخية وجغرافية و الدينية وسياسية .

فهذه الفوضى والوضع المشحون والمضطرب الذي كان بيئة خصبة لتنظيم الدولة  لبسط سيطرته  على المحفظات العراقية السنية وبذلك  زاد من حدة الفوضى و الشتات في المجتمع العراقي سياسيا و اجتماعيا و الذي خلف مجازر حصدت أرواح آلاف من السنين الأمر الذي أرغم بعضهم على النزوح إلى المجهول هرباً من مطرقة القصف وسندان التنظيم الدولة “داعش”  طمعاً في الأمن والأمان.

أمام المصير المجهول الذي يسير فيه هؤلاء النازحين، وجدوا أنفسهم مجبرين على دخول  المخيمات الإغاثية  أين الأوضاع  مزرية تفوق الوصف و الخيال لكن هناك خلف جدرانها المعتمة إعلاميا الخطر المحدق الذي يتربص بهم، حملات التنصير التي تستعمل أخبث وسائلها : المساعدات الغذائية، الأدوية ، المال مقابل  تنصّرهم ، وحسب شهادات من داخل هذا المخيمات فقد وصل عدد العائلات المنصّرة بأكملها إلى خمس عائلة مع بداية هذا الشهر ، أما المبلغ الذي يتم دفعه لكل شخص هناك وصل خمس مئة دولار شهرياً , بالإضافة لوعود بتسفير المرضى هناك إلى خارج البلاد لتلقي أفضل علاج مقابل تنصّرهم.

و أمام حاجة الناس هناك و الأوضاع المزرية التي يعيشون في ظلها لم يجدوا بدًا سوى الاستسلام لهم ، و انجراف في مخططاتهم الخبيثة .

و قد اعتمدت هذه الحملات التنصيرية  داخل المخيمات على وسائل للسير في مخططاتها  و التي تمثلت في توزيع كتب  و أقراص مضغوطة  تدعوا إلى التنصير و الأدهى و الأمرّ أن هذا على مرمى ومسمع مسؤولين في هذه الخيمات ، تحت ذريعة أن كل شخص حر في ما يفعل .

و في محاولة من طرف بعض الأشخاص الغيورين عن الإسلام حاولوا إدخال مصاحف  قرآنية  لكن تمّ منعهم , هل هذه الحرية هي  التي يتغنون بها بالسماح  بدخول  الكتب  التنصيرية  ومنع المصاحف القرآنية ؟

ومن هذا يحضرنا قول بوش عند غزو العراق فقد وصف عمليات  الغزو تلك أنها: “حرب مقدسة ” ، وقول جون هول رئيس – منظمة أكويب التنصيرية العالمية- ومقرها في مدينة أطلانطا الأمريكية: “منح الجيش الأمريكي الحرية للعراقيين، وجاء دور الكنيسة لمساعدتهم على ممارسة هذه الحرية”.

فهذه التصريحات تكشف و بوضوح عن أحد الأهداف الحقيقية لهذا الاحتلال، فإن مشاريع التنصير كانت تطمح في الوصول إلى العراق والعمل بحرية.

فهذا كان جانب من واقع النازحين الذين ظنوا أنهم فرّوا من نار القتل فوجدوا أنفسهم أمام جحيم التنصير مقابل الطعام والعلاج.

أما الذين بقوا داخل المناطق الحاصرة صامدين و خاصة الفلوجة، فالقصف العشوائي اليومي  الذي تمارسه المليشيات الشيعية المدعومة من طرف الحكومة  والذي لا تفرق يبن هذا وذاك،  فهذا القصف الذي يحصد العشرات من الأرواح  البريئة  من أطفال و شيوخ ونساء  دون تميز من جهة ، ومن جهة أخرى تنظيم الدولة ” داعش” ببطش سيفها الذي لا يرحم و لا يفرق بين صغير و كبير و لا بين نساء و شيوخ  يسحق، يدمر، يذبح  و يحرق بدم البارد.

و ليكتمل مشهد الموت الحصار المفروض على مدينة الفلوجة,  التي وجدت نفسها بدون طعام و لا دواء و لا ماء و كهرباء و لا وقود منذ شهور, ليزيد من عدد الضحايا و الذي جلّهم من الأطفال ليصل هذا لحد الانتحار ليرتاحوا من هذا العذاب اليومي.

كل هذه الحقائق ليست سوى جزء بسيط ما يحدث هناك فالواقع أعظم و أمر, فإننا نشهد حلقة جديدة من مسلسل الإبادة الجماعية كانت إحدى حلقاته أمس  مضايا  و ديالي و اليوم الفلوجة المحاصرة.

و في ظل ما يحدث هناك في مدينة الفلوجة المحاصرة  أين العالم من هذا ؟ العالم الذي يتغنى بالإنسانية , العالم الذي ينادي برفع الظلم , العالم الذي استشاط غضبا أمس بما حدث في أروبا ؟ لما صمت فجأة و الألاف تذبح بصمت ؟ أهذا الصمت متعمداً ينتظر تفريغ  المدينة  من أهلها ؟ أم لا مصالح  له هناك ليغض النظر عن هذه الإبادة الجماعية وبأبشع الطرق؟

أليس هذا العالم هو نفسه الذي اتهم المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني بالإرهاب و صمت عن مجازره المرتكبة  ضد الفلسطينيين والجرائم المرتكبة  ضد الانسانية في مضايا و الديالي؟

فإذا صمت العالم عن هذه الجرائم فأين الأمة العربية والإسلامية ، لما سكتت هي أيضاً ؟ ألم يحن الوقت لتحطم جدار الصمت و تتحرك لتنقذ ما بقي إنقاذه ؟ ألم يحن الوقت لوقف شلال الدم ؟