اليوم تزدهر تجارة الورود الحمراء ، وتعج الاسواق بالدببة الحمراء ، وتتزين الاسواق وتكتسي باللون الاحمر احتفاء بيوم الحب في الرابع عشر من فبراير .

وهو يوم في خلفيته التاريخية يمتد الى القرن الثالث الميلادي ، حيث كانت الديانة المسيحية في بداية نشأتها، حينها كان يحكم الإمبراطورية الرومانية الإمبراطور كلايديس الثاني، الذي حرم الزواج على الجنود حتى لا يشغلهم عن خوض الحروب، لكن الكاهن والقس (فالنتاين) تصدى لهذا الحكم، وكان يتم عقود الزواج سراً، ولكن سرعان ما افتضح أمره اعتقل وحكم عليه بالإعدام إلا إن ترك المسيحية وعاد لديانة الرومان الوثنية ، إلا أن (فالنتاين) رفض هذا العرض وآثر النصرانية فنفذ فيه حكم الإعدام يوم 14 فبراير عام 270 ميلادي ، ومن يومها أطلق عليه لقب “قديس”، واتخذت بعد ذلك الكنيسة الكاثوليكية يوم الرابع عشر من فبراير عيدا ، أسموه عيد القديس (فالنتاين) إحياء لذكراه ، لأنه فدى النصرانية بروحه وقام برعاية المحبين، وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الورود الحمراء وبطاقات بها صور (كيوبيد) الممثل بطفل له جناحان يحمل قوساً ونشاباً، وهو إله الحب لدى الرومان كانوا يعبدونه من دون الله!!وقد جاءت روايات مختلفة عن هذا اليوم وذاك الرجل، ولكنها كلها تدور حول هذه المعاني.

ولن اخوض في النظرة الفقهية الى هذا العيد او اليوم ، وهل يعتبر هذا اليوم يوم ديني في ديانة غيرنا ، وحكم المشاركة في ذلك ، فهذا امر اشبع بحثا واستدلال ، لكنني سأقف اليوم عند الحب.

الحب هذه القيمة النبيلة السامية التي تتسع مفاهيمها لتشمل كل شيء ، بل السعادة كل السعادة مرتبط بالحب ، هذا الحب الذي تم تقزيمه وتصغيره حتى بات مختصراً لحالة الهيام والعشق بين شاب وفتاة ، مع أن الحب اوسع من حالة الهيام بين ذكر وانثى ، فأعظم درجات الحب تلك التي يرتبط فيها العبد بخالقه ومولاه وكل حب بعد ذلك ناتج عنه او متفرع عنه .

حب النبي صلى الله عليه وسلم ، حب الوالدين ، تحابب الرجلين في الله ، حب الوطن ، وحب الزوجة ، حب الخطيبة ، وحب الولد ، كلها درجات من الحب تتفرع عن محبة الله.

والنبي صلى الله عليه وسلم يحثنا على إظهار مشاعر الحب هذه ، ولذلك يروي الامام احمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله عز و جل }.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر أن الإيمان ملازم للقلب العامر بالحب كما اخرجه مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا و لن تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا ادلكم على شىء إذا فعلتموة تحاببتم ، افشوا السلام بينكم )).

وروى الامام مالك عن أبي إدريس الخولاني أنه قال دخلت مسجد دمشق فإذا فتى شاب براق الثنايا وإذا الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوا إليه وصدروا عن قوله فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت فوجدته قد سبقني بالتهجير ووجدته يصلي قال فانتظرته حتى قضى صلاته ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت والله إني لأحبك لله فقال ألله فقلت ألله فقال ألله فقلت ألله فقال ألله فقلت ألله قال فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في.

وفي الحديث الصحيح الذي رواه الامام البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه يعدد النبي صلى الله وسلم الاصناف السبعة الذي سيستظلون تحت عرش ربنا يوم لا ظل إلا ظله ومنهم { رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه }.

إذاً فالمشكلة  الاساسية إننا ضيقنا مفهوم الحب ، وأخرجناه من معانيه الواسعة الجميلة النبيلة ، الى حالة يرسم فيها قلب كبير احمر اللون ، ومغروز فيه سهم يخرج من طرفه الاخر ، وتسيل منه بعض نقاط الدم ، تعبير عما بين شاب وفتاة من الوجد.

الحب والعشق ، أكثر كلمة ربما تتردد على لسان الشباب والبنات ، ولربما لن تجد شاب او فتاة إلا ومشغول بالحب ، وتحمل في قلبها أو قلبه مشاعراً يخفونه عن محيطهم ، فيصيرون كما نقول .. حبيبة .. حبيبة من أيام المدارس، وحبيبه بالجامعات، وحبيبة بعد الجامعات ، وتتغير احوالهم وطباعهم ، واذا حدثتهم يقول لك: أنا لا املك ، الأمر ليس بيدي .. ويقول لك: قلبي حبها ، وهي تقول لك: قلبي حبه ، تعبيرا عن أنه أمر خارجي لا تقاومه الإرادة.

وهنا علينا أن نطرح السؤال حتى نبحث عن رضا ربنا ونبتعد عن محرماته ، فهل هذه المشاعر والأحاسيس الذي يختلج قلب الفتاة والفتى حلال ام حرام ، وسرعان ما تأتي الإجابة بأنه أمر محير ، محير لأن مفهوم الحب غير واضح ، وليس الحبيبة متفقون عليه ، والقاعدة الفقهية تقول [ الحكم على الشيء فرع عن تصوره ] وما دام الحبيبة غير متفقين على معنى الحب علينا أن نقوم بالبحث والاستقصاء ،  فما هو المقصود بالحب؟.

كنت أتصوّر أن حالة الحب التي يعيشها المحبون من الفتيان والفتيات إنما تنشأ عن قضية غريزية ينتج عنها حالة من الصفاء والسلام النفسي ، والاستمتاع بنظرة متفائلة للحياة وللمستقبل ، ويتولد من التفاعل بها قوة دافعة من النشاط المستمر والعمل الدءوب والسعي في الأرض وعمارة الدنيا ، للوصول إلى إتمام حالة الحب وتتويجها بالارتقاء إلى قمة الحب ، ألا وهي تحقيق الزواج.

هذا على الأقل ما كنت أتصوره ، وما عشته أنا شخصياً.. ولكن وللأسف فالحقيقة الصادمة أن الحب لغالب الفتيان ما هو إلا حالة من اللعب والهزل، وفرصة لتضييع الوقت والتفاخر بعلامات الرجولة بأن هذه التي استعصت على الجميع صارت فتاته ، بينما هو للقليل من الشباب حالة جادة من مقدمات اختيار الزوج زوجة المستقبل.

صحيح أن الحب أمر فطري الأصل ، لا يتعارض مع طهارة النفس وعفتها ، ولكن الواقع  المعاش يقول أن الذي يمارس اليوم تحت اسم الحب لا علاقة له بالحب.

صحيح أن الحب هو إحساس قلبي ووجداني لا يمكن أن يعيش إنسان بدونه ، ولكن الغالب المشاهد والملاحظ على أرض الواقع ، كما هو معلوم في  زماننا الحالي تشوية مفهوم الحب كما كل المفاهيم شوهت ، فإذا ما ذكر الحب اليوم يتبادر الى الذهب مباشرة مشاهد الحب المزيف والغرام بين شاب وفتاة كما تصورها لنا الافلام ، مشاوير وانفراد تحت ظل شجرة معتمة وغزل وقبلة وهمسة ، وحرام في حرام لأن الحب اليوم أصبح استغلال عواطف وهذا ما يتعارض مع العفة التي امرنا الشرع بها.

وهنا آتي الى الحكم الشرعي فأقول : القاعدة أن الإسلام يحدد مراحل للحب حتى يكون حلالاً مباحاً ، تبدأ بالتعارف والميل القلبي ، ثم الخطبة ، ثم عقد القرآن والزواج.

لذلك اقول ، الإسلام لا يتهم ولا يدين كل أصناف الحب ، إنما يتهم ويدين فقط ذلك النوع الذي ينشأ ويستمر في الظلام !!! ، وكل ما ينشأ في الظلام يختنق ولا ينتهي إلا في ظلام أشد منه.

الإسلام لا يمانع الحب ، لأننا كما اتفقنا الحب شعور انفعالي تجاه الآخر بالارتياح ، وليس شعوراً إختيارياً ، بمعنى أن الحب لا يسعى إليه الإنسان فيقول أنا قررت أن احب ، فيبدأ في البحث عنها ويبدأ في معاكستها ومغازلتها ، لا ، الحب يأتي اليك ، ولا تستطيع أن تذهب اليه.

والإسلام كما هو معلوم يربط الأوامر والنواهي بما في وسع الإنسان ، فبالتالي الحب حلال ، وهي نعمة جميلة يضعها الله في قلب العبد.

إلا أن الإسلام يضع لهذا الحب الجميل ضوابط وقيود حتى يبقى مباحاً ومفيداً ومثمراً ولا ينقلب على صاحبه فيؤدي به الى المزالق ، وهذا القيد والضابط هو أن يبقى الحب كمشاعر تحاول أن تدفع بك الى التعارف والخطبة والزواج.

أما إن تحول الحب الى ممارسة وسلوك كلمسة وقبلة ، واستغلال عواطف ومشاعر ، ففي هذه الحالة يكون حراماً وينتج عنه سلبيات كثيرة.

إذا الشرع لا يقول لك لا تحب ، ولكن إذا احببت فلا تنحرف الى الحرام .

لا يقول لك لا تكره ، ولكن إذا كرهت فلا تظلم .

لا يقول لا تجوع ، ولكن إذ جعت فلا تسرق .

لا يقول لك لا تأخذ حقك ، ولكن لا تظلم ولا تسرف

ولذلك كان أحد أساتذتنا يعطي تعريفاً للحب فيقول: الحب هو عبارة عن شجرة صغيرة تبدأ بالزواج.. وهذا هو المرغب فيه في الشرع ، لأنك وضعت حبك في الإطار الحلال ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول { لا أرى للمتحاببين إلا النكاح } .

وانظر عن ابن عباس رضي الله عنه قال جاء رجل الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ، إن عندي يتيمة ، وقد خطبها رجل معدوم ورجل موسر ، وهي تهوى المعدوم ونحن نهوى الموسر ، فقال عليه الصلاة والسلام { لم يرى للمتحابين إلا النكاح }

وقد كانت سيرة الانبياء تشع بالحب الذي يبدأ بالزواج .

انظر الى نبي الله إبراهيم عليه السلام كان يحب زوجته سارة حباً شديداً لمدة ثمانين عاماً ، ومع حاجته الشديدة الى الانجاب لم يتزوج إلا بعد ما طلبت منه السيدة سارة أن تتزوج من هاجر ام اسماعيل والحت عليه .

نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كان شديد الحب لام المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، وعندما كان يعبر عن حبه لخديجة و تغار أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان يقول عليه الصلاة والسلام { إني رزقت حبها } رواه البخاري .

ولم ينس زوجته أبدا حتى بعد وفاتها بأربعة عشر عاما في يوم فتح مكة والناس ملتفون حول الرسول وقريش كلها تأتى إليه ليسامحها ويعفو عنها فإذا به يرى سيدة عجوز قادمة من بعيد .. فيترك الجميع ويقف معها يكلمها ثم يخلع عباءته ويضعها على الأرض ويجلس مع العجوز عليها ويتبادل معها الحديث .

بعد مغادرتها السيدة عائشة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيقول :هذه صاحبة خديجة .

فتسأل :وفيم كنتم تتحدثون يا رسول الله ؟

فقال :كنا نتحدث عن أيام خديجة .

فغارت أمنا عائشة وقالت: أمازلت تذكر هذه العجوز وقد واراها التراب وأبدلك الله خير منها؟

فقال النبى صلى الله عليه وسلم: والله ما أبدلنى من هى خير منها … فقد واستنى حين طردنى الناس وصدقتنى حين كذبنى الناس.

فشعرت السيدة عائشة أن النبى قد غضب فقالت له: إستغفر لى يا رسول الله.

ولقد كان حب النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مثلا وقدوة للمؤمنين  ، الى درجة لقب العلماء السيدة عائشة بحيبية رسول الله ، وتزخرخ كتب الحديث والسيرة بجمال الحب بين رسول الله وعائشة.

وورد في الصحيح عن البخاري ومسلم أن عمرو بن العاص عاد منتصر من غزوة ذات السلاسل ، وأراد أن يعرف مكانته عند النبي صلى الله عليه وسلم فبدأ يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قلت: من الرجال؟ قال: أبوها، قلت ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب.. فعدَّ رجالاً.

وكان عليه الصلاة والسلام يقول لعائشة رضي الله عنها: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد، وإذا كنت علي غضبى، قلت: لا ورب إبراهيم) والقسم في الحالين بالله سبحانه وتعالى، لكن إذا كان بينها وبينه شيء، قالت: إذا أرادت أن تحلف بأي مناسبة قالت ورب إبراهيم، وإذا كانت راضية ومسرورة قالت لا ورب محمد، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك . رواه البخاري .

وهنا في الختام نصيحة : إياك والحب في الظلام ، لأن الظلام لا يؤدي إلا الى ظلام أشد ، وأنتم أيها الآباء والأمهات صححوا علاقاتكم الديكتاتورية مع بناتكم وشبابكم ، لا تضعوا الحواجز بينكم فيهربوا منكم ويضطروا الى اخذ المعلومات من جاهل .