– المؤسسات العربية المعنية بالترجمة على عاتقها مهمة ثقيلة

– لا أحب أن ينظر المترجم إلى نفسه بوصفه ناقلًا فحسب

– علينا الاهتمام بالترجمة في مجالات العلوم الاجتماعية وتبسيط العلوم

– فَهْم الكتاب أهم خطوات الترجمة ويتطلب خلفيةً علميةً في مجاله

– ينبغي أن يولي المترجمون عناية باللغة العربية وعلومها مثل اللغة الأجنبية

الترجمة لها دور مهم في تبادل المعرفة، وإثراء العقول، وتلاقح الأفكار، وتكاد تكون الترجمة فعلاً ثابتًا و”عُملة متداوَلة” بين كل الحضارات، بل هي كذلك بالفعل؛ ولهذا فهي تمثل ضرورة لاسيما لدى الأمم الناشئة الباحثة عن دور فكري وحضاري في التاريخ.

وفي هذا الحوار نتوقف مع الأكاديمي المصري د. أحمد العدوي، صاحب الترجمات العديدة البديعة، لنتعرف منه على أهمية الترجمة وما يحيط بها من ملابسات معرفية وفنية؛ إضافة إلى التعرف على تجربته الشخصية في رحاب الترجمة.

ود. أحمد العدوي باحث ومؤرخ مصري، مُتخصِّص في التاريخ الإسلامي. حصَل على الماجستير والدكتوراه في الآداب من قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة. عمل باحثًا ومحاضرًا بجامعتي القاهرة، والأزهر. ويعمل حاليًا أستاذًا مساعدًا بقسم العلوم الإسلامية، كلية الإلهيات بجامعة Çanakkale Onsekiz Mart Üniversitesi  (ÇOMÜ) بتركيا. نشر عددًا من الأوراق البحثية في حقلي التاريخ الإسلامي، والتراث العربي. ومن أهم دراساته المنشورة كتابيّ: “الصَّابئة منذ ظهور الإسلام حتى سقوط الخلافة العباسية“. و”الطاعون في العصر الأُموي؛ صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية”. كما ترجم عددًا من الأعمال من أهمها: “الزواج والمال والطلاق في المجتمعات الإسلامية في العصور الوسطى” ليوسف رابوبورت. “جيش الشَّرق، الجنود الفرنسيون في مصر 1798-1801” لتيري كرودي. “المرأة ونقل المعرفة الدينية في الإسلام” لأسماء سيد. “يوميات فقيه حنبلي من القرن الخامس الهجري” لجورج مقدسي. “نشأة الإنسانيات” للمؤلف نفسه. “الطبري– حياته وآثاره” لفرانز روزنثال.

كيف جاءت قصتكم مع الترجمة؟

أعمل أستاذًا مساعدًا للتاريخ الإسلامي في إحدى الجامعات التُّركية منذ عام 2014. ولم أكن أفكر في الترجمة، وقد لعبت الصدفة دورًا كبيرًا في اتجاهي إلى الترجمة؛ ففي صيف عام 2016 اتصل بي صديقي الأستاذ إسلام مصطفى، مدير مركز تراث للبحوث والدراسات بالقاهرة، ودار بيننا حوار طويل ثم سألني هل معك هاتف الأستاذة فلانة؟ فقلت له: لا للأسف، ليس عندي. فقال: لدي كتاب يقع في دائرة اهتمامها، وحقل اختصاصها، وأريدها أن تترجمه إلى العربية. فسألته: أي كتاب؟ قال: كتاب يوسف رابوبرت، الزواج والمال والطلاق في المجتمع الإسلامي في العصور الوسطى. وهكذا دفعني الفضول لطلب الاطلاع على الكتاب فأرسله لي، وبعد ثلاثة أيام عُدت لإسلام وأخبرته أن الكتاب راق لي وأنني سأترجمه، وقد كان. ثم بعدها ألفيت نفسي مترجمًا، ووصل عدد الأعمال التي ترجمتها الآن إلى نحو 10 كتب، بعضها نُشر بالفعل، وبعضها تحت النشر.

وكيف ترون دور الترجمة في إثراء الفكر وتبادل المعرفة؟

الترجمة وسيلة للتواصل البشري فضلًا عن أنها تجسيد له؛ وهي الطريق إلى تفنيد الأحكام المسبقة والصور الذهنية المتعلقة بالآخر، كما أنها الجسر الرابط بين الثقافات، وهي العامل المحفز للتفاعل بين الحضارات المختلفة. والنظرة إلى الترجمة على أنها ضرب من ضروب الترف الفكري نظرة ضيقة، بل متعنتة؛ فالترجمة ترقى إلى كونها ضرورة إنسانية تمليها ظروف الاختلاف والتعددية الثقافية القائمة بين الأمم والشعوب.

وماذا عن معدلات الترجمة في عالمنا العربي؟

رغم أن بعض النقاد- هذه الأيام- يبالغون فيما يصفونه بـ”الإفراط في الترجمة”، فثمَّ دراسة صادمة أنجزتها “اليونسكو” حول الحصيلة الكلية للترجمة العربية، تفيد بأن إجمالي ما تُرجم إلى اللغة العربية، منذ عصر الخليفة المأمون إلى يوم الناس هذا، لا يتجاوز العشرة آلاف كتاب. وهذا العدد يساوي ما تترجمه دولة مثل إسبانيا في سنة واحدة فحسب! وما تترجمه الدول العربية مجتمعة في السنة الواحدة لا يعادل خُمس ما تترجمه اليونان وحدها في عام واحد. ويبلغ متوسط ما يترجمه العالم العربي على مدى خمس سنوات هو 4,4 كتاب مترجم لكل مليون مواطن عربي، بينما متوسط الترجمة في المجر يصل إلى 519 كتاب مترجم لكل مليون مواطن مجري في نفس المدة. تبدو هذه الأرقام صادمة حقًّا.

ومع ذلك فإن قلق هؤلاء النقاد من إقبال دور النشر العربية على الترجمة، وظهور مزيد من الأعمال المترجمة ينبع من الآثار السلبية المتصورة لهذا العدد من الترجمات على الكتب المؤلفة، أي إلى التأثير السلبي المفترض على الإبداع والتأليف. ومع ذلك فإنني أتوقع أن هذا التأثير السلبي- إن وجد- فهو مرحلي ومؤقت، وسيعود التأليف والإبداع إلى مستويات أرقى وأجود بفضل التعرض لتيار عريض من الأعمال المترجمة، والتأثر بالمناهج والأساليب المستخدمة فيها. فلا ينبغي أن نتجاهل أن عددًا كبيرًا من باحثينا للأسف يختزلون المنهج العلمي في التوثيق والعزو فحسب.

ومع ذلك فإن بعض الناس ينظرون بعين القلق إلى كثرة الأعمال المترجمة في مجال الدراسات الإسلامية، لست أملك إحصائيات دقيقة في هذا الصدد، ولكني أخمن أن الرواية الأدبية والدراسات الإسلامية على الترتيب تتصدر قائمة الكتب المترجمة في سوق الكتاب العربي. وفي هذا الصدد فنحن مدعوون إلى الاهتمام أيضًا بمجالات العلوم الاجتماعية إجمالًا، وكذلك إلى الاعتناء بترجمة كتب تبسيط العلوم التي يخرجها العلماء الأكفاء في مختلف مجالات العلوم الطبيعية. كما أننا مدعوون للعناية باللغات الغربية الأخرى مثل الألمانية والإسبانية فضلًا عن اللغتين الصينية والروسية وغيرها.

برأيكم، ما السبب في انخفاض هذه المعدلات؟

إن أسباب تخلف حركة الترجمة العربية عن السياق العام للترجمة في العالم، تكاد لا تُحصى كثرة، وعلى رأسها انخفاض معدلات القراءة الحرة في العالم العربي. إلى جانب العامل الاقتصادي؛ إذ قد يتسبب نقص التمويل في إجهاض عدد كبير من مشروعات الترجمة. وكذلك فإن الإجراءات البيروقراطية التي تتميز بها المؤسسات العامة المعنية بالترجمة تلعب دورًا ما في هذا الصدد. هذا بالإضافة إلى نظرة دور النشر الخاصة التي تغلب المصالح الربحية والتجارية على البعد الثقافي.

وكيف يمكن النهوض بواقع الترجمة؟

هناك كليات كثيرة تحمل اسم كلية اللغات والترجمة، ولا شك أنها تضطلع بدور في إعداد المترجم وتأهيله. وفي هذا الصدد أدعو دور النشر الخاصة إلى إسناد ترجمة الكتب التي تحصل على حقوقها من ناشريها الأصليين إلى مترجمين متخصصين وأكفاء، فالكتاب المترجم والكتاب التراثي ليسا سواء، فنشرة رديئة لكتاب تراثي يمكن أن تُصحح بنشرة أجود منها تصدر لاحقًا. أما الترجمة الرديئة لكتاب أجنبي فتبقى في المكتبة العربية أبد الدهر؛ إذ لن تجد دار نشر أخرى ترجمة كتاب سبق أن ترجم ونشر، مشروعًا مغريًا. وهناك أيضًا قضية التخصص؛ لقد رأيت من سوء بعض الأعمال المترجمة، ولا سيما في مجال الدراسات الإسلامية، العجب العجاب. وهناك دراسات عظيمة في مجالات التاريخ والفلسفة الإسلامية وعلم الكلام قد أساءت إليها الترجمة إلى العربية إساءات بالغة؛ لأنها أُسندت إلى مترجمين غير مؤهلين.

هل الترجمة وحدها قادرة على إحداث نقلة معرفية نوعية، أم لا بد من الاستيعاب والهضم والنقد وصولاً إلى الإبداع؟

الترجمة مُنطلق، وإذا نظرت إلى التاريخ وجدت حركات النهضة الكبرى في التاريخ قد سُبقت دائمًا بحركة نشطة للترجمة، فنهضة الحضارة العربية الإسلامية سُبقت بحركة نشطة للترجمة من اليونانية والفارسية، بل والهندية أيضًا. كذا كان الحال في عصر النهضة في إيطاليا، فقد دلت الدراسات الحديثة على أن هذا العصر سبقته وواكبته حركة نشطة للترجمة من العربية خاصة. وما أريد قوله: إن الترجمة محرك النهضة وقاطرتها. وبطبيعة الحال فإن الترجمة وحدها قادرة على إحداث النقلة المعرفية، فهي تتيح الفرصة لقوم أن يبدأوا من حيث انتهى الآخرون، بدلًا من أن يخترعوا العجلة. ولكن هذا لن يتم إلا بعد استيعاب هذه الأعمال المترجمة، وهضمها ونقدها كما تفضلتَ في السؤال، فيكون هذا كالمرقاة إلى الإبداع، وهو المرحلة المنشودة.

إذا عدنا لتجربتك الذاتية في الترجمة.. كيف تختار الكتاب المترجَم؟

منذ كنت طالبًا للماجستير في كلية الآداب بجامعة القاهرة، اعتدت تدوين العناوين التي أصادفها، حتى ولو لم تكن متعلقة على نحو مباشر بمادتي التي أجمعها. وعلى هذا النحو تكونت عندي قاعدة بيانات محدودة مكونة من عدة دفاتر تضم طائفة واسعة من العناوين العربية والأجنبية مع تقييم لها. وبعض الكتب التي أترجمها من هذه القوائم، مثل كتاب “يوميات فقيه حنبلي”. والكتب التي أختارها للترجمة تكون بعد قناعة ناتجة عن تفكير عميق، فأنا لا أترجم للترجمة، وإنما يكون العمل المترجَم في المجمل جوابًا عن سؤال مؤداه: “ماذا يضيف هذا العمل إلى المكتبة العربية في بابه”. وهذا لا يمنع من أن هناك أعمالاً تُعرض عليّ من بعض الناشرين، وهذه الأعمال لا أوافق على ترجمتها إلا بعد قراءة نقدية عميقة لهذه الكتب، ودراسة لأهميتها وجدوى نقلها إلى العربية، وهذا يتطلب بعض الوقت، وأحيانًا أكثر من قراءة للعمل قبل الموافقة على ترجمته.

وما أهم الشروط الواجب توافرها في المترجِم؟

صدقني لا أمازحك إن قلت لك: إن المترجمين يشتركون بداهة في المعرفة باللغة الأجنبية التي يترجمون منها- على تفاوتهم في تلك المعرفة- ولكن القليل منهم فحسب يعرفون لغتهم الأم؛ أعني العربية. وهذه مشكلة رئيسة؛ لذا لا ينبغي أن يولي المترجمون عنايتهم للغة الأجنبية التي يتصدون للترجمة منها فحسب، بل عليهم أيضًا أن يولوا اهتمامهم للعربية وعلومها نحوًا وصرفًا وبلاغة، ولا سيما من يتصدى لترجمة الكتب في مجال الدراسات العربية والإسلامية؛ فلابد له أن ينكب على قراءة كتب التراث، وأن يحيط بها علمًا.

وكيف يتغلب على المشكلات الفنية التي تواجهه أثناء الترجمة؟

إذا كان المترجم متخصصًا، فلن يواجه كبير مشكلات في أثناء عمله، المشكلة تكون عندما لا يكون المترجم من أهل التخصص. سيواجه المترجم غير المتخصص مشكلة الاصطلاحات بطبيعة الحال، وهي مشكلة تتطلب بناءً علميًّا متينًا في علوم العربية، ومعرفة بالمعاجم وصُحبةً لها.

وفَهْم الكتاب أهم خطوات الترجمة طبعًا، وهذا يتطلب خلفيةً علميةً في مجال الكتاب؛ فأنا أحيانًا أقف في بعض الكتب المترجمة على عبارات غامضة، فيغلب على ظني أن المترجم لم يفهم العبارة على وجهها، فألبسها ثوبًا من الغموض وحاول الالتفاف حولها، والقارئ العربي فطن وذكي، ولا يسهل خداعه بمثل هذه الأساليب. وعلى المترجم أن يبذل وسعه أولًا في فهم الكتاب، وأن يعود إلى المؤلف عند الفقرات التي لم يفهمها؛ فإذا كان المؤلف متوفيًا أو غير متجاوب، فليعد إلى المتخصصين الملمين بموضوع الكتاب. فإن لم يجد فليضع في الحاشية أنه لم يفهم الفقرة على وجه دقيق، أو أن المؤلف أغرب هنا، ويضع اجتهاده في فهمها مرفقًا بأصلها باللغة الأجنبية، فلهذا السبب وغيره اصطُنعت الحواشي.

وماذا عن العائد المادي… هل يحقق ولو قدرًا مُعِينًا للمترجِم، أم يكون الأساس وجودَ الرغبة على الإنجاز لدى المترجِم؟

لا أستطيع الحديث بلسان غيري. ولكن عن نفسي فإن دور النشر التي أتعامل معها تعاملني معاملة كبار المترجمين، وهذا أمر جيد في حد ذاته. ومع ذلك فأنا أستاذ جامعي، ومؤلف، ولا أصنف نفسي مترجمًا محترفًا، فلا أتعيش من الترجمة. وأتصور أن احتراف الترجمة لا يكفل حياة كريمة للمترجِم. وقد رأيت مترجمًا مؤخرًا في تسجيل له يقول: إنه لم يعد فقيرًا بعد أن فاز بإحدى الجوائز!

والقضية بالنسبة لي ليست مادية بقدر ما هي رسالة، فهدفي النهائي هو إثراء المكتبة العربية في حقل الدراسات الإسلامية. إلا أنني بت أستشعر عبئًا يزداد ثقلًا على كتفي بمرور الأيام، فكلما ازدادت ثقة القارئ العربي بي وباختياراتي له، كلما ضاقت دائرة الخيارات أمامي استجابة لسقف توقعات القارئ، وقد أصبح مستوى الكتاب الذي أترجمه هاجسًا يؤرقني.

هل تحرصون على منهج محدد في الترجمة؛ مثل كتابة مقدمة عن العمل المترجَم.. توضيح بعض القضايا في الهوامش.. أو التعليق على نقاط المخالفة؟

عود على ذي بدئ؛ إذ إن هذا يُعيدنا إلى الحديث عن التخصص، ما معنى أن تكون متخصصًا؟ كونك متخصصًا في موضوع الكتاب الذي تترجمه يعطيك الحق في الحكم على المحتوى، والنقد، والتصحيح، والاستدراك، وتنوير النص في الحواشي.

أما عن كتابة المقدمة فدائمًا أقول: إن مقدمة الكتاب هي دستور العلاقة بين القارئ وبين مؤلف الكتاب، وأنا- ناهيك عن عدد كبير من القراء- لا أحب الولوج إلى كتاب دون قراءة مقدمته. في هذه المقدمة هناك محاور أساسية، فعلى سبيل المثال: من حق القارئ أن يعرف قصة هذا الكتاب، ما سياقه العلمي؟ ما موضوعه الأساسي؟ ماذا يعالج بالضبط؟ لماذا اختار المترجم ترجمته؟ من هو مؤلفه؟ كيف ألف كتابه؟ وما هي مكانته العلمية بين أقرانه؟ وما هو صدى الكتاب بعد صدوره؟ وفوق ذلك بوصفي مترجمًا، يجب علي أن أكشف للقارئ عن منهجي في ترجمة الكتاب، وأن أوقفه على الصعوبات التي واجهتني في أثناء ترجمته.

لا أخفيك أنني أحيانًا أصاب بالإحباط عندما أفتح بعض الكتب العربية المترجمة، وأجدها عارية تمامًا من مقدمات المترجمين، بل يبدأ الكتاب وينتهي وليس للمترجم تعليق واحد على مادته! لا أحب أن ينظر المترجم إلى نفسه بوصفه ناقلًا فحسب.

ومع ذلك أعترف بأنني أنسى نفسي أحيانًا وأبالغ في كتابة المقدمات وأتعجّب آخر الأمر من طولها، وأعرض على الناشرين مقدماتي على أنها نسخ أوليَّة، وأنني سأختصرها لاحقًا، لكن سرعان ما يعود إليّ الناشرون طالبين مني عدم اختصارها. وعلى الرغم من ذلك يشجعني كثير من القرَّاء على عادتي هذه؛ إذ يجدون مقدماتي معينة على الانتفاع من الكتاب.

ما الكتاب الذي ترغب في ترجمته لو توافرت الظروف؟

كنت أرغب في ترجمة (نشأة الكليات) لجورج مقدسي، أردت أن أكون مترجم “النشأتَيْن”؛ ولكن حين تصدى محمود سيد محمد لترجمة (نشأة الكليات) كنت طالبًا في الصف الأول في قسم التاريخ بآداب القاهرة. ومع ذلك فعزائي أن ترجمة محمود سيد ترجمة ممتازة، كما لقيت عناية إضافية عند إعادة نشرها.

ما الرسالة التي توجهها للمؤسسات العربية القائمة على الترجمة؟

كما أسلفت، فإن الترجمة قاطرة النهضة، ومن ثم فإن على عاتق المؤسسات العربية المعنية بالترجمة مهمة ثقيلة، فلا يكفي أن تقبع بانتظار عمل يعرضه مترجم ما عليها، بل عليها أن تكون المبادرة، فتكوِّن لجانها العلمية، وتنيط بهذه اللجان اختيار عدد من الأعمال، وتنتقي لها المترجمين المؤهلين بنظام التكليف.

وكذلك فإن هذه المؤسسات لا تزال تنظر إلى نفسها على أنها مؤسسات غير هادفة للربح، وهذا في رأيي خطأ، فالمؤسسات الثقافية الكبرى في الغرب جرى إعادة هيكلتها، وغيرت معايير النشر فيها مرات ومرات لتكون مؤسسات هادفة للربح، هل تتصور مثلًا أن مطبعة جامعة أكسفورد تخسر؟ أو أن مطبعة جامعة يل تنتظر دعمًا من الجامعة؟ ولكن هذه الغاية تستلزم إعادة هيكلة شاملة على الأصعدة الاقتصادية والقانونية والثقافية للعاملين فيها.