المسلم متعبد بالدعاء فهو يدعو الله تعالى دومًا سواء استجيب له أم لم يستجب له، والمؤمن الصادق لا تمنعه عدم الإجابة من الدعاء ، فهو دائمًا واقفا بباب ربه تبارك وتعالى، لا يمل من طرق الباب.قال أبو الدرداء: رضي الله عنه: “ارفعوا هذه الأيدي بالدعاء قبل أن تُغل بالأغلال! “.

قال سفيان بن عيينة رحمه الله: «لا يمنعن أحدًا الدعاء ما يعلم في نفسه – يعني من التقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال: «رب فأنظرني إلى يوم يبعثون».

ولكن الدعاء عبادة كغيره من العبادات له شروط وأركان كما مر معك، وله موانع إذا وجدت لم يُقبل. وقد سأل الناس قديمًا وحديثًا: لماذا ندعو فلا يستجاب لنا؟ ! ولكن الكثيرين من هؤلاء لم يحاسبوا أنفسهم، ولم يحرصوا على معرفة عدم الاستجابة، ولو حاسبوا أنفسهم حساب المؤمنين الصادقين؛ لوقفوا على أسباب عدم الإجابة؛ ولكن النفوس دائمًا مولعة بحب العاجل، تريد الذي لها، ولا تريد أن تعرف الذي عليها! وهذا هو الذي أورثها الأدواء.وحري بطالب المعالي والدرجات السامية أن يسعى إلى تهذيب نفسه وتطهيرها عن الأدران.

أسباب عدم إجابة الدعاء متنوعة؛ فإذا دعوت الله تعالى ينبغي أن تضع نصب عينيك الآتي:

أولاً: الله تعالى مالك الملك ، فإن الله تعالى بيده مقاليد كل شيء، يفعل في ملكه ما يشاء لا مكره له على شيء: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣].فينبغي على الداعي أن يعلم ذلك ولا يتعجل الإجابة في كل دعاء، وإذا اعتقد العبد هذا؛ كانت نفسه طيبة عند تأخر الإجابة.

ثانيًا: قد يكون في التأخير منفعة ،وهذا سر من أسرار الدعاء يخفى على الكثيرين؛ فإن العبد لضعفه يرى مصلحته في تحقق مراده، ولا يلتفت إلى الحكم الإلهية والتقديرات الربانية. وأحيانًا يكون من مصلحة الداعي تأخر الإجابة أو عدم الإجابة ..قال الله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: ٢١٦].وجاء أن بعض السلف كان يسأل الله تعالى الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوتَ أُسرتَ وإن أُسرت تنصرت!

ثالثًا: المعاصي، وهي الداء الأكبر الذي حجب دعاء العباد عن الصعود، وأكثر أولئك الذين يشكون من عدم إجابة الدعاء آفتهم المعاصي!

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح».وقال بعض السلف: «لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طرقها بالمعاصي».فقد عمت المعاصي وتطاير شررها في كل مكان، والعصاة غافلون .. ولكن إذا نزلت المصيبة رأيتهم يجأرون إلى الله تعالى! ومثل هؤلاء كمثل رجل حارب ملكًا من ملوك الدنيا ونابذه العداوة زمنًا طويلاً ثم جاءه مرة يطلب إحسانه ومعروفه! فما ظنك بهذا الرجل؟ ! هل سيدرك مطلوبه؟ ! كلا! لن يدرك مطلوبه إلا إذا صفا الود بينه وبين ذلك الملك. فهذا هو مثل العاصي الذي يبيت ويصبح مبارزًا لربه تعالى بالمعصية ثم إذا وقع في شدة يرجو من الله أن يجيب دعاءه!

قيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله: ما بالنا ندعو فلا يُستجاب لنا؟ قال: «لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه ! وعرفتم الرسول – صلى الله عليه وسلم – فلم تتبعوا سنته! وعرفتم القرآن فلم تعملوا به! وأكلتم نعم الله فلم تؤدوا شكرها! وعرفتم الجنة فلم تطلبوها! وعرفتم النار فلم تهربوا منها! وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه! وعرفتم الموت فلم تستعدوا له! ودفنتم الأموات فلم تعتبروا! وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس! ».

وجاء في الأثر: أنه أصاب الناس قحط شديد على عهد موسى عليه السلام، فخرج ببني إسرائيل يستقي بهم، فلم يُسقوا حتى خرج ثلاث مرات ولم يُسقوا فأوحى الله عز وجل إلى موسى عليه الصلاة والسلام: «إني لا أستجيب لك ولا لمن معك وفيك نمام» فقال موسى عليه السلام: «يا رب ومن هو حتى نخرجه؟ » فأوحى الله عز وجل إليه: «يا موسى أنهاكم عن النميمة وأكون نمامًا؟ » فقال موسى عليه السلام لبني إسرائيل: «توبوا إلى ربكم بأجمعكم عن النميمة» فتابوا، فأرسل الله تعالى عليهم الغيث.

 فاحذر عاقبة المعاصي .. فإنك لن تستعين على الدعاء المستجاب بشيء أقوى من ترك المعاصي! فترك المعاصي مفتاح لباب الدعاء المستجاب.