أبرز الدكتور منذر قحف أن أكبر مشكلة تعاني منها الأوقاف في غالبية الدول الإسلامية الحديثة تعود إلى سوء الإدارة وانعدام الاستقلالية تبعا لما ورثته من نموذج الوقف العثماني في منتصف القرن التاسع عشر حيث يتم تقسيم الوقف إلى الخيري والذري، وتكون لحكومة الدول سلطة قوية ومباشرة على الوقف.

 

وقال قحف أن هذه الدول لم تسع كما لم تُعنَ بمراجعة هذه الطبيعة والتخلص من هذه الرواسب لتتمتع الأوقاف بإدارة مستقلة متخصصة تشرف على نشاطاتها واستثمار الأعيان الموقوفة، ما عدا نماذج قليلة مثل ماليزيا وسنغافورة، أعادت النظر في هذه الوضعية وكونت لجانا ومجالس خاصة تنظر في الأوقاف طبق آليات مدروسة.

صرح قحف بذلك أثناء مداخلة الدكتور منذر قحف في اليوم الأول من فعاليات المؤتمر العالمي حول الأوقاف، ونال شرف تنظيمه كل من كلية الدراسات الإسلامية، جامعة حمد بن خليفة بالتشارك مع مركز قطر للمال، ما بين فترة 4 إلى 6 من شهر ديسمبر 2018م.

عالجت ورقة الدكتور منذر، وهو أستاذ بجامعة صباح الدين زعيم في تركيا، صاحب الجرأة الأدبية الصارخة في نقد نظرات التمويل الإسلامي المعاصر وحوكمة المالية والاستثمارات، “نماذج حديثة من الوقف والأوقاف” في العالم الإسلامي، باللغة الإنكليزية، وعمد إلى المقارنة بين جهود متنوعة بين الدول الإسلامية في إدارة الأوقاف، وانتقاد ما علق ببعضها من تسيب شديد وتصرف غير لائق بالأوقاف بين النماذج المذكورة.

اهتمت الدراسة بالنماذج التنظيمية والإدارية القائمة بالأوقاف وحددت نواحي التطوير والتحسين فيها، وأثبت الدكتور منذر ضرورة استقلالية الأوقاف من النظام الحاكم، حيث إن الأوقاف ليست من المال العام حتى تنتظم تحت القطاع العام فتحتاج ضرورة إلى إشراف النظام،  بل يلزم من الأوقاف بحكم انتظامها تحت القطاع العام تفريغها من الأهداف والمقاصد الشرعية التي يرجى منها حسب ما تقرره مؤلفات الفقه الإسلامي.

تساءل منذر في إطار حديثه عن سبب غياب فكرة الحوكمة بشكل مفصل في التراث الفقهي الإسلامي، ورأى أن هذا الغياب يؤكد على ضرورة إبعاد النظام الحاكم من التدخل في تسيير قضايا الأوقاف، وأن اللجان التي يفترض أن تشرف على الأوقاف في التراث تكون جهات خاصة مستقلة ومكونة من ذوي الكفاءة والخبرة، واستشهد على ذلك بما ثبت أن عمر بن الخطاب حين يعين مسؤولا على الأوقاف يوصيه أنه لم يعينه ليكون خليفة بعده، ولعل ذلك كان سبب اختيار عمر بن الخطاب ابنته حفصة ناظرة الأوقاف.

واعتبر الدكتور قحف أن الوقف بقيت إدارته خاصة إلى فترة الحكم العثماني بدون تدخل من النظام حتى منتصف القرن التاسع عشر حيث ثم تعيين أول وزير للأوقاف في الدولة العثمانية، وذلك رغبة بإيلاء اهتمام خاص بأوقاف السلاطين التي تكاثرت عددا وريعا، غير أن هذا التعيين لم يكن القصد منه إدراة الأوقاف الخاصة، بل أطلق على أوقاف السلاطين “الأرصاد” للتفريق بين الأوقاف الخاصة، وأوقاف السلاطين العثمانية التي تدخل في أملاك الدولة.

وأشاد منذر إلى جهود كل من ماليزيا وستغافورة وإندونيسيا وغيرها وانضمت تركيا مؤخرا إلى هذا النموذج في التعامل مع الوقف الخيري حيث استبدلت هذه الدول نموذج الوقف العثماني الذي ظهر في منتصف القرن التاسع عشر لتتحول الأوقاف إلى مجموعة متنوعة من صور الوقف تتراوح ما بين نوع تكون للحكومة سلطة مباشرة عليها، إلى صور أخرى لا تتحكم فيها الدولة وهي الوقف الخيري، وذلك ضمن خطوات للتخلص من الوقف الذري، حتى تتمكن لجنة خاصة لإدارة أملاك الأوقاف واستثمارها، وتتصف الاوقاف بمؤسسات أهلية مستقلة .

أثار منذر قحف بعض الأمور السلبية التي تقع جراء انضواء أملاك الأوقاف تحت النظام العام، ومما ذكر: أن غالب الأوقاف التي كان للنظام الحاكم السيطرة الكاملة عليها تبوء بالفشل وينضب ريعها، ولا تحقق غايات الواقفين، بل هذه الأوقاف تضيع مع الوقت من الواقع والسجلات.. وضرب لذلك أمثلة مشاهدة.

ثم أنهى الدكتور منذر قحف مداخلته في هذا المؤتمر داعيا إلى ضرورة تطوير إدارة الأوقاف، وذكر بعض معايير تنظيمية لإصلاح وتطوير إدارة الأوقاف في العالم الإسلامي والتي تتكون مما يأتي :

– استقلالية لجنة إدارة الأوقاف بحيث لا يكون الواقف أحد أعضاء الإشراف.

– ضرورة وجود مكافآت مناسبة للموظفين في إدارة الأوقاف.

– مرونة الأحكام الشرعية المتعلقة بإدارة الأوقاف.

– توفر وثيقة واضحة لروئ مؤسسات الأوقاف تجذب الراغبين.

– الحوكمة تعتبر آلية مهمة من أجل البقاء المستدام للأوقاف.