إذا نظرنا إلى الظروف الصعبة التي واجهتها الأمة الإسلامية أثناء مسيرها، نجد أن الأقليات  المسلمة بما فيها الهند تواجه قضايا عديدة تحتاج إلى حلول على ضوء مقاصد الشريعة والتي ربما تظهر على أنها أمور سهلة وبسيطة، إلا أن لها جهة أخرى تؤثر في علاقة المسلمين بغيرهم أو في القيام بالدعوة الإسلامية بينهم أو في الحفاظ على الهوية الإسلامية في دولة غير إسلامية.

فلا بد من أن تكون المواقف التي يتخذها المسلم في هذه الحالات تخدم الدعوة، مع الحذر بعدم إلصاق السلبيات بالإسلام، وهو ما كان يمتاز به فقه النبي ، فمن المعلوم أن الفقه الذي يتسم بالتسامح والتعاون والتضامن ضمن دائرة النصوص والكليات والمقاصد يجد قبولا واسعاً لدى الآخرين، عن الآخر الذي يدعو إلى التعصب والتخالف والتصادم.

وعلى هذا الأساس، جاءت هذه المقالة لتتناول قضية “إنارة نلولك” لافتتاح المؤتمرات والمناسبات والتي تعتبر موضوعاً لا يزال يدور حوله النقاش في أوساط المجتمع الإسلامي في الهند دينياً وسياسياً. فإن مصطلح “نلولك” مُركب من كلمتي “نل” بمعنى طبق يجمع على أطباق، و من “ولك” تعني المصباح، وهو كما يفهم من معناه مصباح له شكله وسحنته الخاصة مع الأطباق واحد فوق واحد، وهو الذي يُنصب في هياكل الهندوس أو في بيوتهم وإنارتها تعتبر لديهم عبادة أو طقساً معيناً.

إذا تصفحنا تاريخ الأديان الكبرى في الهند نجد أن لها بعض العادات أو العبادات التي تتعلق بالمصباح كما في الهندوسية. وقد نقل أن المسيحيين بكيرالا[1] كانوا يحتفظون في بيوتهم “نلولك” الذي ينصب للعبادة عند الهندوس بعد ما أضافوا بعض التعديلات عليه مؤخرا كوضع الصلب فوقه.[2]

وكذلك روي أنه كانت هناك عادة في الجامع الكبير ب “بوناني” تسمى ب”الجلوس حول المصباح” وهي لدراسة العلوم الدينية والدنيوية. وهذا المصباح كان كقنديل يعلق في السقف ويسترسل إلى الأرض حتى لا يكون له ظل فيضئ كل ما حوله بطريق علمية، وكان المسجد من قبل بمثابة  المدرسة الحالية بالنسبة لطلاب الجامع.

إذا اختلف هذا الجلوس حول المصباح عن “نلولك” عند الهندوس لأنه لم يكن تشريعا ولم تكن له قداسة بل كان مجرد عادة، بخلاف الثاني أي “نلولك” الذي كان له علاقة وطيدة بعبادة النار لدى الهندوس. غير أننا إذا أمعنا النظر في القضية نجد أن إنارة هذا المصباح لها شكل خاص والذي ينيره لا بد أن يلتزم ببعض الشروط مثل التوجه نحو جهة معينة وغيرها. والتاريخ الديني للهندوسية يفيدنا بأن إشعال “نلولك” لم تكن من أجل الإضاءة والنور كما تُشعَل المصابيح الأخرى في البيوت بل أنها كانت بمثابة عبادة معينة تتعلق بالنار.

إنارة “نلولك” التي تستخدم دائما لافتتاح المؤسسات أو البرامج المختلفة ليست قضية بسيطة إذ أن جذورها تمتد إلى عبادة النار التي وجدت لدى الهندوس. والذي يبحث عن حكمها الشرعي يجد أن هناك بعض البواعث التي تبعد المسلم عنها وتحرمها عليه، مثل الموقف الشديد الذي اتخذه الإسلام من مشابهة عبادة الكفار والمشركين كما نرى في نهي النوافل عند طلوع الشمس وغروبها بما أنها تشابه بعبادة الشمس التي كانت يمارسها الكفار كما ورد “في حديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه عن النبي : “صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ.[3]

وهذا الحديث يوضح كل الوضوح بأن مقصد الشريعة الإسلامية النهي عن النوافل عند طلوع الشمس وغروبها هو الاتقاء عن مواقع التهم، إن أنها تتشابه بعبادة الشمس ولو كان المسلم يسجد لله سبحانه وتعالى بقلب صاف. فقضية إنارة “نلولك” أيضا تجلب نفس العواقب والنتائج لأنها اشتهر نصبها في هياكل الهندوس وفي بيوتهم للعبادة.

وأما من ناحية أخرى، هناك بعض الأدلة التي تومئ إلى أن إنارة “نلولك” جائزة مثل ما روي عن النبي r عن عمرته الأولى التي أداها بعد صلح الحديبية، حيث أنه قد ثبت أن النبي حين اعتمر وطاف الكعبة كانت مليئة بأصنام المشركين أي بآلهتهم، مع ذلك أنه لم يتجنب عن العمرة والطواف.[4]

والدليل الثاني هو ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها  في سبب نزول آية “إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ”[5] كما نقلها ابن كثير “عن عائشة قالت: قلت: أرأيت قول الله تعالى: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) قلت: فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بهما؟ فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابن أختي، إنها لو كانت على ما أولتها عليه كانت: فلا جناح عليه ألا يطوف بهما، ولكنها إنما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا كانوا يهلون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المشلل. وكان من أهل لها يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فسألوا عن ذلك رسول الله ، فقالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة في الجاهلية. فأنزل الله عز وجل: (إن الصفا والمروة من شعائر الله) إلى قوله: ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) قالت عائشة: ثم قد سن رسول الله rالطواف بهما، فليس لأحد أن يدع الطواف بهما. أخرجاه في الصحيحين”.[6]

وهذه الروايات تأخذ القضية إلى جانب آخر، حيث تجيز للمسلم أن يطوف حول الكعبة ولو في داخلها أصنام كما فعل النبي بعد صلح الحديبية وكما نرى في السعي بين الصفا والمروة حيث كان المشركون ينصبون أصنامهم فوقهما، فهي تشير إلى أن الاعتقاد إذا كان خاليا عن الشرك، والعبادة خالصة لوجه الله فيجوز للمسلم أن يقوم بعمله ولو يتشبه بعبادة الكفار.

فقضية “إنارة نلولك” لها أدلة مختلفة تؤكد على جوازها ونهيها، إلا أننا لا بد ألا نغفل بعض الحقائق المتعلقة بالحالة الاجتماعية التي تواجهها الأقلية المسلمة في الهند. وبما أن نظام الحكم في الهند يعتبر ديموقراطيا علمانيا ودستورها يضمن الحرية الكاملة لكل أديانها وطوائفها، فإن من المريب أن تُختار عادة تتعلق بعبادة دين معين، وأن تجعل وسيلة للافتتاح المناسبات العامة التي يشارك بها أتباع جميع الأديان. ومن يمعن النظر في هذه القضية وما شابهها من قضايا أخرى يتضح أمامه أن هناك مؤامرة سرية لتقديم عبادات الأغلبية – الهندوسية – وعاداتهم كثقافة عامة للهنود دون النظر إلى أديانهم.

المسألة ليست محصورة على النصوص الشرعية، بل إن لها مثل هذه الخلفيات المخبوءة وهي محاولة الأغلبية للسيطرة على ثقافة الأقليات بتعميم عباداتهم وعاداتهم.

اعتبارا لهذه العناصر التي طرحتها يتبين أن الموقف الذي يتخذه المسلم من إنارة “نلولك” لا بد أن يخدم للحفاظ على هويته الإسلامية حتى لا تذوب في محاولة طمس الآثار والهوية الإسلامية فالأفضل أن يتمسك بمبدأ “خالفوا اليهود والنصارى”[7] أي المخالفة للهندوس كما أمر النبي – – لمخالفة أهل الكتاب، بما أن مقاصد هذه الأحكام جامعة على حفاظ الهوية الدينية.

 


[1]  ولاية من الهند تقع في مؤخر أقصى جنوب الهند.

[2]  أنظر رابط: https://en.wikipedia.org/wiki/Nilavilakku

[3]  رواه مسلم (ح 832) .

[4]  https://fatwa.islamweb.net/fatwa/printfatwa.php?Id=262465&lang=A

[5]  البقرة: 158.

[6]  أنظر رابط: http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/katheer/sura2-aya158.html#katheer

[7]  هناك أحاديث كثيرة صحيحة تؤكد مخالفة أهل الكتاب والمشركين، للتفصيل فليراجع كتب السنن.