الإسلام دين التعاطف والمواساة، دين المودة والمحبة، دين الترابط بين الأغنياء والفقراء، دين التكافل الاجتماعي، دين يقع في مسئولية الجائعين على جيرانهم الأغنياء، فلا يدخل الجنة مع السابقين من بات شبعان، وجاره جائع، دين فرض للفقراء حقاً في مال الأغنياء، حيث يقول جل شأنه {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 24، 25] وخصت الشريعة الإسلامية أيام العيد بمزيد من توصية القادرين بالضعفاء والمساكين، ففرضت في عيد الفطر زكاة الفطر، وشرعت الأضحية في عيد الأضحى، توسعة على الأهل، وعلى الفقراء والمحتاجين، وإن كانت الشريعة الإسلامية لم تحدد قدراً معيناً من أضحية الغني، وتركت ذلك لأريحيته وسخاء نفسه[1].

وجاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن، يحدث عن أبيه، عن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: «لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك».[2]

فالإسلام دين المودة والمحبة ودين الألفة والاجتماع ودين التكافل والترابط بين البشر فكلهم لآدم وكلهم من ذكر وأنثى آدم وحواء.

 وإذا كان المجتمع المسلم يشبه بالبنيان فان التماسك بين لبناته أساس قوته وصلابته وزيادة نفعه وطول بقائه وكما يبدأ البنيان بلبنتين ثم ثلاثا ثم أربعا إلى أن يكتمل ويعظم يبدأ تماسك المجتمع البشري بالأبوين وأبنائهما؛ ولذا كان الأمر ببر الوالدين ثم تلاه الأمر بصلة الرحم ثم الأمر بالإحسان إلى الجار ثم الإحسان إلى المسلم ثم الإحسان إلى غير المسلم بل الإحسان إلى البهائم.

إن الإسلام يستهدف مجتمعا متكافلا متواصلا متحابا متفاعلا كمثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى وتعين إحداهما الأخرى، كما جاء في الحديث عن النعمان بن بشير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».[3]

ومن هنا شرعت زكاة الفطر في عيد الفطر، وجعلت حقا للفقير، وقد حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدرها، كما حدد قدر نصاب الزكاة في الأموال وما يخرج منها. {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].

عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»[4]

فقدرها صاع من القوت، من تمر أو شعير أو غيرهما من الأقوات، وهو ما يعادل “اثنين كيلو ونصف كيلو” تقريبا بالميزان المتعارف عليه في أيامنا، تجب على المرء عن نفسه وعن كل فرد يعوله ، وتجب عليه نفقته صغيرا أو كبيرا، غنيا كان أو فقيرا.

وبهذه المواساة اليسيرة يتم التكافل الاجتماعي، وتتم الصلة بين أفراد الأمة ويستغني الفقراء عن أجر العمل أيام العيد، ويستغني الفقير عن ذل السؤال ويشارك الأغنياءَ هو وأولاده بهجتهم،  ولذا قيل بجواز أدائها نقدا مراعاة للمقصود منها والغاية التي شرعت لأجلها ” اغنوهم عن المسألة في هذا اليوم” ولو دفعت طعاما وهو الأصل فيستطيع الفقير أن يبيع الأقوات ويشتري ما يحتاجه ويستطيع أن يشتري آجلا على أساس أنها مضمونة، وحينئذ يلتقي المسلمون غنيهم وفقيرهم على مائدة البهجة والسرور.[5]

فقد أثر أن عمر رضى اللَّه عنه تعرضت له امرأة فقيرة وهو في طريقه إلى خيبر وذكرت حاجة لها فأمرها أن تراجعه بالمدينة وأعطاها من أموال الزكاة.

وقال طاوس: قال معاذ رضي الله عنه لأهل اليمن: «ائتوني بعرض ثياب خميص – أو لبيس – في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة».[6]

وهذا الحديث أحد مباني الإسلام التي يقوم عليها مجتمع التراحم والتعاطف والتكاتف، وأن التكافل الاجتماعي في الإسلام لا يدانيه مذهب قديم.. فهو يعطى كل ذي حق حقه، ويشيع روح الحب والتعاطف بين المسلمين ويطهرهم ويزكيهم وينمي مودتهم وأموالهم.[7]

وذلك لما في هذه الزكوات من إشاعة التكافل الاجتماعي وعميق الأخوة ونشر المودة وبث الرحمة بين أفراد المجتمع المسلم، بحيث تجعله كأسرة واحدة متراصة يرحم فيها القوي الضعيف ويحسن فيه القادر إلى العاجز والغني إلى الفقير.. ومن أجل قيام مجتمع التكافل هذا سن الإسلام قواعد تضمن حق الأفراد في كفالة المجتمع لهم عند الفقر والحاجة، وعلى هذا المجتمع أن يتدخل بتوفير أسباب العيش الكريم لهذه الشريحة التي جعل الله لها حقا في أموال الأغنياء. عند ما نص على ذلك القرآن في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ [المعارج : 24 ـ 25].                                                                                              

فالصدقة تهذب الأخلاق وتزكي النفس وتربي الروح على معاني الأخلاق، إذ فيها تدريب على الجود والكرم وتعويد على البذل والتضحية، وإيثار الآخرين.([8])


[1] ـ فتح المنعم شرح صحيح مسلم (8/ 90).

[2] ـ صحيح مسلم / الحديث رقم: (2558).

[3] ـ صحيح مسلم / الحديث رقم: (2586).

[4] ـ صحيح البخاري / الحديث رقم: (1503).

[5] ـ المنهل الحديث في شرح الحديث (2/ 175).

[6] ـ البخاري / (باب العرض في الزكاة) / (2/ 116).

[7] ـ فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام (3/ 89).

([8]) محمد الطاهر بن عاشور / التحرير والتنوير : 11 /23 .