قوام صور تلاعب الكبار في البورصة يمكن إدراجها تحت ( التغرير).

والتغرير في الاصطلاح الفقهي هو : إيقاع الشخص في الغرر، والغرر: ما انطوت عنك عاقبته. [الموسوعة الفقهية الكويتية (11/ 127)]

و التغرير أعم من التدليس؛ لأن الغرر قد يكون بإخفاء عيب، وقد يكون بغير ذلك مما تجهل عاقبته. ومن صور التغرير التي يقوم بها كبار المتعاملين في البورصة للإيقاع بصغار المستثمرين:

نشر الشائعات والأكاذيب

من أكبر الأسباب التي تتأثر بها الأسهم : الأخبار المتعلقة بالسهم والأسواق المالية عموما، فأخبار مثل (زيادة رأس مال الشركة صاحبة السهم) ، أو ( تجزئة السهم) ، أو (توزيع كوبونات عالية) هذه أخبار إيجابية من شأنها أن تؤدي إلى رفع القيمة السوقية للسهم، ما يدفع المستثمرين إلى الإقبال على السهم بشرائه لإدراك جزء من هذا الارتفاع.

وأخبار مثل ( شطب السهم من القيد)، أو ( تحقيق الشركة خسارة)، أو ( تراجع سعر تقييم السهم) هذه أخبار سلبية من شأنها أن تؤدي إلى تراجع القيمة السوقية للسهم، ما يدفع حاملي السهم للتخلص منه ببيعه بسرعة قبل تأكيد الخبر

ومن المسلمات في الأسواق المالية أن السهم يتأثر بالأخبار السلبية أكثر من تأثره بالأخبار الإيجابية.

وهنا يعمد كبار المستثمرين إلى نشر أخبار كاذبة عن السهم المراد التلاعب به؛ ليتم توجيه تعاملات المستثمرين الصغار لما فيه مصلحة الكبار، سواء ببيع السهم ، أو شرائه. فقد تكون مصلحة الكبار إلى نشر أخبار سلبية عن السهم، وذلك إذا لم يكن السهم في محفظتهم، فيتم التخلص من السهم من قبل مالكيه الصغار، فيشتريه الكبار بأسعار متدنية، ثم يعود الكبار بنشر أخبار إيجابية ترفع سعر السهم، فيبيعونه بأسعار عالية، وهكذا.

الحكم الشرعي لهذه الصورة

واضح ما في هذه الصورة من الكذب، والكذب حرام بلا مراء، وبخاصة إذا ترتب عليه  أكل أموال الناس بالباطل؛ ففي الحديث : ” أن رجلاً أقام سلعة له في السوق ، فحلف بالله لقد أعطي بها ما لم يُعْطه ، ليوقع فيها رجلاً من المسلمين ، فنزل قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. رواه البخاري، رقم (2088 )

وليس معنى الحديث أن الكذب دون يمين جائز، ولكنه باليمين يدخل في هذا الإثم العظيم.

كما  تدخل هذه الصورة في النجش المحرم؛ فالنجش احتيال للإضرار بالمشتري، وليس تحريمه خاصا بصورته المعروفة.فقد ذكر النووي – رحمه الله – في شرحه لصحيح مسلم: عن بعض علماء اللغة أنه فسر النجش بالمدح والإطراء. ثم قال: «وعلى هذا معنى الحديث ” لا يمدح أحدكم السلعة ويزيد في ثمنها بلا رغبة». [شرح النووي على مسلم (10/ 159)]

وقد فسر علاء الدين الحصكفي الحنفي – رحمه الله – النجش «بأن يزيد ولا يريد الشراء أو يمدحه  ويزيد بما ليس فيه ليروجه» [الدر المختار في شرح تنوير الأبصار (5/101)]

وفسر النضر بن شميل – وهو من علماء اللغة – النجش بأنه: «أن تمدح سلعة غيرك ليبيعها. أو تذمها لئلا تنفق عنه” [ القاموس المحيط (ص-783) ].

أسلوب الصدمات السعرية

تتم المضاربة على أحد الأسهم النشطة، بحيث يتم شراء أو بيع كميات كبيرة من هذا السهم، وبالتالي يتم تصدير شعور غير حقيقي لبقية المتعاملين في السوق بأن هذا السهم مرشح للصعود في حالة شراء كميات كبيرة منه، أو أنه مرشح للهبوط في حالة بيع كميات كبيرة منه، وبالتالي يحدث نوع من الصدمة السعرية حول السهم تدفع بقية المستثمرين لشرائه أو بيعه بكميات هائلة وبذلك يحقق المضاربون أهدافهم. [ جرائم البورصة النظامية، أحمد الخليل]

إفشاء المعلومات السرية

المقصود بهذا:  أن الشركة مصدرة الأسهم، يكون بها معلومات لا يعلمها إلا  كبار الموظفين، كرئيس الشركة، والمدراء العموميين، وأعضاء الإدارة العامة، والعضو المنتدب، وأعضاء مجلس الرقابة،والمساهمين الكبار عند بعض الأنظمة، فيقوم هؤلاء بتوصيل  هذه المعلومات، في فترة زمنية يتعين عليهم فيها حفظ هذه المعلومات.

وقد وضح في نظام السوق المالي السعودي في المادة الخامسة حظر الإفصاح عن المعلومات الداخلية كما يلي:

‌أ – يحظر على الشخص المطلع أن يفصح عن أي معلومات داخلية لأي شخص آخر، وهو يعلم أو يجدر به أن يعلم أن هذا الشخص الآخر من الممكن أن يقوم بالتداول في الورقة المالية ذات العلاقة بالمعلومات الداخلية.

‌ب – يحظر على أي شخص غير مطلع أن يفصح لأي شخص آخر عن أي معلومات داخلية حصل عليها من شخص مطلع، وكان يعلم أو يجدر به أن يعلم أن ذلك الشخص الآخر الذي تم الإفصاح له من الممكن أن يقوم بالتداول في الورقة المالية ذات العلاقة بالمعلومات الداخلية.

ومن الأمثلة العملية لهذه الممارسات :

أدانت هيئة عمليات البورصة C.O.B الفرنسية “السيد برجي” في القضية المتعلقة بشركات (Yves Laurent)، وذلك لاستغلال المعلومة المتوفرة لديه قبل أن يعلمها العموم، حيث عمل على بيع أسهمه التابعة لمجموعة هذه الشركات بالتراضي خارج البورصة، في حين أنه كانت لديه معلومات تفيد أنه سيحدث انخفاض شديد لأسعار أسهم هذه المجموعة من الشركات، وألزمته الهيئة (c.o.b) بدفع غرامة مقدارها 3 مليون فرنك، وقد أيدت محكمة استئناف باريس هذا القرار مع تخفيض الغرامة إلى مليون فرنك.

الحكم الشرعي  لهذه الممارسة

لا يعتبر الحصول على معلومة عن شركة من الشركات أمراً ممنوعاً في حد ذاته، لكن الممنوع هو الحصول على معلومة سرية متميزة قبل وصولها إلى باقي المتعاملين قد تستخدم في تحقيق أرباح مادية على حساب الآخرين.

وتوصيل هذا النوع من المعلومات  لبعض المستثمرين دون بعض، فيه إخلال بمبدأ العدل والمساواة، فإذا كان الخبر سلبيا تمكن مَن وصلته المعلومة من التخلص من السهم قبل أن يتأثر سعره بالمعلومة السلبية،  وإذا كان الخبر إيجابيا، تمكن من وصلته المعلومة من الاستفادة من هذه المعلومة دون غيره.

ومما يدل على حرمة هذه الممارسات،  ما رواه مالك فى “الموطأ ” عن زيد بن أسلم  عن أبيه أنه قال ” خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب فى جيش إلى العراق، فلما قفلا، مرا على أبى موسى الأشعرى، وهو أمير على البصرة، فرحب بهما وسهل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ههنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه، فتبتاعان به متاعاً من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما، فقالا: وددنا ذلك، ففعل وكتب إلى عمر بن الخطاب: أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر، قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين! فأسلفكما! أديا المال وربحه”.