إن آدم عليه السلام كان نبياً يعبد الله وحده، وعلم أبناءه التوحيد، فقد سئل النبي صل الله عليه وسلم عن آدم: “أنبيٌّ هو قال: نعم نبي مكلمّ خلقه الله بيده ثم نفخ فيه روحه”.

فالتوحيد هو المنهج الذي صحب البشرية منذ بدئها وعليه قامت الحياة وعمرت الأرض ومن أجله خلق الله الجن والإنس: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وأما الشرك والكفر والفساد والضلال فكل ذلك طارئ وانحراف عن أصل الخلقة والفطرة التي فطر الله الناس عليها.

وقد علّم آدم أولاده التوحيد والإيمان بالخالق وقصته مع الخالق المصور العليم الحكيم التواب الرحيم سبحانه وتعالى، وقد أدى رسالته الربانية إلى ولده، فقد كان أول الأنبياء الذي أوحى الله إليهم، ومن أهم العقائد التي علّمها لذريته، عقيدة التوحيد، وأنه ليس هنالك من خالق غير الله، فالله هو الذي خلق السماوات والأرض وخلق الملائكة والجن، فلا يجوز أن يعبد من دونه شيء في السماوات أو في الأرض.

 وعلاقته بالملائكة وقضية خلقه وتصويره زوجه من الله عز وجل.

 وعرّف ذريته بأسماء الله الحسنى وصفاته كالعلم والحكمة والسمع والبصر

وحقيقة الملائكة وعداوة إبليس وقصته وزوجه مع الجنة وكيف خرجوا منها، لحكمة أرادها الله عز وجل وكيفية الرجوع إليها هو وزوجته وذريته من أولاده الصالحين.

وبين لهم خطورة المعاصي والذنوب وأهمية التوبة وطلب المغفرة والرحمة من الغفار التواب الرحيم سبحانه، وبين لهم الحياة البرزخية، والتي سيدخلها الإنسان بعد الموت، وأن الله يبعث من في القبور فيخلقهم من التراب مرة أخرى، وأن الناس سوف تحشر جميعاً ليوم الحساب، وكل من الحياة البرزخية والبعث يستدل عليها في خطاب الله تعالى لآدم وعدوه: ﴿قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

وبين لهم فناء الحياة الدنيا بأسرها وهو اليوم الذي جعله الله حداً أقصى لحياة إبليس، وأن لعنة الله على إبليس مستمرة إلى يوم الدين، وبعد ذلك سوف يكون مصيره إلى النار كغيره من الكفار.

وبين لهم أن الله تعالى قد أعد للكافرين جهنم يملؤها بإبليس وأتباعه من الجن والإنس، وقد ذكر الله في قصة آدم عليه السلام أن جهنم هي النار التي شاء أن يعذب فيها هؤلاء الكفار، وهم الذين كذبوا بآياته ولم يؤمنوا بها، وبيّن الله أن هذه النار دائمة وأن العذاب فيها مستمر، وأن أصحابها وأهلها يخلدون فيها وأنه لا يدخلها عباد الله المخلصون الذي لا سلطان للشيطان عليهم، وآدم عليه السلام هو بطل قصة بداية الخلق للجنس البشري، وبالتالي كل ما تحتويه من دروس وعبر وفوائد من طبيعي أن يحكيها لأولاده وأحفاده مع مشاركة أمنا حواء في ذلك.

وبين آدم عليه السلام لأولاده وذريته أن خلود الكافرين في جهنم يقابله خلود في نعيم لمن اتبع هدى الله، وهذه المقابلة مبنية في الآيتين الكريمتين سابقتي الذكر، قال تعالى في قصة آدم في سورة البقرة ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ۝ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ۝﴾ [البقرة:38-39].

وفي قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ﴾: نستطيع أن نذكر في هذه المناسبة ما نعتقده من أن كل آية صدرت بقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ﴾ قد أنزل معناها في كتب الرسل ووحي الله إليهم منذ عهد آدم، أي: أنزلت بنصها على لسان أول رسول بعد آدم، أو على آدم نفسه وباللغة التي كان يتفاهم بها بنو آدم منذ نشأتهم على الأرض، وأنها أنزلت على خاتم النبيين، شأنها شأن الآيات الأخرى التي نزلت بلسان النبيين من قبل ونعتقد أنه بمراجعة هذه الآيات وتدبرها جميعاً، يظهر صدق ما نقوله ولنذكر هذه الآيات فيما يلي:

 قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ [سورة الأعراف:26].

 قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: 27].

 قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف: 31].

 قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف :72].

 قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ [الإسراء:70].

ومن الأدلة على أن هذه الآيات لكافة بني آدم في إرشاداتها وتوجيهاتها ابتداء من آدم عليه السلام، أن معظم الآيات باستثناء ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾ نزلت بعد قصة آدم مباشرة في سورة الأعراف وبعد قول الله تعالى: ﴿قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ﴾ [الأعراف:25].

وأن فيها ذكر التفضل من الله بإنزال اللباس الذي يواري السوأة، ولقد كان هذا اللباس من أول الأشياء التي أنعم الله بها على آدم، وعلى آدم وحواء، ويلاحظ في الآيات الكريمة شريعة الصلاة، والأمر بأشياء تتعلق بالشرب والأكل، وهي تعاليم ما كان الله ليؤخر إنزالها إلى ما بعد عهد آدم، ثم إن فيه كذلك التنبيه بإتباع الرسل والكتب المنزلة والتفرقة بين المؤمنين ومآل كل فريق منهم، مما جاء مثله في قصة آدم نفسها.

ويلاحظ أن هذه الآيات صدرت بنداء بنى آدم على خلاف ما نراه من مناداة المؤمنين من أمة محمد بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا﴾، ومناداة البشر عامة بلفظ ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾، ويلاحظ أن الله تعالى بدأ بمناداة الناس في فجر حياتهم بلفظ ﴿يَا بَنِي آَدَمَ﴾ وأنه سوف يناديهم يوم القيامة بنفس هذا اللفظ لقوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ۝ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ۝ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ۝ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ۝ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ۝الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ۝ ﴾ [يس:60-65].

أكرم الله آدم عليه السلام بالنبوة والرسالة الربانية، فبدأ يعبد الله كما علمه الله بتعليم رسالته الجديدة وبلغها لأبنائه، وبدأ يعلم أولاده من بعده شرع الله تعالى وعلى كيفية عبادة الله والإخلاص له وسعى بكل ما يستطيع أن يقيم شرع الله في الأرض وأن يحقق التوحيد والعدالة في خلق الله سبحانه وتعالى وعلى أرضه. وقد كان أميناً على رسالة الله صادقاً في تبليغها لذريته عليه السلام، وقد غرس الأخلاق الأساسية في بنيه كالصدق والإخلاص والأمانة والعدل.

حرص آدم عليه السلام على غرس عبادة الله وتوحيده في ذريته، وتحقيق العبودية لله قيمة كبرى تسمو بالإنسان إلى معالي الأمور وترفع مستواه على سائر المخلوقات، وتعتبر من القيم الكلية الكبرى والتي من أهمها العدل والإحسان والحكمة، وتعتبر قيمة العبودية لله عز وجل من أرقى القيم الإسلامية التي دعا إليها آدم عليه السلام وموكب الأنبياء والمرسلين من بعده.

والأنبياء والمرسلون وعلى رأسهم آدم عليه السلام ينظرون إلى العبادة على أنها شاملة لكل نواحي الحياة دون خروج شيء منها عن شرع الله تعالى ودون بتر وتجزئة لمفهومها العام.

المصادر والمراجع:

  • الإمام أحمد بن حنبل، المسند، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان.

  • بشير محمد، تفاحة آدم، دار العرّاب، دمشق، سوريا، حلبوني الجادة، ص 213.

  • علي الصلابي، قصة بدء الخلق وخلق آدم عليه السلام، ص 1216-1220.

  • محمد بن عبد الله الخرعان، قصة الخلق، دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع، الرياض، ط 1، 2008، ص 305.