استمعت لأحد الشعراء اللغويين العراقيين بقناة (الشرقية) فوجدته يتحدث عما يسميه: اكتشافات لغوية له، والتي يبثها بين طلابه بالجامعة. ومن هذه الاكتشافات اللغوية حديثه عن (الحور العين) وسياقاتها في القرآن، والتي مهّد للحديث عنها بأنه “ليس هناك شيء غير مقصود؛ فالله -تعالى- يستطيع أن يستعمل أي لفظة في القرآن، فعندما اختار هذه (أي: حور عين) فإنه يريدها”.

ثم بدأ بالحديث عن كشفه اللغوي في (الحور العين) بقوله: “أغرى المؤمنين بالحور العين. لماذا اختار هذه اللفظة (الحور والعين)؟ ولم يقل: الحسناوات؛ لنعرف أنه إغراء خاص بالرجال. ولم يقل: الجميلات.

ولكن عندما تشيع في كل القرآن (الحور العين)، وفي سياقات تدل على أنه يخاطب كل المؤمنين رجالاً ونساءً. فـ(حور) جمعٌ للوصفين: أحور للرجل، وحوراء للمرأة.

فـ(الحور العين) جمعٌ لرجال كلّ واحد منهم أحور أعين. و(حور عين) جمعٌ لنساء كل واحدة منهن حوراء عيناء.

فرب العزة اختار أن يغري الاثنين: النساء بحور عين من الرجال، والرجال بحور عين من النساء؛ لأنه عادل”.

وهذا كلام لغوي لا غبار عليه؛ يقول ابن منظور: “الحَوَرُ: أَن يَشْتَدَّ بياضُ العين وسَوادُ سَوادِها، وتستدير حدقتها، وترق جفونها، ويبيضَّ ما حواليها.

وقيل: الحَوَرُ: شِدَّةُ سواد المُقْلَةِ في شدّة بياضها في شدّة بياض الجسد.

وإِنما قيل للنساء: حُورُ العِينِ؛ لأَنهن شبهن بالظباء والبقر.

وقد حَوِرَ حَوَرًا واحْوَرَّ، وهو أَحْوَرُ، وامرأَة حَوْراءُ بينة الحَوَرِ، وعَيْنٌ حَوْراءٌ، والجمع حُورٌ”([1]).

لكن هذا اللغوي الشاعر ذهب مذهبًا غريبًا؛ إذ ليس المعنى عنده أن الأحور الأعين هذا هو زوج المرأة في الجنة، بل هو من تتمتع به المرأة في الجنة إلى جنب زوجها.

كما أن الرجل يتمتع بالحوراء العيناء في الجنة إلى جانب زوجته. وألمح إلى ذلك بقوله: “نساؤنا بالجنة -كما يريد الرجال- يردن”. وأن هذا الفعل مراد الله لأهل الجنة رجالاً ونساءً، فقال: “وكما أراد الله لكم أراد لهنّ”.

وعلل ذلك الاكتشاف بأن “السياقات القرآنية كلها تدل على أن المخاطب الكل”. ورأى أن ذلك من عدل الله -تعالى، ثم دعا العلماء والمفسرين والمعنيين بالقرآن إلى “أن يقفوا على عدل الله فيما يعطيه للمؤمنين في الجنة”.

وهذا الكلام يحتاج إلى وقفة معه لإظهار عواره وتلبيسه. فالسياقات القرآنية التي يتحدث عنها بأن قوله -تعالى: “حور عين” مقصود به الرجال والنساء، يبدو أنه لم يقرأها في سياقاتها، وأنه فسر قوله -تعالى: “حور عين” بمعزل عن السياقات القرآنية.

فبالرجوع للسياقات القرآنية وجدنا أن “حور عين” وردت في ثلاث سور هي: الدخان والطور والواقعة، ووردت كلمة “حور” متبوعة بصفة جديدة في سورة واحدة هي سورة الرحمن.

وهذه السياقات جاءت كالتالي:

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ (51) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (52) يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ (53) كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الدخان: 51-54].

﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ [الطور: 17-20].

﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ (70) فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (71) حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ (72) فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (73) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ (74) فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن: 70-75].

﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ (14) عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16) يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17) بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18) لاَ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنْزِفُونَ (19) وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21) وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23) جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الواقعة: 10-24].

والملاحظ أنه في سورتي الدخان والطور كان الحديث موجهًا للمتقين، وهم جمع مذكر سالم؛ وقد تفضّل الله عليهم بتزوجيهم بالحور العين، ولا شك أنه مقصود بهنّ نساء أهل الجنة المنعوتات بهاتين الصفتين.

أما سياق سورة الرحمن فجاءت كلمة “حور” بغير وصف “عين”، ولكن تبعتها صفة أخرى هي “مقصورات”، والصفة مؤنثة، والصفة تتبع الموصوف في التذكير والتأنيث، وهذا يعني أن كلمة “حور” هنا مقصود بها نساء أهل الجنة.

أما سياق سورة الواقعة فإنه يتحدث عن السابقين، والكلمة جمع مذكر سالم؛ فيكون الحديث هنا مقصود به نساء أهل الجنة.

ومن تتبع السياقات وجدت أن الحور العين قد عُني بها نساء أهل الجنة، ولم تكن شاملة للرجال والنساء كما ذكر اللغوي الشاعر.

ومعنى أن يكون للنساء حور عين من الرجال من غير الأزواج طعن في الغيرة، وطعن في الأخلاق والشرف والدين والفطرة البشرية السوية.

وهل ما كان حرامًا في الدنيا تتم إباحته بهذه الصورة التي يدعي صاحبها أن ذلك من عدل الله -تعالى؟!

فهذا القول مخالف للأديان والأعراف والأخلاق والفطر السليمة.

فغيرة الرجل على أهله لا تنتفي في الجنة؛ فعن أنس أن النبي –صلى الله عليه وسلم– قال: “بينما أنا أسير في الجنة فإذا أنا بقصر فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي.

قال: قال: لعمر.

قال: ثم سرت ساعة فإذا أنا بقصر خير من القصر الأول، قال: فقلت: لمن هذا يا جبريل؟ ورجوت أن يكون لي.

قال: قال: لعمر، وإن فيه لمن الحور العين يا أبا حفص، وما منعني أن أدخله إلا غيرتك“.

قال: فاغرورقت عينا عمر، ثم قال: أما عليك فلم أكن لأغار([2]).

حتى إن النساء اللواتي لم يعرف لهن أزواج في الدنيا مثل مريم ابنة عمران، أو اللواتي كان أزواجهن من الكفار في الدنيا مثل آسية امرأة فرعون قد وردت بعض الآثار في زواجهن في الآخرة، فعن أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ لِعَائِشَةَ: “أَشَعَرْتِ أَنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- زَوَّجَنِي فِي الْجَنَّةِ مَرْيَمَ بنتَ عِمْرَانَ، وَكَلْثَمَ أُخْتَ مُوسَى، وَامْرَأَةَ فِرْعَوْنَ([3]).

فالأمة في غنى عن تلك الاكتشافات اللغوية التي ليس لها سلف ولو في الفرق المبتدعة المنسوبة للإسلام.


([1]) لسان العرب، مادة (حور) باختصار.

([2]) أخرجه أحمد في “المسند”، ح(13874)، وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على “المسند”: “إسناده صحيح على شرط الشيخين”.

([3]) أخرجه الطبراني في “المعجم الكبير”، (8/258)، وقد ضعّفه الألباني في “ضعيف الجامع”، ح(1235).