الإيجار المنتهي بالتمليك من المعاملات المعاصرة المستوردة والمنتشرة في عالم التجارة، ولهذا العقد أسماء كثيرة في القوانين الغربيَّة، وهو “ترْجَمة للعقد المعروف في القانون الفرنسيِّ باسم  (Vente location) وترجمته: إيجار بَيْعيٌّ”[1] “ثمَّ تطوَّر مع تطوُّر الحياة الاقتصاديَّة؛ فسُمِّي بـ(البيع بالتَّقسيط، مع الاحتفاظ بالملكيَّة حتى سداد الثَّمن)، ثمَّ تطوَّر مرَّة ثالثة إلى (الإيجار السَّاتر للبيع)، ثمَّ الأخيرة إلى ما هو عليه الآن: الإيجار المقترن بالبيع، فقد كان يُعرف أولاً باسم: البيع بالتقسيط والاحتفاظ بالملكية حتى استيفاء الثمن، ثم تطور إلى إيجار سائر للبيع، ثم تطور إلى الإيجار المقترن بالبيع”[2]. ولم تقبل البنوك الإسلامية هذا العقد بقبول كامل صوره المستوردة، وإنما حصلت بعض التعديلات التي رأتها واجبا حتى يكون عقدا إسلاميا صافيا. وهذا المقال يستكشف صورا يكون الرهن بديلا شرعيا لهذا العقد.

تعريف الإيجار المنتهي بالتمليك والتوصيف الفقهي

سبق القول بأن هذه المعاملة جديدة في أرض المسلمين ولا يعهدها الفقهاء القدامى ومن ثم لا يتصور وجود تعريفها في تراثنا الفقهي، وإنما تطرق العلماء المعاصرون إلى محاولة سبر هذه المعاملة وتكييفها تكييفا فقهيا إسلاميا، وقد عرف هذا العقد بعضهم بقوله: “عقد بين طرفين يؤجر فيه أحدهما لآخر سلعة معينة مقابل أجرة معينة يدفعها المستأجر على أقساط خلال مدة محددة، تنتقل بعدها ملكية السلعة للمستأجر عند سـداده لآخر قسط بعقد جديد”[3].
وقد تعددت صور الإجارة المنتهية بالتمليك تبعا لما يراد بها عند العقد، ولم تتفق كلمة المجمع الفقهي الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في حسم موضوعه؛ حيث صدر عن المجمع ثلاثة قرارات في أوقات مختلفة وبنتائج متباينة مما يدل على عمق المسألة، لأنه عقد مركَب من أكثر عقود، ونجد فيه شوبة الإجارة من حيث اللفظ والشكل، وشوبة معنى البيع بالتقسيط أو البيع المجرد، وشوبة الرهن من حيث حبس السلعة المبيعة، وشرط عدم نقل ملكية المبيعة إلا بعد نهاية سداد جميع الأقساط.

ثم انتهى قرار المجمع إلى أن للإيجار المنتهى بالتمليك صورتان: الجائزة والممنوعة.

(أ) ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان في وقت واحد، على عين واحدة في زمن واحد.

(ب) ضابط الجواز:

1 – وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زمانًا لحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة والخيار يوازي الوعد في الأحكام.

2 – أن تكون الإجارة فعلية، وليست ساترة للبيع.

(ج) أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك، لا على المستأجر، وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين، من غير ناشيء من تعد المستأجر، أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.

(د) إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة، فيجب أن يكون التأمين تعاونيًّا إسلاميًّا، لا تجاريًّا، ويتحمله المالك المؤجر، وليس المستأجر.

(هـ) يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين.

(و) تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر، لا على المستأجر، طوال مدة الإجارة.[4]

متى يكون الرهن بديلا شرعيا للإيجار المنتهي بالتمليك؟

الأصل في العقود في الفقه الإسلامي أن تكون على بينة الأركان والشروط، والبعد عن الموانع الشرعية، مع مراعاة الصدق والأمانة، وإذا نظرنا إلى طبيعة الإيجار المنتهى بالتمليك بنظر ثاقب ندرك أنه ينقصه الوضوح والصراحة، إذ فكرة العقد تدور حول إجارة أو بيع معا، أو إجارة وبيع معا، أو إجارة ووعد بالبيع معا، ولا يستعبد الانكار في مثل هذا العقد كثيرا، لأنه من جملة عقود وافدة من بيئة غير إسلامية فيجب أن يصاغ صياغة مقبولا شرعا.    
فعقد الإيجار المنتهى بالتمليك تلقيا أو بمقابل ثمن رمزي أو حقيقى وإنه عقد لا يخلو من المحاذير الشرعية ولا يجوز التعامل به.
كأن يقول شخص لآخر: أجرتك هذه السيارة بأجرة ألف في نهاية كل شهر لمدة ثلاث سنوات، على أنك إذا وفيت بهذه الأقساط جميعها في تلك السنوات، صارت السيارة ملكا لك مقابل ما دفعته من أقساط الأجرة في هذه السنوات،… أو بعتك إياها بخمسة ألاف أو وعدتك بالبيع إلزاما، ويقول المستأجر: قبلت.

والهدف الباعث على اللجوء إلى مثل هذه العقود هو رواج المالك لمبيعاته والتشجيع على الشراء بالتقسيط مع وجود ضمان كاف حيث تبقى ملكية المبيعات له، خوفا من المخاطر التي قد يتعرض لها من العقود بلا ضمان كتعرضه لمماطلة أو الجحود وغيرهما، ولذا اتخذ هذا المسلك الذي هو في حقيقته عقد بيع مستتر بلون الإجارة، بيد أنه يوجد في الفقه الإسلامي ما يغني عن ذلك المسلك الذي لا يخلو من التدليس، والرهن هو طريق الأمثل لاستيثاق الحقوق وضمانها.

 ويجوز للمالك أو المصرف ونحوهما أن يشترط رهناً في عقد البيع لضمان حقه، سواء كان رهن الأسهم أو رهن الأوراق التجارية أو رهن الحساب الجاري والاستماري، وله أن يجعل المبيعة نفسها رهنا، بحيث لا يتمكن المشتري من التصرف في المبيع تصرفا يضر بالمالك – كبيع المبيعة مثلا- إلا بعد سداد الأقساط المتفق عليها.

وعلى هذا المبدأ، لو يريد المؤجر إجارة الآلات أو المعدات –مثلا- مع احتفاظه بملكية تلك الأعيان جريا على أنه بإنتهاء عقد إجارة تلك الأشياء سيتملكها المستأجر تلقائيا أو بملبغ رمزي أو بثمن حقيقي، والبائع هنا قد تمثل في صورة المؤجر، والمشتري تمثل في صورة المستأجر وهذا هو عين التدليس، ولكن حتى تكون المعاملة صافية وخارجة عن نطاق المحاذير الشرعية، فإنه يحق للبائع أن يجعل الأشياء المبيعة مرهونة فيمنع المشتري من التصرف فيها حتى ينفك الرهن إلا أن يأذن بذلك، وعليه يكون البيع حقيقيا لا محذور فيه مع تحقق غرض ضمان حق البائع من الضياع أو الجحود.

وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي بهذا الرأي فجاء في قراره رقم: 53/2/6:” يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلّة”.[5]

والرهن في باب المعاملات المالية له دور عظيم، يحل كثيرا من المشاكل التجارية والقروض الربوية، فالتنويه بشأنه والاعتماد عليه في توثيق المعاملات وضمان الحقوق وحمايتها يجعل كل من البائع والمشترى في المأمن والسلامة من الوقوع في النزاعات أو الشبه الربوية وما شابه ذلك من المحاذير الشرعية.


[1] المعاملات المالية أصالة ومعاصرة 9/521

[2] مجلّة مجمع الفقه الإسلاميّ 5/ 260.

[3] الإجارة المنتهية بالتمليك، خالد عبد الله الحاف، ص: 48

[4]  قرار رقم: 110 (12/4)

[5]- مجلّة مجمع الفقه الإسلاميّ في جدّة – العدد 6 ص: 321