أصل الشركة اختلاط النصيبين فصاعدا، بحيث لا يتميز أحدهما عن الآخر.

والشركة في اصطلاح الفقهاء: يختلف مدلولها لاختلاف أنواعها لديهم، حيث تتنوع الشركة إلى شركة أملاك وشركة عقود.

وتتنوع شركة العقود إلى شركة أموال، وشركة أبدان، وشركة وجوه، وتتنوع كل من هذه إلى شركة مفاوضة وشركة عنان…

لكن مصطلح الشركة يقتضي من حيث العموم ثبوت الحق شائعا في شيء واحد، أو عقد يقتضي ذلك، وهكذا عرفها ابن قدامة في المغني بأنها: “الاجتماع في استحقاق أو تصرف”.

وهذا التعريف من أجمع تعريفات الفقهاء للشركات بفهموها العام؛ ذلك أن الاستحقاق يشمل: استحقاق العين، وتملكها بالإرث، أو الشراء، أو الاستيلاء، أو الاتهاب، أو الصدقة، أو الوصية.
كما يشمل ملك العين ومنفعتها، أو ملك أحدهما دون الآخر، ويطلق على هذا القسم شركة الأملاك.

وما أشار إليه في ابن قدامة في التعريف من الاجتماع في التصرف، يشمل: شركات العقود جميعها من: شركة مفاوضة، وشركة عنان، وشركة تقبُّل، وشركة وجوه، وغيرها.

نشأة الشركات  ومشروعيتها

منذ أن وجد الإنسان احتاج إلى التعاون مع أخيه الإنسان، وقد اتخذ هذا التعاون مظاهر شتى، وأشكالا مختلفة: منها ما هو أدبي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو مادي، وبسبب تلك الحاجة وجد بين الناس نوع من المعاملة يطلق عليه اسم الشركة وقد نمت هذه الشركة وتطورت على مر الزمن، واتسعت باتساع المدن، وكثرة الحاجات، ورقي الإنسان.

ومع وجود الشركات وجدت القوانين المنظمة لها في كل العصور، وعند معظم الأمم التي عرفت الشركات، كالفراعنة، والبابليين قبل ألفي عام من ولادة المسيح عليه السلام.

كما عرف الإغريق الشركة في القرن السادس قبل الميلاد، وتناولها الرومان بالتنظيم في قانونهم حيث بينوا خصائصها.

ثم لما جاء الإسلام بعد ذلك وجد التعامل في الشركة قائما بين العرب وخاصة عند قريش؛ لما كان لهم من نشاط تجاري فشرع التعامل بالشركة ووضع عموميات أحكامها، ثم جرى التعامل بها في صدر الإسلام دون أن يكون هناك تفصيل في بيان أحكامها، ولما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية، ودخل الناس في الدين أفواجا وتعددت مصالح الناس وكثرت الحوادث وانتشرت التجارة في رقعة العالم الإسلامي، وكثر استنباط الأحكام الشرعية للمسائل المتجددة، فصل الفقهاء أحكام الشركة وتوسعوا في بيان ما يباح منها وما لا يباح.

فأجاز الإمامان أبو حنيفة ومالك أنواعا من الشركات: كالمفاوضة والعنان والأبدان والمضاربة “والوجوه عند أبي حنيفة.

ولما جاء الشافعي أداه اجتهاده إلى تضييق أنواع الشركات فلم يجز إلا شركة العنان والمضاربة.

وأما الإمام أحمد فقد أجاز التعامل بجميع أنواع الشركات التي قال بها الفقهاء من قبل.

الإسلام إذا قد أباح الشركة من حيث الأصل بل ندب إليها كما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله: ((يقول الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان خرجت من بينهما)) قال المناوي فيض القدير: “أنا ثالث الشريكين” بالمعونة وحصول البركة والنماء ” ما لم يخن أحدهما صاحبه” بترك أداء الأمانة وعدم التحرز من الخيانة “فإذا خانه” بذلك “خرجت من بينهما” بعني نزعت البركة من مالهما.

قال الطيبي: فشركة الله لهما استعارة كأنه جعل البركة بمنزلة المال المخلوط فسمى ذاته ثالثا لهما، وقوله: “خرجت” فيه ندب إلى الشركة وأن فيها البركة بشرط الأمانة، وذلك لأن كلا منهما يسعى في نفع صاحبه والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه كما في خبر آخر.

فهذا الأثر يقتضي الترغيب في الشركات “توسيعاً على الناس في معاملاتهم، وتنويعاً لطرق الكسب الحلال، وتحريكاً للأموال الراكدة، وتنمية لأموال العاجزين عن العمل، وتهيئة الفرصة للعاطلين عن العمل، وتحقيق مصالح الفرد والأمة، وسد أبواب الكسب المحرم”.

 

أهم أنواع الشركات شيوعا في الفقه الإسلامي.

 

1 – شركة المفاوضة: مفاعلة من التفويض، يقال فوض أمره إليه إذا رده إليه وجعله حاكما فيه، ومقتضى هذه الشركة: أن يفوض كل واحد من الشريكين إلى صاحبه التصرف في ماله؛ مع غيبته وحضوره.

وهي تتضمن وكالة وكفالة، فكل واحد من الشريكين وكيل عن صاحبه في التصرف وكفيل له في الالتزام.

2- شركة العِنان: وهي من عنّ إذا عرض وظهر، أي أنه عرض لهما شيء فاشتركا فيه بمال وعمل، وهي تتضمن وكالة فقط لا كفالة، وبهذا تفارق شركة المفاوضة.

وتصح شركة العنان مع تساوي المال، واختلاف الربح، أو اختلاف المال وتساوي الربح، وقد يتساوى المال والربح وهذا هو الأصل. ولبعض الفقهاء فيها قيود أخرى.

3- شركة الصنائع والتقبل: أن يشترك الصانعان: من أصحاب الخياطة أو النجارة أو نحو ذلك، فيقبلان الأعمال، وما حصلاه من أجر فهو بينهما على ما شرطاه، وهي جائزة عند أبي حنيفة ومالك، وإن اختلفت الصنعة عند أبي حنيفة فلا بأس عنده من اشتراك نجار وصباغ مثلا.

4- شركه الوجوه: هي أن يشترك اثنان فيما يشتريان بجاههما، وثقة التجار بهما، من غير أن يكون لهما رأس مال، ويبيعان ما اشتريا، والربح بينهما على ما اتفقا. وهي جائزة عند أبي حنيفة، باطلة عند مالك والشافعي؛ كما ذكر ابن رشد في بداية المجتهد.

5- شركة المضاربة: وهي مفاعلة من ضرب في الأرض: إذا سار فيها، وهي شركة في الربح، تقتضي دفع مال إلى آخَرَ ليتجر به، ويكون الرِّبْحُ بينهما على ما يَتَّفِقان عليه، وتكون الخسارة إن كانتْ في رأسِ المالِ. فالمال من طرف والعمل من طرف والربح مشترك والخسارة في رأس المال، ويسميها بعض الفقهاء قراضا، وهي أكثر أنواع الشركات شيوعا. ومنها اشتراك اثنين على أن يكون المال من أحدهما والعمل منهما معا كما ذكر ابن قدامة قال:” مثل أن يخرج أحدهما ألفًا ويعملا فيها معًا، والربح بينهما، فهو جائز… وتكون مضاربة”.

 

من أنواع الشركات الحديثة

لقد استجدت في هذا العصر مسميات لشركات لم تكن معروفة وإن كانت أحكامها الفقهية وضوابطها الشرعية في مجملها لا تخرج عن أحكام وضوابط  الشركات التي ذكرها الفقهاء وخاصة شركة العنان وشركة المضاربة، فجل الشركات الحديثة تعود إلى هاتين الشركتين.

والشركات الحديثة أنواعها كثيرة منها ما يكون ذات مسؤولية محدودة:

أي أن المساهم لا يطالب إلا بما يقابل حصته ومقدار أسهمه عند وجود ديون أو حقوق على الشركة.

ومن الشركات الحديثة ما يكون ذات مسؤولية غير محدودة، أي: أن الشريك فيها مسؤول عن الحقوق والالتزامات المتعلقة بالشركة في ماله الخاص.

وهنالك شركات تجمع بين النوعين: فهي من جانب ذات مسؤولية محدودة ومن جانب آخر ذات مسؤولية غير محدودة، ومن ذلك: ما يسمى بشركة التوصية بالأسهم، فهي بالنسبة للشركاء المتضامنين مسئوليتها غير محدودة، وبالنسبة للشركاء الموصين بالأسهم مسئوليتها محدودة.

ومن أكثر الشركات الحديثة شيوعا:

1- شركة التضامن: من الضمان أي أنها تقتضي التزام كل شريك أن يؤدي عن الآخر ما لزمه بسبب الشركة، وهي تتكون من شريكين أو أكثر مسؤولين بالتضامن في جميع أموالهم عن ديون الشركة، مما يعني أن مسؤوليتهم عن ديونها غير محدودة.

2- شركة مساهمة: وهي التي ينقسم رأس المال فيها إلى أسهم متساوية القيمة وقابلة للتداول، ومسؤولية المساهم فيها محدودة بقدر سهمه، ولذا يعتبر رأس المال فيها هو الضمان الوحيد لا لتزامتها.

3 – شركة ذات مسؤولية محدودة: وهي الشركة التي تتكون من شريكين أو أكثر، مسؤولين عن ديون الشركة بقدر حصصهم في رأس المال.

4 – شركة متناقصة: هي شركة في عين أو منفعة لكن يعد فيها أحد الشريكين شريكه بأن يبيع له نصيبه كله أو بعضه في أي وقت يشاء بعقد ينشآنه عند إرادة البيع.

 


المصادر:

1- التعريفات للجرجاني ص: 126.

2- أنيس الفقهاء للقنوي ص:69.

3- الكليات للكفوي ص:537.

4- معجم لغة الفقهاء لمحمد رواس قلعجي – حامد صادق قنيبي ص: 261.

5- القاموس الفقهي لسعدي أبو حبيب ص:374.

6- فقه الشركات دراسة مقارنة للدكتور أحمد حمد ص:23.

7- الشركات لعبد العزيز الخياط: 1/33.

8- موسوعة الفقه الإسلامي للتويجري ج3ص566.

9 – المغني لابن قدمة: 5/3.

10- فيض القدير للمناوي: 2/308.

11 – بداية المجتهد لابن رشد: 2/210.