استضافت كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر الداعية المغربي المعروف الشيخ سعيد الكملي والذي سيقدم سلسلة من الدروس والمحاضرات اعتبارا من  الأحد الخامس من فبراير إلى يوم السبت الموافق 11 فبراير الجاري.

وسيلقي الشيخ سعيد الكملي خلال هذه الفترة سلسلة من الدروس عن : مكانة الإمام البخاري، وشرح حديث من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ومحاضرة عن الإمام مالك ويختتم محاضراته بأدب الاختلاف.

وأشاد عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر الدكتور إبراهيم الأنصاري في كلمة ترحيبية بالداعية الشيخ سعيد الكملي وأكد على أهمية حضور دروسه وقدم نبذة موجزة عن مساره العلمي، وأوضح أن الكلية ترغب في تقديم العلم الشرعي وفق المنهج الوسطي المستند إلى الكتاب والسنة، وفي هذا الإطار جاءت هذه المحاضرات من أجل إفادة طلبة العلم.

واستهل الشيخ سعيد الكملي أول محاضراته مساء الأحد بمسجد جامعة قطر وشهدها جمهور كبير من طلاب وأساتذة الجامعة ومن المهتمين وكانت بعنوان : ” الوقت في حياة طالب العلم وكيفية استثماره “، وبين فضيلته مكانة الوقت لدى السلف الصالح بسرده عددا من قصص الصحابة والتابعين وكبار أئمة المسلمين.

رحلة شهر لحديث واحد !

بدأ الشيخ سعيد المحاضرة بقصة الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه الذي بلغه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسمع به قبل ذلك.

وعندما وصل إلى بيت عبدالله بن أنيس قال للبواب إن جابرا بالباب فسمع عبدالله واستعجب في بداية الأمر هل يعقل أن يقدم جابر من المدينة واستعجل ثوبه فعانقه وعلم أنه قدم من أجل الحديث الذي لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقول جابر بن عبدالله رضي الله عنه : بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا، حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته، فقلت: حديثا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” يحشر الناس يوم القيامة – أو قال: العباد – عراة غرلا بهما ” قال: قلنا: وما بهما؟ قال: ” ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار، أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حق، حتى  أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة ” قال: قلنا: كيف وإنا إنما نأتي الله عز وجل عراة غرلا بهما؟ قال: ” بالحسنات والسيئات .

ونبه الشيخ سعيد الكملي الحاضرين إلى أي مدى كانت همة الصحابي الجليل جابر في طلب العلم، وكيف أنه اشترى بعيرا من أجل أن يرتحل به مسيرة شهر حتى يتعلمه من عبد الله بن أنيس في الشام، في رحلة تستغرق شهرا. ومن أجل ماذا ؟ من أجل أن يتعلم حديثا واحدا لم يكن قد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأضاف الشيخ الكملي، في زماننا قد نتململ من دراسة هذا الحديث ربما يكون هذا الحديث من الأربعين النووية، وربما نتردد في دراسته لكن على طالب العلم أن لا يتململ من مطالعة حتى الحديث الواحد.

وأكد الشيخ سعيد أن استثمار طالب العلم في الوقت لأنه سيلقى ذلك في صحيفته يوم القيامة .

قال عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت، وفيم أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله، تبلغه الإبل لركبت إليه.

ويسأل الشيخ سعيد مستعجبا : كيف تحصل ابن مسعود على هذا العلم ؟ كم من الوقت احتاج حتى يبلغ هذا العلم بكل آية في القرآن ؟! هذا يتطلب قضاء العمر كله في طلب العلم ومع ذلك، ولو علم ابن مسعود أحدا أعلم منه سيرتحل إليه حيثما كان.

علو همة شعبة بن الحجاج

ومن سير العلماء في طلبهم للعلم الشرعي وعلو همتهم وصبرهم على مشقته، ذكر الشيخ سعيد قصة شعبة بن الحجاج في التثبت من صحة الحديث، وذكر ما أورده أبو الحارث الوراق: جلسنا بباب شعبة نتذاكر السنة، فقلت: حدثنا إسرائيل بن يونس، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن عطاء، عن عقبة بن عامر الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من توضأ ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية.

فعندما انتهى من الحديث كان شعبة خارجاً من الدار، فلطمه، وكان مع شعبة عبد الله بن إدريس، فقعد أبو الحارث الوراق نصر بن حماد يبكي، فقال: عبد الله بن إدريس: إنك لطمت الرجل، فقال: إنه مجنون، إنه لا يدري ما يحدث.لقد سألت أبا إسحاق عن هذا الحديث -وسرد شعبة قصته مع هذا الحديث، وأنه حين سمعه من أبي إسحاق السبيعي، قال له: من حدثك؟ قال: حدثني عبد الله بن عطاء عن عقبة. قال: قلت: سمع عبد الله بن عطاء من عقبة؟  فقلت له – يعني لأبي إسحاق – والله لتصححن لي  هذا الحديث أو لأخرقن كل ما كتبته عنك . قال: فغضب، ودخل بيته. ومسعر بن كدام حاضر فقال: أغضبت الشيخ. فقال مسعر: عبد الله بن عطاء بمكة، فرحل إلى مكة لم أرد الحج أردت الحديث، فلقيت عبد الله بن عطاء فسألته، فقال: سعد بن إبراهيم حدثني، فقال لي مالك بن أنس: سعد بالمدينة لم يحج العام، فرحلت إلى المدينة فلقيت سعدا، فقال: الحديث من عندكم؛ زياد بن مخراق حدثني. قال شعبة: فقلت: أيش هذا الحديث بينا هو كوفي إذ صار مكيا إذا صار مدنيا إذ رجع إلى البصرة، فرجعت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق، فسألته، فقال: ليس هو من بابتك. قلت: حدثني به، قال: لا تريده. قلت: حدثني به. قال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة. قال شعبة: فلما ذكر شهرا قلت: دمر علي هذا الحديث، لو صح لي مثل هذا الحديث كان أحب إلي من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين “.

وأوضح الشيخ سعيد الكملي أن في هذه القصة الملهمة درس آخر عجيب في طلب العلم واستثمار أمثل للوقت.

وأضاف :كيف قطع شعبة بن الحجاج 6 آلاف كيلو متر من أجل أن يتأكد من حديث واحد ! فكروا كم ناقة احتاج حتى يقطع كل تلك المسافة، انتقل من الكوفة ثم إلى مكة ثم للمدينة وانتهى في البصرة، لم يفكر في الوقت المستغرق لهذه الرحلة بل استثمره خير استثمار، ولو أن هذا الحديث صح من طريقة أخرى إلا أنه أراد أن يتأكد من هذه الرواية.

نماذج في طلب العلم

قال ابن أبي حاتم: كنا بمصر سبعة أشهر لم نأكل فيها مرقة -يعني: ما ذاقوا طبيخاً-، نهارنا ندور على الشيوخ، وفي الليل ننسخ ونقابل، فذهبت أنا ورفيق لي إلى شيخ فقالوا: هو عليل.

رجعنا فرأينا سمكة أعجبتنا فاشتريناها، فلما صرنا إلى البيت حضر وقت مجلس بعض الشيوخ، فمضينا، فلم تزل السمكة ثلاثة أيام، وكادت أن تنتن، فأكلناها نيئة ولم نتفرغ لشويها، ثم قال: لا يستطاع العلم براحة الجسد.

وذكر الإمام الفربري – من أشهر تلاميذ البخاري – أنه بات ليلة عنده وكان وقتها البخاري يؤلف في الصحيح، فوجده لا ينام من الليل يقوم من الليل ثماني عشرة مرة، يسرج المصباح ويتذكر الأحاديث فيكتبها، وهذا مثال آخر في فهم معنى اسثمار الوقت واستخراج ثمرته.

ومن النماذج العجيبة في استغراق العلماء في العلم والكتابة! ما أورده الإمام أبوبكر القيرواني المالكي – صاحب رياض النفوس – عن قصة محمد بن سحنون أحد أئمة المالكية حيث كانت له جارية مملوكة يقال لها: أم فلان، فكان عندها يوما وقال لها ماذا عندنا ؟ قالت : زوج فراخ وكان مشغولا بالتأليف يرد على بعض المخالفين طوال الليل، فأحضرت جاريته الطعام، فقال لها: أنا مشغول الساعة. فلما طال عليها الانتظار جعلت تلقمه الطعام حتى أتمه ، واستمر على حاله في الكتابة، إلى أن أذن لصلاة الصبح، فقال شغلنا عنك الليلة يا أم فلان! هات عشاءك ، فقالت: والله يا سيدى ألقمته لك، فقال: ما شعرت بذلك!

وعلق الشيخ سعيد الكملي : للنظر إلى أي درجة استغرق ابن سحنون في طلب العلم، لم يشعر بالأكل لأن ذهنه مشغول بالكتابة !

ابن مالك صاحب الألفية  في اليوم الذي مات فيه كان يحفظ ثمانية أبيات لقناها إياها ابنه ! كان يرى أنه يجب أن يستغل هذا الوقت لأنه مازال حيا !

وسئل الإمام أحمد بن حنبل إلى متى تستمر في طلب العلم، وقد أصبحت إمامًا للمسلمين وعالما كبيرا؟ فقال له: مع المحبرة إلى المقبرة ومعنى ذلك أن الانسان يطلب العلم إلى أن يموت.

الفقيه المالكي المعروف ابن رشد ماترك طلب العلم في حياته أبدا إلا ليلتين : ليلة زواجه وليلة وفاة أبيه  !

من همة المتأخرين

وقال الشيخ سعيد كما كانت هذه الهمة العالية عند المتقدمين أدرك بعض المتأخرين ومنهم شيخه مصطفى النجار دخل عليه يوما وكان قد جاوز السبعين وامتحنه في بعض الدروس وقال له : هل تجيد الفرنسية قال له: نعم. فطلب منه الشيخ عبدالمجيد أن يقرئه بعض الدروس في مقابل أن يعلمه اللغة الفرنسية. كان يرى أن عليه استثمار وقته في علم جديد ! وإذا نشرت صحائفهم سيرسهم مافيها بإذن الله لأنهم استثمروا أوقاتهم خير استثمار.

وأوصى الشيخ سعيد الكملي بالصبر ومرافقة الصحبة الطيبة التي تعين الإنسان على التفوق وطلب العلم كما شدد على أهمية تعلم القرآن وعلومه، فهو مقدم على كافة العلوم .

وبين الشيخ سعيد الكملي في نهاية المحاضرة أن العلوم الأخرى مثل الرياضيات والفيزياء والطب والهندسة أو العلوم الانسانية فهي من فروض الكفايات، وإذا أصلح صاحبها النية لله نفع وانتف ونال الأجر والمثوبة بإذن الله.

وختم الشيخ المحاضرة بأبيات لأحد علماء المغرب هو العربي بن عبد الله المِسَّاري ناصحا فيها ابنه :

بُنَيَّ اجتهدْ وادرس وزاحم ونافس

ولا تتجمع في رحاب المـــدارس

وكن باحثا عن فهم كل عويصــة

بذهن يُرى مستيقظا غير ناعــسِ

وكسِّرْ جموع اللهو واصرم حبالها

وكن في جموع الخير أول جالس

وجانبْ قرين السوء والــزم بِعاده

فقربك منه مُوقع فـــي المناحـــسِ

تعريف بالشيخ سعيد الكملي

والشيخ سعيد بن محمد الكملي فقيه ومحدث وأستاذ جامعي مغربي ولد 1972 في الرباط أكمل مراحل تعليمه الأساسية  بالرباط، إلى أن حصل درجة الدكتوراه من جامعة محمد الخامس بالرباط وكان عنوان رسالته: الإجتهاد المعاصر و المشكلات الإنسانية.

 تتلمذ الشيخ على ثلة من العلماء في المغرب كما في المشرق، منهم الأستاذ العلامة الدكتور فاروق حمادة والأستاذ الدكتور الأديب الفقيه محمد الروكي، والشيخ الأديب الشاعر مصطفى النجار ، وأجازه المحدث الشيخ محمد الأمين بوخبزة الحسني في الكتب الستة وفي سائر مرويات شيخه أحمد بن الصديق الغماري. وكانت للشيخ عدة رحلات عند علماء شنقيط بموريتانيا ، والتقى هناك بالشيخ محمد سالم ولد عبد الودود والشيخ أحمد ولد المرابط، وتتلمذ على يد الشيخ محمد الحسن الددو الذي أجازه في الموطأ بروايتي يحيى بن يحيى الليثي وأبي مصعب الزهري، وأجازه أيضا في الكتب الستة وألفية العراقي و نظم الفصيح لابن المرحل وغيرها من المرويات، كما أجازه إجازة عامة في كل ما يصح له أن يرويه. وسافر أيضا إلى مصر فالتقى بعدد من علماء الأزهر الشريف وحضر بعض دروسهم ، ثم سافر إلى السعودية والتقى هناك بطائفة من العلماء منهم الشيخ عطية سالم و الشيخ عبد المحسن العباد و الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وغيرهم.

قام الشيخ سعيد الكملي بالتدريس في جامعة محمد الخامس بالرباط ، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية شعبة الدراسات الإسلامية ، وكانت دروسه في الفقه والحديث والمواريث والنحو والأصول والأدب. ويشرف على كرسي الإمام مالك بمسجد السنة بالرباط يشرح فيه موطأ الإمام مالك يوم الجمعة من كل أسبوع بين العشاءين، ويلقي أيضا خطبة الجمعة بمسجد المسيرة الخضراء بحي يعقوب المنصور بالرباط.