قبل التطرق لموضوع الصحة والفساد في أصول الفقه يجب معرفة أن الحكم الشرعي هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال الناس اقتضاء أو تخييرا أو وضعا، هكذا عرفه غالب الأصوليين.

ويقسم جمهور الأصوليين الحكم الشرعي إلى قسمين:

الأول الحكم الشرعي التكليفي:

وهو الذي يعنى بالطلب، سواء أكان طلب فعل أو طلب ترك، و هو أنواع:

  1. طلب الفعل على سبيل الجزم واللزوم، وهو ( الواجب أو الفرض) مع اعتبار اختلاف الأحناف الذي يفرقون بين الواجب والفرض.
  2. طلب الفعل على غير سبيل الجزم واللزوم، وهو المندوب أو المستحب أو النافلة أو المسنون، على الاختلاف الوارد بين الأصوليين، هل هي كلها مترادفات، أما بينها تباين في المعنى، ومن أكثر من فرق بينها المالكية، وكذلك الحنابلة.
  3.  طلب ترك على سبيل الجزم واللزوم، وهو الحرام، ويعبر عنه بالمحظور.
  4. طلب ترك على غير سبيل الجزم واللزوم، وهو المكروه.
  5. التخيير بين الفعل والترك، وهو الجائز أو المباح.

ومن الأصوليين من يجعل التخيير نوعا آخر غير الحكم التكليفي وهو خلاف مذهب جمهور الأصوليين، وإن كان في جعل التخيير الذي هو الجائز قسما آخر وجاهة ليست بالقليلة.

الثاني الحكم الوضعي:

وهو ما وضعه الله تعالى أمارة توصلنا إلى الحكم التكليفي، ويشمل: السبب والشرط والمانع، والرخصة والعزيمة والأداء والقضاء والصحة والفساد.

وغالب الأصوليين يجعلون الصحة والفساد من قسم الحكم الوضعي.

تعريف الصحة والفساد

أولا- الصحة:

هي وصف لعمل المكلف حين يأتيه على ما يوافق الشرع، فإذا توافر في العمل الشروط والأركان وانتفت الموانع؛ وصف بأنه عمل صحيح.

ثانيا- الفساد:

وصف لعمل المكلف حين يأتيه على خلاف طلب الشارع، فإذا اختل العمل عن الشروط أو الأركان أو لم تنتف الموانع؛ وصف بأنه عمل فاسد أو عمل باطل، وكلاهما واحد عند جمهور الأصوليين، ويفرق الأحناف بين الفساد والبطلان.

هل الصحة والفساد من الحكم الوضعي أم الحكم التكليفي؟

للإجابة على هذا التساؤل يجب النظر إلى ما يلي:

  1. الصحة والفساد تندرج تحت الحكم الوضعي، لأن الله تعالى لم يكلف العباد بصحة أو فساد، فهو وصف للعمل.
  2. العمل الصحيح يندرج تحت الواجب، او المندوب أو المباح أو المكروه.
  3. العمل الفاسد هو المحرم أو المحظور.

فمن هذه الأوجه تكون الصحة والفساد مندرجة تحت الحكم الوضعي وليس الحكم التكليفي.

ومن جهة أخرى:

  1. الأعمال لا توصف بأنها شرط أو ركن أو مانع.
  2.  بخلاف الصحة والفساد، فوصف العمل بأنه صحيح، أو فاسد يدرجه تحت الحكم الشرعي إجمالا على سبيل الوصف.

بمعنى أن أعمال العباد يمكن تقسيمها إلى تقسيم:

الأول: الأعمال المشروعة: وهذه توصف بأنها أعمال صحيحة وفق الشرع.

الثاني: الأعمال الممنوعة: وهذه توصف بأنها أعمال فاسدة أو باطلة؛ لأنها تخالف الشرع.

ومن هذا الوجه؛ يكون الشبه بين الصحة والفساد والحكم التكليفي.

ويشبه الصحة والفساد – أيضا- الرخصة والعزيمة، والأداء والقضاء.

والفرق بين السبب والشرط والمانع من جهة، وبين الصحة والفساد والرخصة والعزيمة والأداء والقضاء من جهة آخرى فرق واضح.

وعليه، يقترح أن يكون الشرعي – على أوسع نطاق- ما يلي:

أولا- الحكم التكليفي: وهو المتعلق بطلب الفعل أو طلب الترك، لزوما أو غير لزوم، ويشمل: ( الواجب- المندوب- الحرام- المكروه).

ثانيا- الحكم التخييري: وهو ما تساوى فيه الفعل والترك، ويقصد به المباح.

ثالثا- الحكم الوضعي: ويشمل: السبب والشرط والمانع.

رابعا-  الحكم الوصفي: ويشمل الصحة والفساد والرخصة والعزيمة والأداء والقضاء.