الطلاق مثل العملة له وجهان؛ قد يكون نعمة أو نقمة، نعمة من جهة تشريع الله تعالى له، وأن يقع في محله المشروع؛ فيكون خلاصا من تعب لا يعلم به إلا الله، وقد يكون من نقمة؛ إن استعمل في غير ما شرع الله، أو كان الإنسان مسرفا في استعماله، يطلق أيمان الطلاق كما يطلق الألعاب النارية في الهواء.

وقد لوحظ في الآونة الأخيرة كثرة طلب الطلاق، خاصة من جانب المرأة، وإن نطق به الزوج؛ فهو – في الغالب- نتيجة استفزاز من المرأة، مما يعني أنه يجب التعقل في أمر الطلاق؛ حفظا للأسرة والمجتمع.

 وفي هذا الشأن قيل: ” المرأة الخیالیة أو الحالمة ھي الجحیم ذاته .. لأنھا لن تجد من تبحث عنه أبداً.. لن تجد فارسھا وسوف تكتفي بتعذيب البائس الذي رضیت به”.

بهذه العبارة يخلص الكاتب أحمد خالد توفيق نوعا من النساء مصير الحياة معه طلب الطلاق، مهما كان الزوج هادئا رزينا، مطيعا، مجيبا لكل دعوات زوجته، منفقا جل ماله عليها وعلى أولادها، حتى ولو كان من ذلك الصنف من الرجال الذين لا يفكرون يوما ما أن يعدد الزوجات، بل ربما لو خطرت الفكرة على باله؛ لطردها مستعيذا بالله من الشيطان الذي يوسوس في صدره بهذه الفكرة؛ فهو يرى أن زوجته فتاة أحلامه وأمله الجميل.

وقد كان مأمولا من هذا الصنف من الرجال أن تقدر المرأة ذلك الزوج الوفي، لكن شظف الحياة وتقلباتها، وما قد تمر به المرأة أحيانا من مشاكل نفسية واجتماعية، تدفعها لطلب الطلاق الذي وصفه الشرع بأنه ( أبعض الحلال) في عبارة تبغض النفس البشرية السوية فيه، بل يصل التنفير النبوي من الطلاق بعبارة غاية في السبك والحكمة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة. أخرجه الترمذي بإسناد حسن.

وهذه عبارة تقتل كل رغبة جامحة في عقل امرأة غير متزنة، تشرد بأحلامها متصورة أن الطلاق هو الخلاص والراحة، ولكنها إن تخلصت من وهم العذاب، فإنها ستقع في حقيقة الجحيم، وقد صك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- حكمة تتلألأ وقاعدة اجتماعية رصينة حين قال: ” ليست كل البيوت تبنى على الحب”. فالبيوت في البقاء درجات، المهم هو البقاء بالقدر الذي يمكن التعايش معه، مع تحمل التبعيات والمشقة.

ولكن جانبا من النساء اليوم تحت دعوى الثقافة والفكر والحرية، ترى أن المرأة مادامت لا تستطيع تحمل مشاق الحياة – توهما- فلها كامل الحرية أن تطلب الطلاق، ولتعش حياتها طولا وعرضا، وكأنها فكت من أسر العدو، وأصبحت غزالة منطلقة في حديقتها الغناء، وأحسن حالها هو حال عباس بن فرناس حين حاول الطيران دون أن يدرك كامل الأدوات، فطار بلا جناح، فهوت به طائرته إلى الموت.

الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق ( مواقع التواصل الإجتماعي )

إننا اليوم نجد دعاوى غرت بها كثير من النساء، تحت دعوى ( حرية المرأة) وأن ( الطلاق ليس نهاية الحياة)، وهو حق أريد به باطل، والحق أن النساء لم ينلن الحرية بتلك الدعاوى التي تخرب البيوت التي يمكن أن تستمر في الحياة مع بعض الممغصات، والسبب الأكبر في هذا ذلك الزخم الذي يبث سمومه في محاولة تفكيك الأسرة مع أتفه الأسباب، ومع انتشار الدراما من الأفلام والمسلسلات التي تظهر المرأة المطلقة أن طلاقها ليس نهاية الحياة، وأن الطلاق سعادة، بل يحتفلن بالطلاق! فتحاول المرأة أن تقلد ذلك الخراب الأعمى الذي يجني عليها قبل أن يجني على زوجها وأولادها، بل العجيب من ذلك – رغم أن حال البعض لا يستحق التفكير مطلقا بالطلاق- تطلب الطلاق،  متصورة أنها ضحت  وتفرغت لتربية أولادها الذين ألقت بهم في عرض البحر، تاركة إياهم يغرقون في الحرمان والقطيعة والأسى، المهم أن المرأة المثقفة التي تسعى إلى الحرية المزعومة، والتي لا تريد أن تتحمل أي تعب في الحياة ، حتى لو كان ذلك التعب ليس بيدها ولا بيد زوجها، إنما هي تصاريف الحياة التي تموج بالعواصف الاجتماعية..

إن من أعجب الأمور التي نراها أن تحافظ الفتيات غير المتعلمات، واللاتي لم يشغلن عقولهن بسفاسف الفكر وفزلكات الفلسفة، فيجدن السعادة مع شظف العيش، وقلة ذات اليد، لكنها رضيت باستقرار الحياة مع زوج بسيط جدا، ربما لم ينل حظا من العلم أو الثقافة، أو حتى المال، وغالبهن يعشن في مكان فقير ليس فيه كثير من مقومات الحياة المدنية، لكنهن رضين باليسير،  بل الأعجب أن غالب تلك الفتيات لا يحسبن على أهل التدين والالتزام بالشريعة، التي نستدعيها وقتما نحب، ونخاصمها وقت فجور الخصومة، وحفظ تلك الفتيات على أزواجهن وبيوتهن أقرب وأحب إلى الله تعالى من تلك الفتاة التي أنفقت أعمارا في ارتياد الجامعات والمعاهد، وتحصلت على كثير من الدورات العلمية والاجتماعية والنفسية، بل ربما صدرت البعض أنفسهن قيادات اجتماعية ودينية، وارتدين ثياب الداعيات؛ يمددن يد العون للغير، وهن لمد يد العون لحالهن أحوج.

إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعلمنا الصبر على شظف العيش والحياة، ويرشدنا إلى بعض مقومات الحياة الناجحة، التي تقوم في المقام الأول على الصبر و الرضا والاحتساب عند الله تعالى، مع محاولة إصلاح ما قد يفسد، والسعي نحو السعادة والاستمتاع بالحياة قدر المستطاع، لكن تبقى الحياة الزوجية كما يعبر عنها البعض ( مقدسة)، تعبيرا مجازيا عن كونها آخر حصون المجتمع المسلم، وفي هذا الصدد يرشد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم الزوج في المقام الأول والزوجة بالتبع:” لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر” رواه مسلم. والخطاب وإن كان للرجال، فهو من باب الغلبة، فهو أيضا للمرأة: لا تفرك مؤمنة مؤمنا، إن كرهت منه خلقا رضيت منه آخر.

إن كل زوجين عاقلين عندهما شيء من الدين لقادران على التمسك بالعروة الوثقى والنجاح في تجاوز وساوس شياطين الإنس قبل الجن في الحفاظ على الأسرة، بأي قدر ممكن، وذلك هو النجاح الحقيقي، الذي يرى على أرض الواقع، لا تلك الفلسفات الفارغة التي تهلك الحرث والنسل ولا الله لا يحب الفساد.

ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أنكر على المرأة طلب الطلاق لأسباب وهمية؛ يشير من وراء الحجب أن المرأة هي أكثر طلبا للطلاق، وإذا نظرنا إلى واقعنا، فغالب حالات الطلاق تكون من جهة المرأة وليس من جانب الرجل.

وإن من الأسف في مجتمع النساء أن كل امرأة تشتكي من سوء معاملة أو تعب في الحياة، أن تجد قبيلة النساء حولها تلبس ثوب الزور وثياب الشيطان واعظة إياها بالطلاق حتى ترتاح – زورا وبهتانا- من ذلك التعب، وهي تلقي بها في حفرة الجحيم، وما أن تسقط الضحية، إلا ونجد اللاتي كن ناصحات قد أصبحن هاربات، بل إن إحداهن ربما لو كانت في مكانها لما قبلت خراب بيتها!! وذلك أصبح متواترا مشتهرا، يعرفه القاصي والداني، ورغم كل هذا، فمازالت ضحايا شيطانات الإنس يقعن في فريسة تخريب البيوت.

إن الله تعالى شرع الطلاق لحكمة، لكنه – سبحانه- لم يشرعه للعبث، وإن كانت المرأة تعرف في نفسها أنها لا تتحمل تعب الحياة الزوجية، فلترح نفسها والمجتمع ولا تتزوج، ولتبقى في بيت أبيها تعيش حياتها طولا وعرضا كما تحب، أما وقد قبلت أن تكون أسرة وحياة، فمن أظلم الظلم أن تطلب طلاقا لأسباب تافهة، ويبقى حقها محفوظا في الطلاق إن استحالت العشرة، ولم تتحمل الصبر، لأسباب يجمع عليها العقلاء أن الطلاق هو السبيل، وتلك حكمة الله في تشريع الطلاق، أما أن تطلب المرأة الطلاق لأتفه الأسباب، فذلك يوقعها في سخط الله تعالى قبل سخط الناس عليها، فتبوء بإثم رجل وثق فيها، وفي أولاد جاءوا نتيجة ذلك الزواج، لكنهم حرموا دفء الأسرة لأجل نزوات عقلية أو عاطفية.

وإن استبعاد الشريعة والدين في تحكيم الخلاف الزوجي لهو سبيل الهلاك الاجتماعي، وأقرب سبيل لتدمير الأسرة، فمن تزوج على كتاب الله وسنة رسول الله، وجب عليه أن يحكم ما تزوج عليه وقت الخلاف، وقد قال تعالى: { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } البقرة : 85