يثار لغط كبير بين الحين والآخر فيما يتعلق بالنسبة الإدارية التي تأخذها مؤسسات الزكاة وما تستحقه من نسبة لها في جمع الزكاة، ومثار الغلط يأتي أولا من جهة تحديد معنى العاملين على الزكاة، وما معايير تحديد تلك الفئة؟ وما النسبة التي يجوز لهم أخذها ، وكذلك نسبتهم في الزكاة وخلاف الفقهاء حولها.

ولابد أولا من تحديد مفهوم العاملين على الزكاة.

معنى العاملين على الزكاة

ورد تحديد مصرف العاملين على جمع الزكاة في قوله تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) التوبة:60.

ومع اتفاق الفقهاء على هذا المصرف وكونه أحد مصارف الزكاة، إلا أن الفقهاء اختلفوا في تحديد معناه على النحو التالي:

الاتجاه الأول: يرى الحنفية أن العاملين على الزكاة هم السعاة الذين يعينهم الإمام لجمع الزكاة فقط. قال السرخسي الحنفي في المبسوط 3/9: “هم الذين يستعملهم الإمام على جمع الصدقات، ويعطيهم مما يجمعون كفايتهم وكفاية أعوانهم”.

الاتجاه الثاني: يرى الجمهور أن العاملين على الزكاة هم الذين يعينهم الإمام لجمع الزكاة وتفريقها وتوزيعها.

قال ابن قدامة في المغني: 6 / 473:” هم السعاة الذين يبعثهم الإمام لأخذها من أربابها، وجمعها وحفظها ونثلها، ومن يعينهم ممن يسوقها ويرعاها ويحملها، وكذلك الحاسب والكاتب والكيال والوزان والعداد، وكل من يحتاج إليه فيها، فإنه يعطى أجرته منها؛ لأن ذلك من مؤنتها”.

وقال الماوردي من الشافعية في كتابه (الأحكام السلطانية:157): ” سهم العاملين عليها، و هم صنفان: أحدهما: المقيمون بأخذها وجبايتها. والثاني: المقيمون بقسمتها وتفريقها من أمين ومباشر متبوع وتابع، جعل الله تعالى أجورهم في مال الزكاة؛ لئلا يؤخذ من أرباب الأموال سواها”.

وقال النووي في روضة الطالبين 2/313:” ويدخل في اسم العامل الساعي، فالكاتب والقاسم، والحاشر، وهو الذي يجمع أرباب الأموال، والعريف، وهو كالنقيب للقبيلة، والحاسب، وهو حافظ المال. قال المسعودي: وكذلك الجندي، فهؤلاء لهم سهم من الزكاة”.

وسبب الاختلاف بين الحنفية والجمهور اختلافهم في بعض الأعمال التي تتعلق بالزكاة، هل هي تلزم من وجبت في حقهم الزكاة، أم تندرج تحت مسئولية جامعي الزكاة. وقيل: إن الأحناف ذكروا الصنف الأول من جامعي الزكاة، ولم ينصوا على الثاني؛ استغناء بالأول عن الثاني، وهو داخل فيه.

وهذا الاختلاف بين الحنفية والجمهور له أثر كبير في تحديد من يجوز صرف سهم من الزكاة عليه في المؤسسات والجمعيات التي تقوم على جمع مال الزكاة.

ولعل هذا ما حدا ببعض المؤتمرات مناقشة مفهوم العاملين على الزكاة، ومن ذلك ما جاء في الندوة الرابعة لقضايا الزكاة المعاصرة ‏(‏المنعقدة في البحرين ‏17‏ شوال ‏1414‏ هـ الموافق ‏29‏/‏3‏/‏1994‏ م‏)‏ ما نصه:

  1. العاملون على الزكاة هم كل من يعينهم أولياء الأمور في الدول الإسلامية أو يرخصون لهم أو تختارهم الهيئات المعترف بها من السلطة أو من المجتمعات الإسلامية للقيام بجمع الزكاة وتوزيعها وما يتعلق بذلك من توعية بأحكام الزكاة وتعريف بأرباب الأموال وبالمستحقين ونقل وتخزين وحفظ وتنمية واستثمار ضمن الضوابط والقيود التي تقررت في التوصية الأولى من الندوة الثالثة لقضايا الزكاة المعاصرة‏.‏ كما تعتبر هذه المؤسسات واللجان القائمة في العصر الحديث صورة عصرية من ولاية الصدقات المقررة في النظم الإسلامية ولذا يجب أن يراعى فيها الشروط المطلوبة في العاملين على الزكاة‏.
  2. ‏ ‏ المهام المنوطة بالعاملين على الزكاة منها ما له صفة ولاية التفويض ‏(‏لتعلقها بمهام أساسية وقيادية‏)‏ ويشترط فيمن يشغل هذه المهام شروط معروفة عند الفقهاء منها‏:‏ الإسلام والذكورة والأمانة والعلم بأحكام الزكاة في مجال العمل‏.‏ وهناك مهام أخرى مساعدة يمكن أن يعهد بها إلى من لا تتوافر فيه بعض تلك الشروط‏.‏

كما جاء في توصيات الندوة السابعة والعشرين لقضايا الزكاة المعاصرة في 10 يناير 2020  التي نظمها في مملكة البحرين.

أولاً: العاملون على الزكاة:

  1. يدخل في العاملين على الزكاة الجهات الخيرية الموكل والمرخص لها من قبل الدولة بجمع الزكاة وتوزيعها، وفي حكمها الجهات الخيرية والمراكز الإسلامية خارج بلدان العالم الإسلامي المأذون لها أو المفوضة من قبل المجتمع المسلم.
  2. لا يدخل في الاستحقاق من مصرف العاملين على الزكاة الجهات التطوعية والأفراد المتطوعون وإن كان مرخصاً لهم بجمع الزكاة وتوزيعها. انتهى.

الصورة المعاصرة للعاملين على الزكاة

وغالب من يكتب في بيان مصرف العاملين على الزكاة لا يستحضر الصورة المعاصرة بتفاصيلها، وبيان الأعمال التي تقوم بها مؤسسات الزكاة والجمعيات الخيرية المرخص لها، وأهم الوظائف التي يقومون بها.

ابتداء من الإدارة، وقسم المشاريع، والإدارة المالية، وقسم  الموارد البشرية، وقسم الخدمات العامة، وقسم نظم المعلومات، وقسم الدراسات والبحوث، وقسم التدريب، وقسم العلاقات العامة، وقسم التخطيط الاستراتيجي وتطوير الأداء، وغير ذلك.

إن تحول مصرف العاملين على الزكاة جمعا وتوزيعا لم يعد بهذه الصورة الصغيرة كما كانت في السابق، بل تحول إلى مؤسسة كاملة، بطاقمها المتعدد والمتنوع، بما عرف اليوم عن كل المؤسسات بالهيكل التنظيمي لها، ما يتوجب إعادة النظر في ذلك المصرف وما ينفق عليه من سهمه، بما يحقق أمرين أساسيين:

الأول: ديمومة العمل المؤسسي من جهة، على اعتبار أن المصارف الثمانية تقسم إلى قسمين، أحد القسمين هو العاملون عليها،  والباقي هو القسم الآخر المستحق للزكاة من جهة الأخذ لا من جهة العمل كما هو الحال في مصرف العاملين على الزكاة.

الثاني: تحقيق مقاصد الزكاة، من سد الضرورات وتلبية الحاجات، وتحقيق الاكتفاء والاستغناء للمصارف، مع استصحاب توسع الحاجة للمستحقين، وما يعيشه العالم اليوم من أزمات، يوجب إظهار دور الزكاة والصدقات والوقف وغيرها في تلبية الاحتياجات الضرورية.