تقلصت النقود الورقية لصالح النقود الإلكترونية في الفترة الأخيرة، للحد الذي أصبحت النقود الإلكترونية تمثل 97% من مجموع الكتلة النقدية، وأحدث إصدارات النقود الإلكترونية، هو النقود والعملات المشفرة ( cryptocurrency).

النقود المشفرة

والنقود المشفرة هي :  تمثيل رقمي لقيمة نقدية ليست صادرة عن بنك مركزي أو عن سلطة عامة، وليست مرتبطة بالضرورة بالعملة الورقية، ولكنها مقبولة لدى أشخاص طبيعيين أو اعتباريين كوسيلة للدفع، ويمكن نقلها وتخزينها أو تداولها إلكترونيا.

فهي عملة رقمية  افتراضية ليس لها كيان مادي ملموس أو وجود فيزيائي، تنتجها برامج إلكترونية، ولا تخضع لسيطرة الحكومة، لا في صورة البنك المركزي ولا غيره من مؤسسات الدولة التي يخول لها سك العملة.

فهي ليست مختلفة عن العملة الورقية في الشكل والماهية الوجودية فقط، ولكنها تختلف عنها كذلك في كيفية وطريقة الإصدار، وكيفية التداول، والمرجعية المنظمة والمسيطرة لكل منهما.

وبيئتها التي تعمل من خلالها هي بيئة ( الإنترنت) ولكن السماح بتحويلها إلى الدولار وسّع من البيئة القابلة لها.

النقود الإلكترونية

النقود المشفرة واحدة من النقود الإلكترونية، وتأخذ كثيرا من خصائصها؛ إلا أن النقود المشفرة استطاعت التغلب على واحدة من أكبر مشاكل النقود الافتراضية بل والورقية، وهي: صعوبة إجراء أكثر من تعامل واحد على  العملة ذاتها .

فالشخص قد يستخدم عملة معينة في شراء سلعة ما،  ثم يستخدم العملة ذاتها لشراء سلعة أخرى ، مع أن العملة لم تعد ملكه، فالمفروض أنها بالشراء تكون قد خرجت من ملكه ودخلت ملك البائع ، ويحدث هذا بنسخ ملفات العملات الإلكترونية مرة أخرى لإجراء الشراء الثاني، فالعملة الإلكترونية في الأخير عبارة عن ترقيم وملقات.

يقول الدكتور سامي السويلم : ” استطاع نظام الكتل علاج هذه المشكلة  من خلال تسجيل بيانات كل عملية نقل لملكية العملة  في قاعدة بيانات مخزنة لدى عدد كبير من أعضاء الشبكة.

يقوم هؤلاء الأعضاء بدور ”الشهود” على كل عملية،  ومع هذه الشهادة تصبح عملية التزوير أو الغش أو بيع ما ليس عنده شبھة ممتنعة، خاصة إذا اتسعت الشبكة وزاد عدد الأعضاء.” [1]

القبول الدولي

ترفض أكثر الحكومات التعامل والاعتراف بالنقود المشفرة ، في حين يعترف بها البعض الآخر.

وتعد ألمانيا أولى الدول التي اعترفت رسميا بأن البتكوين نوع من النقود الإلكترونية، وهو ما سمح للحكومة الألمانية بفرض ضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بالبتكوين، في حين بقيت المعاملات الفردية معفاة من

الضرائب.

كما منحت محكمة العدل الأوروبية هذه العملة بعض الشرعية في أكتوبر من عام 2015 م، وذلك عندما حكمت باعتبار البتكوين عملة تقابل السلعة.

أما قبولها على مستوى الشركات والمؤسسات والمحلات التجارية فلا يمكن حصرها، لكثرتها وتنوعها وشمولها لدول كثيرة، حيث تضم شركات الخدمات القانونية، ومواقع بيع ألعاب الفيديو، والأقمشة، والتخزين السحابي، والمطاعم، ومواقع بيع خدمات الاستضافة، وحجز أسماء النطاق والشبكات الاجتماعية، وكثير من الأنشطة التجارية والخدمية.

أسماء العملات المشفرة

تعددت وتنوعت العملات المشفرة، ومعظمها مبنية على مبدأ عملة البتكوين ومستنسخة منها، وقد  بلغت العملات المشفرة في الوقت الحاضر عددا كبيرا وصل إلى 711  عملة ، ومن أبرز وأشهر هذه العملات[2] :

1- البيتكوين.

2-لايتكوين.

3- نيمكوين.

4- بيركوين.

5- نوفاكوين.

6-فيذركوين.

7- إي ديناركوين.

8- Zcash.

مزايا العملات المشفرة

كون العملات المشفرة ليس لها وجود مادي ، سهّل لها منافسة العملات الورقية، فمثلا العملات الورقية تحتاج عند التعامل بها إلى نقل من المشتري إلى البائع، وهنا يظهر دور الوسيط من البنوك، والأخيرة تحتاج إلى سيارات للنقل، وموارد بشرية لتأمين النقل، وكل هذه العناصر لا تؤدى مجانا، فيؤدي هذا إلى زيادة تكلفة المنتج، أو تحميل المنتفعين من الخدمات رسوما إضافية، لكن العملات المشفرة نجحت في التخلص من هذه الأعباء، فهي لا تحتاج إلى وسيط من البنوك، ولا إلى سيارات للنقل، ولا إلى حراس من البشر، فالتعامل بها يكون بين طرفي المعاملة مباشرة، مما أعطاها مزية الرسوم المنخفضة.

خارج السيطرة

نظرا لطبيعتها الخاصة، فلا يمكن مراقبة عمليات البيع والشراء التي تتم بواسطتها أو التدخل فيها، وهذه نقطة إيجابية لمن يريد الخصوصية.

كما أنها تقلل من سيطرة الحكومات والبنوك على العملة، حيث يمكن نقلها في أي وقت وإلى أي مكان في العالم، وبخصوصية تامة ودون أن تمر على أي هيئة رقابية أو بنك.

ومن جهة أخرى فإنه يمكن امتلاك العديد من حسابات ومحافظ للعملات المشفرة  دون أن تكون متصلة باسم أو عنوان أو أي معلومة عن ممتلكها. ومن ثم لا تتعرض للمصادرة من الجهات الرقابية، ولا التحفظ عليها، فهي خارج السيطرة إلا من حاملها فقط.

تحديات

لم تخل العملة المشفرة من مجموعة من التحديات، أبرزها:

القرصنة

الحماية التي تحتمي بها العملات المشفرة حماية إلكترونية، وهذا يجعلها عرضة للسرقة من قراصنة البرامج الإلكترونية، وهذه السلبية  تتسم بها جميع العملات الإلكترونية وليست  محصورة في العملة المشفرة.

وقد وقعت عدة حوادث قرصنة لمحافظ مشفرة لم تكن محمية بشكل جيد على الأقراص الصلبة.

وعند تعرض المستخدم للسرقة من حسابه لا يمكنه استعادة أمواله؛ لأن المجهولية سمة هذه الشبكة. مع عدم إمكانية المتضررين من اتخاذ إجراءات قانونية لملاحقة السارقين.[3]

تذبذب القيمة

من التحديات أيضا، التذبذب الهائل الذي تتعرض له العملة المشفرة، إلى الحد الذي حدا ببعض الاقتصاديين أن يصف ارتفاع قيمتها بالفقاعات .

فذهب جوزيف ستيغليتز، الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، وكفيتور كونستانسيو، نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، وفريدريك وليام ماكناب، رئيس مجموعة فانغارد الأمريكية، ووارن إدوارد بافيت، الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاوي، والوليد بن طلال رجل الأعمال السعودي المعروف، وبن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي السابق، وغيرهم إلى أن البيتكوين ليست عملة أصلا، ولكنها تكوين فقاعي.

وفي المقابل، ذهب آخرون إلى أن تقلب أسعار البيتكوين أهم لإصدارات العملة المشفرة  ليست على نسق الفقاعات بشكل جذري، تلك التي تصل إلى الذروة أولا ثم تنفجر بشكل حاسم؛ بينما بتكوين يعاود الصعود عند كل نقطة هبوط.

ومن أبرز أنصار هذا الرأي رافي مينون، المدير الإداري لسلطة النقد السنغافورية، وجيفري كورم، الرئيس العالمي لأبحاث السلع في مجموعة جولد مان ساكس.[4]

غسيل أموال

قدرة العملات المشفرة على التفلت من الرقابات الحكومية يجعلها بيئة مناسبة للعمليات غير القانونية. فالخصوصية التي توفرها هذه العملة جعلتها مقصدا لعمليات غسل الأموال وبيع المنتجات المسروقة والممنوعة كالمخدرات بحيث يصعب على الجهات الأمنية تتبع مصدر العملة؛ فقد قامت المباحث الفيدرالية على سبيل المثال بإغلاق أكبر متجر مخدرات على الإنترنت يدعى (طريق الحرير) اتضح أنه كان يستعمل البتكوين في تعاملاته.


[1] – حول النقود المشفرة، سامي السويلم ص 3، ورقة عمل مقدمة إلى حلقة بحثية بعنوان: ” النقد الافتراضي” من تنظيم مركز التميز البحثي .

[2] – النقود الافتراضية، عبد الله الباحوث، ص29.

[3] – السابق، ص 36

[4] – النقد الافتراضي، إبراهيم بن أحمد يحيى ص 10، ورقة عمل مقدمة إلى حلقة بحثية بعنوان: ” النقد الافتراضي” من تنظيم مركز التميز البحثي .