يعاني النظام المالي العالمي من تحديات كبيرة تزداد و تتعقد مع كل أزمة جديدة، فمنذ أزمة الكساد الاقتصادي 1929 إلى أزمة الرهن العقاري 2008 ومرورا بأزمة البورصات الآسيوية 1996 وحتى اليوم ، يثبت النظام المالي العالمي عدم القدرة على مواجهة التحديات بسبب الخلل البنيوي الذي يعاني منه هذا النظام، إن اعتماد النظام المالي العالمي على الديون خلقت مجتمعات مدينة تستهلك أكثر مما تنتج ، وقد فاقمت أزمة الديون المشاكل التي تعاني منها البلدان وأوردتها المزيد من المشاكل الاقتصادية المزمنة ، كارتفاع الديون ، وضعف الإنتاجية و تفشي البطالة. وسط هذه الأحداث استطاعت المالية الإسلامية أن تقدم بديلا قويا ومتماسكا ، حيث تمكنت هذه المنظومة خلال الأزمات المالية الأخيرة من إظهار مميزات وخصائص جعلتها أكثر صلابة و قوة في وجه الأزمات المالية المفاجئة ، جاءت العديد من الدراسات الأكاديمية لتعترف بهذه الخصائص والميزات التى جعلت المالية الإسلامية تشكل ملاذا للمستثمرين في ظل الضعف والهشاشة التى يعاني منها النظام المالي الربوي. تسلط هذه المقالة الضوء على قدرة المالية الإسلامية على إدارة الأزمات المفاجئة.

قوة حماية ذاتية

بعد أزمة 1996 المالية، ظهر اهتمام كبير داخل الأوساط المالية في العالم بالصيرفة الإسلامية كخيار استراتيجي بين الأنظمة المالية الحالية و خاصة النظام المالي الربوي ، وبني هذا الخيار على مجموعة الحلول التي وفرتها مؤسسات المالية الإسلامية لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية ، خلص أصحاب هذا الرأي إلى أنه من المهم أن تتبنى الدول تقنيات ومبادئ الصيرفة الإسلامية في إدارة اقتصاداتها، لأن تجربة هذه المنظومة رغم قصرها كانت فعالة وناجحة.  على الرغم من أن صناعة الصيرفة الإسلامية تعاني من تحديات وعقبات خاصة في نظام تسعير العقارات والأسهم ، إلا أن هذه المنظومة تمتلك قوة حماية ذاتية ضد الانهيار المفاجئ والناجم عن الهزات والأزمات الاقتصادية و التي تصيب العديد من المؤسسات المالية في النظام الربوي. يرجع خبراء المالية الإسلامية هذا النجاح إلى عدم استخدام الأدوات المالية ذات الخطورة العالية والتى لا توافق مبادئ الشريعة مثل المشتقات أو Derivatives، وقد اثبت الدراسات أن هذه الأدوات تساهم بشكل كبير في الانهيار المفاجئ للبنوك ومؤسسات التأمين ومجموعات الاستثمار.

ومما يعزز قوة وصلابة مؤسسات المالية الإسلامية في وجهة الأزمات ارتباط عمل هذه المؤسسات بشكل مباشر بالأنشطة الاقتصادية التي تنطوي على الأصول الثابتة و الخدمات. كما يتميز هذا النظام المصرفي عن الأنظمة المالية الأخرى بالتزامه الأخلاقي من خلال تجسيد النزاهة و تجنب الأنشطة التجارية التي لا توافق مبادئ الشريعة الإسلامية و تلك التي توجد بها مخاطر كبيرة .

ملاذ للاستثمار الآمن

إن نجاح المالية الإسلامية في تقليل الآثار الناجمة عن الأزمات المالية إلى أقل الحدود الممكنة جعل منها نظاما أكثر جاذبية وقدرة على التغلب على الأزمات وقد منح هذا النجاح شعور لدى المستثمرين جعلهم أكثر احساسا بالأمان وهم يستثمرون في مؤسسات ومشاريع المالية الإسلامية.  يقدم النظام المصرفي الإسلامي العديد من الأفكار الجديدة والابتكارات المميزة التي تظهر مميزات النظام المصرفي الإسلامي كمنظومة تضع في لب أولوياتها ضمان التوظيف الكامل ، وتوزيع عادل للثروة ، واستقرار الأسعار ، وتوزيع الدخل ، والنمو المستدام. كما تقوم البنوك الإسلامية بإجراء تحقيقات حول طبيعة الأموال ووظائفها في النظام المصرفي بدون فوائد.

إن عدم اعتماد المالية الإسلامية على الديون أنقذها من العديد من المشاكل البنيوية الناجمة عن ضعف الائتمان ، وقد مكن ذلك هذه المنظومة من البقاء خلال فترات مالية صعبة، كما أن حظره للفائدة الخالية من المخاطر على العائدات و جعل الأنشطة المالية مدعومة بالعقارات، ساهم كل ذلك في تحقيق القيمة المضافة.

يُعزى نجاح نظام المالية الإسلامية في مواجهة الأزمات المالية العالمية إلى طبيعة هذا النظام و مميزاته ، حيث ساهمت هذه المميزات والخصائص في بقاء البنوك الإسلامية في مأمن من مشكلة الرهن العقاري في أنظمة التمويل الدولية. ومن ضمن المميزات ، اتخاذ إجراءات احترازية ضد غسيل الأموال ، ومنع التداول بالديون ، وكذلك القيود المهنية والرسمية على تنفيذ المشاريع ذات الخطورة المرتفعة.

بين يدي الأزمة

تشير التنبؤات بوجود أزمة اقتصادية بدأت ملامحها في الظهور ، وقد ساهم ظهرو فيروس كورنا في تسريع وتيرة هذه الأزمة ، فقد ذكرت تقارير احصائية أن الأسواق المالية العالمية خسرت 1.7 تريليون دولار بسبب المخاوف من تفاقم انتشار الفيروس الجديد ، كما تسبب الهبوط المفاجئ لأسعار النفط خلال الأسابيع الماضية إلى هزة عنيفة في أسواق المال العالمية ، هذه الوضعية تجعل مؤسسات المالية الإسلامية وخبرائها الماليين والاقتصاديين أمام تحد جديد لإظهار للعالم قوة وصلابة هذه المنظومة في وجه الأزمات، إن نجاح هذه المنظومة في إظهار هذه الخصائص سيزيد أكثر الاقتناع بها كبديل عن النظام الربوي الذي يعاني من تتابع الأزمات في ظل غياب القدرة على تقديم حلول مقنعة لهذه الأزمات التي أصبحت تؤرق العالم .