إن تحليلات نفسية المرأة عند ابن حزم الأندلسي من خلال كتاب “طوق الحمامة” بالتركيز على أنها ذات جانب انفعالي غريزي طاغ على شخصيتها وسلوكها قد تسير جنبا إلى جنب مع ما توصلت إليه بعض الدراسات الحديثة، أعرض لبعض الاستنتاجات في علم النفس الجنسي  حيث يقول فيها بعض الباحثين أوسفلد اشفارتس : “إن المرأة تحتوي على مخالفة غريبة لا حيلة لها فيها، إذ تضطر المرأة إلى إثارة الرجل وتحديه، غير أن كل شيء يتعلق برد الرجل على هذا التحدي وتلك الإثارة!.

التوصيف النفسي والعاطفي للمرأة بين ابن حزم وعلم النفس الحديث

 لقد أعطيت المرأة القدرة على الاختيار إذا ما أتيح لها الاختيار فقط، ومعنى ذلك أن مصيرها بيد الجل طالما أن الحياة الجنسية هي سبب وجودها، وأن حياتها الجنسية لا يمكن أن ترضيها إلا إذا كانت كاملة، ولهذا يعجز النساء عن المحافظة على اتزانهن الداخلي بسبب هذا النزاع، لا تستغرب أن الكثيرات منهن يصبن بعصاب جنسي حقيقي”[1].

يضيف صاحب هذا الرأي معرفا بصفات المرأة على أن هناك “طائفة أخرى من الصفات تنتسب إلى ما يمكن تسميته “بنزعة موبيوس الطفولية” ولا يعني ذلك غباوة النساء الفيزيولوجية” كما يدعي موبيوس، بل يدل ذلك على أن جسم المرأة أقرب من الناحية البيولوجية إلى تركيب جسم الطفل من جسم الرجل وكذلك الشأن فيما يتعلق بتفكيرها تقريبا، ويمكن لمعظم الصفات التي تعتبر خاصة بالنساء أن تنتمي إلى المرح وعدم الشعور بالمسؤولية والخضوع للنوازع والأهواء وقلة اليقظة وكراهية السخرية والعجز عن قيادة النفس وعدم الدقة.

ويجب علينا أن نذكر ما قلته في مطلع هذا التحليل عن النزاع الجوهري في وجود المرأة وذلك أن للمرأة دماغا ولكن أيضا لها قلب، وليس من العدل في جانبنا أن نجعل من الأوضاع الاجتماعية فقط سبب هذا النزاع، ذلك أن المشكلة أكثر أهمية”[2].

وبخصوص انشغالات النساء ومدى تعمقهن الفكري وتدقيقهن في القضايا المعقدة ذات البعد الاجتماعي والمصلحة العامة قد نجد تقاربا كبيرا بين هذا الباحث الغربي وابن حزم، إذ أن هذا الأخير كان يرى أن الرجال هم أهل الفكر والانغماس في المعقولات والمجابهة الفعلية لمتطلبات الحياة، بينما النساء فارغات البال منطويات على أنفسهن لا يفكرن عند وجود بطالة بينهن إلا في الدواعي الشهوانية وما قرب منها.

بينما يرى أوسفلت شفارتس أن طريقة الرجال في النظر إلى الحياة غاية في نفسها، بل هم ينظرون إليها كوسيلة للنجاح، وهناك مظهر آخر لهذا الموقف وهو أنهم يعتقدون أنهم لا يصلون لتحقيق شيء بدون شيء وأنهم يجب أن يستحقوا كل شيء كاللذة وغيرها.

وهذه طريقة الرجال في النظر إلى الحياة لأن الرجل يهمه الفعل، كما أن النظرية تتعارض ومزاج المرأة؛ لأن ما يهم المرأة هو أن تكون فقط، وهذا في نظري -على حد تعبير الباحث- هو السبب الجوهري لما يحس به النساء من اضطراب في المجتمع الحالي، لأن طريقة المرأة  في الحياة هي أن “توجد”وأن تستمتع بالحياة بكل ما فيها من تمام وثراء. فهي فنانة خبيرة بفن الحياة، وهذا هو ميدان نجاحها الخاص بها، نرى الآن مقدار صحة كل ما قلناه عن سر المرأة، ذلك لأن الوجود الصافي الذي لا يتدخل فيه الفكر إنما هو شيء لا يفهمه الرجال بل هو يخيفهم”[3].

   المراة والرجل والشروط الموضوعية لتحقيق التوازن والكمال

هذه الآراء رغم أنها قد تتوافق مع ما ذهب إليه ابن حزم من بعض وجوهها إلا أنه سيتجاوزها حينما يطرح بعض القضايا الجوهرية التي تمنح المرأة القدرة على التوازن، وذلك من خلال الدعوة إلى الحفاظ على سلامة نفسيتها بتطبيق ما تأمر به الشريعة الإسلامية من التزام ضوابط وصمامات أمن لاجتناب المعاصي والتزام التعفف والطهر، وليس ذلك إلا بغض البصر وسعيها إلى إخفاء مفاتنها واجتناب الاختلاط بالرجال لحد تقارب الأنفاس.

وإنما تنبغي المباعدة بينها وبين الرجل  قدر الإمكان كما في الحديث الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:”باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء”، وحتى لو توفرت الظروف  لهذا الاختلاط وخاصة عند المحبين- كما يرى ابن حزم- فإن أفضل ما يأتيه الشخص في حبه هو: التعفف، الذي لن يتيسر إلا إذا كان صاحبه ذا قوة في إيمانه وخشية من الله تعالى.

يضاف إلى هذا أنه رغم ما ذهب إليه في تحليله لنفسية المرأة ووصفها بالضعف والانفعال وما إلى ذلك – مما رأينا- إلا أنه في الجملة يرى أنها قد تصل إلى درجة الكمال، وأن خصائصها النفسية ليست موجبة لنقصان مقامها وفضلها، وإنما قد يتساوى الرجال والنساء ولو في رتبة الصحابة وغيرهم من الفضلاء حيث يقول : “فلسنا نشك أن المهاجرات الأوليات من نساء الصحابة رضي الله عنهم يشاركن الصحابة في الفضل، ففاضلة ومفضولة وفاضل ومفضول، ففيهن من يفضل كثيرا من الرجال، وفي الرجال من يفضل كثيرا منهن. وما ذكر الله تعالى منزلة من الفضل إلا وقرن النساء مع الرجال فيها كقوله تعالى:”إن المسلمين والمسلمات[4]، حاشا الجهاد فإنه فرض على الرجال دون النساء.ولسنا ننكر أن يكون لأبي بكر رضي الله عنه قصور ومنازل مقدمة على جميع الصحابة، ثم يكون لمن تستأهل من نسائه تلك المنزلة منازل في الجنة دون منازل من هو أفضل منهن من الصحابة، فقد نكح الصحابة رضي الله عنهم التابعيات بعد الصحابيات وعليهن، فتكون تلك المنازل زائدة في فضل أزواجهن من الصحابة فينزلون إليهن ثم ينصرفون إلى منازلهم العالية”[5].

ويقول أيضا في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم :”كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون”: “والكمال في الرجال لا يكون إلا لبعض المرسلين عليهم السلام، لأن من دونهم ناقص عنهم بلا شك، وكان تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالكمال مريم -عليها السلام – وامرأة فرعون تفضيلا على سائر من أوتيت النبوة من النساء بلا شك، إذ من نقص عن منزلة آخر ولو بدقيقة لم يكمل،فصح بهذا الخبر أن هاتين المرأتين  كملتا كمالا لم يلحقهما معه امرأة غيرهن أصلا، وإن كن بنصوص القرآن الكريم نبيات وقد قال تعالى:{تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض}[6].

والكامل في نوعه الذي لا يلحقه أحد من أهل نوعه، فهم الرجال الرسل الذين فضلهم الله تعالى على سائر الرسل، ومنهم نبينا محمد و إبراهيم عليهما الصلاة والسلام بلا شك،للنصوص الواردة فيهما بذلك في فضلهما على غيرهما،وكل من النساء من ذكر عليه الصلاة والسلام”[7].

وهكذا فليس الكمال حكرا على الرجل ولا على أي طبقة من الطبقات ولا طائفة من الطوائف إلا إذا كانت ذات مرتكزات سليمة وخصائص مؤهلة لتحصيل درجة سامية من الرقي ،الذي بدوره قد يتفاوت فيه الرجال كما النساء {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}. بحيث ستبقى الأحكام حول الأفضلية من غيرها مجرد ظنون وإسقاطات ذاتية لا يبررها إلا ما يصدر عن الشخص أيا كان من الفضائل والإنجازات الدالة على سموه المعنوي والمادي المفيد لنفسه ولمحيطه.


[1] أوسفلد شفارتس:علم النفس الجنسي ،تعريب شعبان بركات ،منشورات  المكتبة العصرية للطباعة والنشر صيدا بيروت 1972ص197

[2] نفس   ص198

[3] نفس   ص206

[4] سورة ا|لأحزاب   آية 35

[5] ابن حزم:الفصل في الملل والأهواء والنحل دار الكتب العلمية بيروت ط2-1420-19993ص49

[6] سورة البقرة آية 253

[7] ابن حزم:الفصل في الملل والأهواء النحل طبعة دار الكتب العلمية ج3ص188