إن العالم الذي نعرفه يتغير بسرعة. نحن عمليا نعيش الثورة التكنولوجية التي أعادت طريقة تفاعل العالم ، وطريقة تنظيم وإنتاج سوق العمل وحتى طريقة تفكير الإنسان.

في السنوات القادمة ، الإنترنت سوف ينتقل إلى مرحلة أبعد من كونها شبكة مكونة من أجهزة كمبيوتر لتصبح شبكة تربط كل شيء بكل شيء آخر: السيارات والآلات من جميع الأنواع ، والأجهزة المنزلية ، وعدادات الطاقة ، والنوافذ ، والأضواء ، والناس ، والشركات ، والبيانات الطبية.

ووفقا لما جاء في تقرير معهد ماكينزي العالمي بشأن التكنولوجيا والوظائف ومستقبل العمل على نطاق عالمي ، فإن تكييف “تكنولوجيات الأتمتة” التي أثبتت حاليا بإمكانية تأثيرها على 50 في المائة من الاقتصاد العالمي ، أو على مليار ومائتين موظفا، حوالي 60 ٪ من جميع المهن لديها ما لا يقل عن 30 ٪ من الأنشطة التي هي من الناحية الفنية (automatable) وهذا يعني إن معظم المهن سوف تتغير ، ومزيد من الناس سوف يضطرون للتعامل مع التكنولوجيا.

يدرك الاتحاد الأوروبي أن هذه الثورة التكنولوجية الرابعة القائمة على الابتكار مليئة بالفرص المستقبلية.

وأبرزت بينيسكوسكا المفوض المسؤول عن السوق الداخلية والصناعة وريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بالاتحاد الأوروبي كيف أن هناك سباقا عالميا نحو الابتكار يجب ألا نخاف منه.

وأضافت : ” يجري حاليا إنشاء بيئة عمل جديدة ، تشمل وظائف جديدة وعلاقات جديدة ، وينبغي لنا أن نتعامل مع هذه العملية كفرصة نقلل فيها من الآثار الجانبية السلبية المحتملة التي يخولها كل تغيير” .

وقد وضعت استراتيجية جديدة للسياسة الصناعية للاتحاد الأوروبي تهدف إلى تمكين الصناعات الاوربية من مواصلة تحقيق النمو المستدام وخلق فرص عمل، عن طريق الاقتصاد الدائري ، والموارد البيولوجية المتجددة وتحويلها إلى منتجات بيولوجية وطاقة حيوية ، فضلا عن مقترحات جديدة للتنقل بوسائل نظيفة وتنافسية  ودعمها بالإجراءات الرامية إلى تعزيز القيادة المستقلة والتي هي من الأولويات الضرورية لضمان أن يصبح قطاع الاتحاد الأوروبي الصناعي رائدا في خلوه من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون والابتكارات المستدامة.

ومع عملية التحول الرقمي كركيزة أساسية لصناعة المستقبل ، فإن تحديث أطر الملكية الفكرية ، وتعزيز أمن الفضاء الالكتروني ، وتوسيع نطاق المهارات كي تضم قطاعات صناعية رئيسة جديدة أصبحت من ضمن الأولويات الكبيرة.

ويعمل الاتحاد الأوروبي بسرعة لتمكين المواطنين ، وإنعاش المناطق ، والحصول علي أفضل التكنولوجيات الذكية ، وتعزيز الدور القيادي بين الجهات الفاعلة العالمية مع إدراك كامل للنواقص خاصة فيما يتعلق بالأنظمة التي لا تواكب السرعة المطلوبة للابتكار. وقد تم تخصيص حوالي 500 مليون يورو لتطوير شبكة من مراكز الابتكار الرقمية مع الجامعات التقنية أو المنظمات البحثية ، وسوف تسمح للشركات اختبار التكنولوجيا ، والمشورة المالية، و عمل تجارب ميدانية، وإتاحة فرص التواصل.

وبنفس الطريقة تقوم اللجنة بزيادة استثماراتها السنوية في الذكاء الاصطناعي بنسبة 70 % في إطار برنامج البحث والابتكار “هورايزون 2020” الذي سيصل إلى مليار ونصف يورو للفترة 2018-2020 ، مما يعزز دور الاتحاد الأوروبي في تطوير التكنولوجيا وفي ذات الوقت تقوم بمعالجة التغيرات الاجتماعية-الاقتصادية الناجمة عن الذكاء الاصطناعي وتضمن إطارا أخلاقيا وقانونيا مناسبا، وبالرغم من كل هذه الجهود، لن تكون هناك قوة عاملة مستعدة لدعم هذه القيادة الصناعية ما لم يتكيف الأفراد معها.

على مستوى السياسات ، تقوم الحكومات والمؤسسات بالفعل بتنفيذ الرؤى التي تمكنها من تطوير نظم التعليم من أجل تغيير مكان العمل ، وذلك لتحديد الكيفية التي يمكن بها للقطاع الخاص أن يقود التدريب الذي لا يستطيع نظام التعليم توفيره بهدف استكشاف شراكات بين القطاعين العام والخاص وتحفيز الاستثمار من أجل تمكين البنية التحتية اللازمة ، والتركيز على خلق أو ابتكار فرص عمل للبشر بجانب آلات.

هناك ثلاث خطوات أساسية ستساعد في تذليل العقبات أمام هذا الطريق :

الخطوة الأولى احتضان التغيير التكنولوجي بامتلاك مخيلة واسعة وعدم الخوف من استخدامها.

الخطوة الثانية القبول بأن التنمية الشخصية والمهنية هي عملية تعليمية مستمرة مدى الحياة لا تتوقف مع المراحل الدراسية، وتمهد للتغيير وفقا للحقائق الجديدة.

الخطوة الثالثة اتخاذ الإجراءات والقوانين الخاصة بالتنمية وإصلاح أهداف التعليم.

ليس الجهل بما تأتي به الأيام  بمعارف جديدة على الوعي البشري، بل بما هو مألوف ومتوقع، وعلى مدار التاريخ كان الإنسان مستعداً للتكيف مع الظروف والمعطيات الجديدة، وبما أن التغير كان بطيئاً جداً، فإن توقع ما سيكون لم يكن صعباً، كما أن المطلوب من التأقلم كان محدوداً، لكن كل هذا قد تغير اليوم على نحو يولِّد الدهشة.