اليوم العالمي للسعادة هو يوم يحتفل فيه المجتمع الدولي، بعد اعتماد الأمم المتحدة في دورتها السادسة والستين تخصيص يوم للاحتفال بالسعادة عالميًا، اعترافًا بأهمية السعي لتحقيق السعادة أثناء تحديد أطر تحقق التنمية المستدامة، والقضاء على الفقر وتوفير الرَفَاهيَة لكافة الشعوب.

اعتمدت الأمم المتحدة يوم 20 من شهر مارس ليكون يوم السعادة العالمي الذي يحتفل بها العالم كله بالسعادة كل عام.

في 28 يونيو 2012 وعلى هامش فعاليات الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي كانت بعنوان “السعادة ورفاهية المجتمع والنموذج الاقتصادي الحديث”، قال الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت (بان كي مون) “إنّ العالم بحاجة إلى نموذج اقتصادي جديد يحقق التكافؤ بين دعائم الاقتصاد الثلاث: التنمية المستدامة – الرفاهية المادية والاجتماعية –  سلامة الفرد والبيئة، والذي يصب في تعريف ماهية السعادة العالمية”.

جاء هذا القرار بمبادرة من (بوتان) البلد الذي يعترف بسيادة السعادة الوطنية على الدخل القومي منذ أوائل السبعينيات.

ما هي السعادة؟!

اختلف الناس في تعيين ماهية السعادة، ومتى يمكن أن نصف إنسانا بالسعيد، فوصفها أحدهم بأنها “ذلك الشعور المستمر بالغبطة، والطمأنينة، والأريحية، والبهجة، وهذا الشعور السعيد يأتي نتيجة للإحساس الدائم بخيرية الذات، وخيرية الحياة، وخيرية المصير”.

ما تعريف السعادة ؟

أما علماء النفس فلهم رأي آخر في تعريف السعادة، يضيف معاني ويغير أخرى، فالسعادة عندهم هي: “الشعور باعتدال المزاج، وهي الشعور بالرضا والإشباع، وطمأنينة النفس وتحقيق الذات، والشعور بالبهجة، واللذة والاستمتاع، وهي باختصار: الشعور بالرضا الشامل”.

وإن اختلفت الألفاظ والتعبيرات ولكن المعنى واحد، وهو أن سعادتكِ هي شعورك بالرضا والاطمئنان والسلام الداخلي، فهذه هي السعادة، ولكن ليس هذا ما يهمنا بشدة، إنما الذي يشغل بال الواحد منا: (كيف أصل إلى السعادة؟!)، وللأسف الشديد اتخذ الكثير من الناس طرقًا ظنوها تؤدي بهم للسعادة، ولكنها كانت إلى الشقاء والتعاسة أقرب.

من هو الشخص السعيد؟

الحياة السعيدة مطلب كل إنسان، لها يسعى ومن أجلها يكد ويقرع الأبواب ويسلك الأسباب ويستهين بالصعاب. ولا تزال السعادة للإنسان وإن طال عمره ودنا أجله أعز مطلوب وأغلى مرغوب، تستشرفه النفوس مهما شاخت، والإنسان حارث ساع بطبعه في تحصيل منافعه، كثير الهم لما يطلبه أو مما يحاذره.

وليس عيبا في الإنسان أن يطلب السعاة أو يحرص على أسبابها، وإنما العيب أن يحرص الإنسان على ما يضره لجهله وسوء ظنه وتقديره، معتقدًا أن فيما يسعى إليه السعادة والحق أن ما سعى إليه وحرص عليه هو عين الشقاء وإن تضمن متعاً عاجلة، فيكون كمن يطلب الشفاء في مخدر يظن أن فيه دواءه، وأكثر الناس هذه حاله يطلب السعادة ولكن لا يعرف أي طريق يسلك ولا أي باب يقرع.

أين تكمن مواطن السعادة؟

إن من الناس من يطلب السعادة في المال،ومنهم من يطلبها في الجاه والسلطان، ومنهم من يراها في شهوات البطن أوالفرج، ومنهم من يظنها في السياحة والأسفار، وإن كل ذلك إلاّ متاع الحياة الدنيا، قال الله تعالى: “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ” (آل عمران– 14).

كيف يعرف الانسان أنه حصل على السعادة، وما هي العلامات التي تميز السعيد من الشقي؟

لأن كثيراً من الناس يجهد وينصب ويظن أنه في الطريق الصحيح ثم يخيب آخر الأمر ظنه، فبعد الجهد والتعب والنصب كثير ممن طلب السعادة في تلك المسالك بلسان الحال أو المقال الفشل في الوصول إلى السعادة وأيقنوا أن تلك المتع الوقتية وإن أسعدت حينا فكثيراً ما كانت عقباها إلى الندم، أو كانت كلفتها من جيوش الهم والنصب التي لا يقوم لها ما قدمته لهم، والسبب أنهم ما ضبطوها بما يكفل لهم السعادة الحقيقية.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله يقول: “من علامات السعادة والفلاح أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته وكلما، زيد في عمره نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في قربه من الناس وقضاء حوائجهم والتواضع لهم، وعلامات الشقاوة أنه كلما زيد في علمه زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه، وكلما زيد في عمره زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه زيد في كبره وتيهه، وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويشفى بها أقوام.

والنتيجة لما ذكره الإمام أن السعيد هو الذي كلما زيد نعماً أحدثت تلكم النعم عملاً قلبياً تنبعث عنه الجوارح بعمل ظاهر. وقال ابن القيم رحمه الله أيضا: “السعادة بثلاث: شكر النعمة والصبر على البلاء والتوبة من الذنب.

هل المال يجلب السعادة ؟
هل المال يجلب السعادة ؟

ماهي معايير الحكم على مدى السعادة؟

تختلف السعادة ومفهومها من شخص لآخر ومن بلد لآخر، لكن حسب تعريف الأمم المتحدة لمفهوم السعادة هو: “مدى رضا الشخص عن حياته”. وبعد أن قننت اليوم العالمي للسعادة وضعت الأمم المتحدة تقريرا لقياس مؤشرات السعادة في دول العالم، ونسبة توافرها في كل دولة، وورد في التقرير ستة معايير يتم عن طريقها قياس السعادة، وهي:

  1. نصيب الفرد من الناتج المحلي.
  2. حرية اتخاذ القرارات.
  3. جودة الخدمات الصحية والتعليمية.
  4. متوسط عمر الفرد.
  5. انتشار العدل.
  6. انعدام الفساد وعدم انتشاره.

ويعتمد الباحثون في معرفة مدى سعادة الدولة من عدمه على استطلاعات رأي، يُطلب من المشاركين فيها تحديد درجة الإجابة على مقياس تدريجي من 0 إلى 10.

بين السعادة و الراحة والرضا

هناك الكثير من الناس من يظن أن السعادة في الراحة، أي في كثرة النوم وعدم تحمل المسئوليات من دراسة أو عمل أو ما شابه، فهذه هي السعادة لديهم، ولكن الحقيقة أن هذه سعادة مزيفة.

يقول مصطفى صادق الرافعي “ليست السعادة في الراحة والفراغ ولكنها في التعب والكدح والمشقة حين تتحول أيامًا إلى راحة وفراغ) ونظم هذه الحقيقة الشافعي شعرًا بقوله:

أأبيت سهران الدجى وتبيتُه  نومًا وتبغي بعد ذاك لحاقي

وهناك من يرى أن هناك فرق كبير بين السعادة والرضا، ويقع الناس في فهم ملتبس لهذين المصطلحين. فالسعادة.. هي واحدة من المشاعر الأساسية التي يسعى البشر من أجلها، ومع ذلك فهم ليسوا سعداء بما لديهم. ويقول أحد الفلاسفة إذا تعلم الناس أن يقدّروا ما لديهم بدلاً من أن يشفقوا على ما لا يفعلونه، فإنهم سيكونون أكثر سعادة مما هم عليه.

أما الرضا.. فهو مصدر السعادة، ويؤدي عدم الرضا إلى نقص السعادة. والقاعدة العامة للتمييز بين الرضا والسعادة هي أنه “يتم التمتع بالرضا في حين تتمتع بالسعادة مع شخص آخر”. وهذا يرجع أساسا إلى أن الرضا يأتي من الداخل، عندما يتم تلبية الرغبة أو الحاجة، في حين السعادة تأتي من المشاركة، أو رؤية شخص ما سعيدا أو تجعل شخصا سعيدا، مما يجعلك سعيدا.

لا سعادة إلا بطاعة الله

لا سبيل إلى السعادة إلا بطاعة الله، ومن أكثر من الأعمال الصالحة واجتنب الذنوب والخطايا عاش سعيداً وكان من ربه قريباً، قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (النحل- ٩٧).

قال ابن كثير: “الحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت” (تفسير ابن كثير ) والسعادة تزهو إذا حقق العبد توحيد ربه، وعلق قلبه بخالقه، وفوض جميع أموره إليه. قال ابن القيم: “التوحيد يفتح للعبد باب الخير والسرور واللذة، والفرح والابتهاج” (زاد المعاد).

والسعادة يكتمل عقدها بالإحسان إلى الخلق مع ملازمة طاعة الله. قال شيخ الإسلام: “والسعادة في معاملة الخلق: أن تعاملهم لله فترجو الله فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافه فيهم ولا تخافهم في الله، وتحسن إليهم رجاء ثواب الله لا لمكافأتهم وتكف عن ظلمهم خوفاً من الله لا منهم” (فتاوى شيخ الإسلام).

ومن ذاق طعم الإيمان ذاق حلاوة السعادة، وعاش منشرح الصدر مطمئن القلب ساكن الجوارح.

يقول ابن القيم : “..سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وقال لي مرة ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري إن رحت فهي معي لا تفارقني”(الوابل الصيب).

في اليوم العالمي للسعادة يجب أن ندرك أن السعادة الحقيقية كتب الله تعالى أن لا ينالها إلا من عرفه سبحانه وتعالى، وسلك طريقه، فهو سبحانه الذي يملك القلوب، وهو القادر أن يَسكُب السعادة في قلبكِ سكبًا، كما وعد سبحانه؛ فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل- 97).