في مسيرة التربية الإسلامية ومسيرة الدعوة الإسلامية كان التركيز على تزكية النفوس ( قد أفلح من زكاها ) وهو منهج الأنبياء عليهم السلام في الدعوة إلى الله وهذا مما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم ( هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة).

في أسلوب التزكية عندما يقع الخطأ يقع التنبيه عليه والتحذير من عواقبه ، ففي موقعة بدر ورغم الانتصار الكبير الذي أحرزه المسلمون ولكن التزكية كانت حاضرة : العتاب للمسلمين بسبب اختلافهم حول الغنائم ، وكذلك حتى لايقع شيء من الغرور في أنفس المنتصرين قال لهم : ( فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم ) ( وما النصر إلا من عند الله ) ولايعني هذا أن المسلمين لم يقاتلوا بل كانت بطولات وشهداء وتخطيط من الرسول صلى الله عليه وسلم غير مألوف عند قريش والعرب ولكنها تزكية النفوس . وفي معركة أحد تركزت الآيات حول نتائج مخالفة أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل فئة الرماة ، ولكن العتاب هنا كان خفيفاً فيه لملمة الجراح ولو كان شديداً لكان مؤلماً لهم فوق آلامهم وما أصابهم من الغم والجراح وخاصة جرح الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكن هذا العتاب يتضمن تزكية لهم أيضاً ، ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم ) وفي الخندق جاءت الآيات لتكشف عن خفايا النفوس (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ) .

هذا المنهج في التزكية يقابله المنهج الإطرائي الذي يقوم على انتقاء المواقف والإنجازات للإشارة إليها والتستر على الأخطاء أو تبريرها ونسبتها إلى مؤامرات خارجية أي إلى الأعداء، وهذا مما يريح أصحاب هذا المنهج  من العتاب والمراجعة ، ومن روافد هذا المنهج الإطرائي المبالغة في كل شيء ، في المديح والفخر وفي الحوادث التي تضخم ، فيقال : الدماء تسيل أنهاراً ، والموقف خطير جداً  ، ويقال للذي شدا شيئاً من العلم : العالم أو العلاّمة ، والشعوب المتأخرة تتقبل هذه المبالغات بل وتفرح لها ولهذا يعمد القصاصون للإغراب في وصف أبطالهم مما يثير الخيال ويعجب العقول الصغيرة .

مدح الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ولكنه مدحهم بما فيهم من خصال متميزة ، وهو من باب ذكر الفضائل وحتى يقدر الناس قدرهم ويضعوهم في الموضع اللائق بهم ، والأحاديث الصحيحة التي تذكر فضائل الصحابة معروفة مشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم : ” قد كان في الأمم قبلكم مُحدّثون فإن يكن في أمتي أحد فإن عمر بن الخطاب منهم ” وقوله ” لكل نبي حواريٌ وحواريَّ الزبير”.

منهج التزكية يهتم بطهارة القلب قبل طهارة البدن ، ويهتم بتنمية الاستعدادات الخيّرة الموجودة لدى الإنسان ، كما يهتم بتزكية الدوافع الفطرية كدافع الحب والخوف والغضب ودافع الشهوات ، وكل هذه الدوافع ضرورية إذا وجهت توجيهاً سليماً ووضعت في مواضعها ، كأن تتحرك شهوة الطعام للحفاظ على البدن ليقوى على العبادة ،وشهوة الجنس نحو الهدف المشروع وهو الزواج لحفظ النوع ، والقوة الغضبية حين تٌزكى تصبح شجاعة ولكن حين تطغى تصبح عدواناً على الآخرين،وهكذا كل الدوافع إذا زكيت تكون معتدلة تلتزم الصدق والعدل ، وحين تطغى يكون الفجور في الخصومة والقسوة والمكر والخداع .

عندما تتزكى البيئة الأدبية يتحول الشعر والرواية إلى خدمة الأهداف الصحيحة وليس للغواية وقلب الحقائق ، وعندما تُزكى البيئة السياسية يرفض الناس كل أنواع الظلم والطغيان ، ويتعلمون كيف تكون المطالبة بالحقوق والقيام بالواجبات ، ويكون التركيز على قيم العدل وكرامة الإنسان.