الآجال جمع أجل، والأجل هو: المدّة المستقبلة التي يضاف إليها أمر من الأمور، سواء كانت هذه المدّة مقرّرة من قبل الشّارع، أو من قبل القاضي، أو بإرادة الملتزِم.

ومصطلح بيوع الآجال مصطلح فقهي شائع في المذهب المالكي، ويقصد به بعض البيوع التي يكون ظاهرها الجواز، ولكنّ مالكا رحمه الله تعالى منع مما غلبت فيه التهمة منها، وقويت؛ سدا للذريعة؛ لئلا يتوصل بهذه البيوع إلى الربا، قال الشيخ خليل في مختصره: “وَمُنِعَ لِلتُّهْمَةِ مَا كَثُرَ قَصْدُهُ: كَبَيْعٍ، وَسَلَفٍ، وَسَلَفٍ بِمَنْفَعَةٍ”.

وقال ابن رشد في المقدمات: “أصلُ ما بُنِي عليه هذا الكتاب -يعني: كتابَ بيوع الآجال- الحكم بالذَّرائع، ومذهب مالك -رحمه الله- القضاء بها، والمنع منها، وهي الأشياءُ التي ظاهرها الإباحةُ، ويتوصَّل بها إلى فِعْل المحظور، ومن ذلك البيوعُ التي ظاهرها الصحَّة، وُيتوصَّل بها إلى استباحة الرّبا، وذلك مثل أن يبيعَ الرجلُ سلعةً من رجل بمئة إلى أجلٍ، ثم يبتاعُها بخمسين نقدًا، فيكونان قد توصَّلا بما أظهراه من البيع الصَّحيح إلى سلف خمسين دينارًا في مئة إلى أجل، وذلك حرام، ولا يجوز”.

وقال ابن الحاجب: “الآجال لقب لما يفسد بعض صوره منها لتطرق التهمة بأنهما قصدا إلى ظاهر جائز ليتوصلا به إلى باطل ممنوع حسماً للذريعة،…”.

وسد الذرائع من أصول مذهب مالك المعتبرة قال العلوي في نشر البنود على نظمه مراقي السعود:”

سد الذرائع إلى المحرم ** حتم كفتحها إلى المنحتِم

الذريعة الوسيلة إلى الشيء، ومعنى سدها حسم مادة وسائل الفساد؛ دفعًا له فمتى كان الفعل السالم من المفسدة وسيلة إلى المفسدة منع من ذلك الفعل وهو مذهب مالك “.

فما قويت فيه التهمة وظهرت فيه الحيلة إلى الحرام من تلك البيوع حكم مالك بمنعه سدا للذريعة، وما لم تظهر فيه الحيلة أو لم تقو فيه التهمة لم يحكم بمنعه.

فإذا اتفق الأجل في البيعتين، فلا يضر اختلاف الثمن، وإذا اتحد الثمن فيهما فلا يضر اختلاف الأجل، وإن اختلف الأجل والثمن فهنا ننظر ما عاد لليد الأولى، هل عاد إليها أكثر أو أقل، وبحسب ذلك تقوى التهمة، وتظهر الحيلة، أو تقل وتضعف.

وفي هذا المقال سنتطرق إلى الصور الممنوعة من بيوع الآجال لقلتها في مقابل الصور الجائزة.

وتظهر الحيلة جلية، وتقوى التهمة في بيوع الآجال فتمنع في الصور التالية: بعضها باعتبار جنس الثمن، وبعضها باعتبار تعجيل الثمن كله أو تأجيله كله، أو تعجيل بعضه وتأجيل بعضه.

          أولا: باعتبار جنس الثمن

1- بيع السلعة بالريال مؤجلة وشراؤها بالدولار معجلا، هذا ممنوع؛ لأنه صرف لم يتم فيه التقابض.

2- بيع السلعة بالريال مؤجلا وشراؤها بالدولار مؤجلا، وهذا ممنوع أيضا.

ثانيا: باعتبار تعجيل ثمن البيع الثاني كله أو تأجيله كله

1- إذا كان البيع الثاني بأقل من ثمن البيع الأول نقدا،  كمن باع سلعة بألف ريال يقبضها بعد شهر، ثم اشترى تلك السلعة بعينها ممن باعها إليه بتسعمائة ريال نقدا، فهذا ممنوع لأنه يؤدي إلى سلف بمنفعة، وهو غير جائز؛ لأنه أعطى تسعمائة نقدا وسيأخذ بدلها ألفا والسلعة ملغاة.

2- إذا كان البيع الثاني بأقل من ثمن البيع الأول إلى أجل دون الأجل الأول فهذا البيع ممنوع؛ لأنه يؤول إلى سلف بمنفعة وهو محرم.

3- إذا كان البيع الثاني بأكثر من ثمن البيع الأول لأجل أبعد من الأجل الأول فهذه الصورة من صور بيع الآجال الممنوع؛ لتهمة دفع قليل في كثير من قبل المشتري ويؤدي إلى سلف بمنفعة.

ثالثا: باعتبار تعجيل بعض ثمن البيع الثاني وتأجيل بعضه

1- إذا اتفقا على تعجيل بعض ثمن البيع الثاني وتأجيل بعضه لأجل دون أجل البيع الأول،  والثمن أقل من ثمن البيع الأول، كأن يبيع سيارة بمائة ألف ريال إلى شهر، ويشتريها بثمانين ألف ريال منها خمسون ألفا معجلة وثلاثون ألفا مؤجلة لخمسة عشر يوما فهذه صورة من صور بيوع الآجال الممنوعة؛ لدفع البائع الثاني قليلا في كثير وهو سلف بمنفعة.

2- إذا اتفقا على تعجيل بعض ثمن البيع الثاني وتأجيل بعضه لأجل دون أجل البيع الأول وبأكثر من ثمن البيع الأول، كأن يبيع سيارته بمائة ألف ريال إلى شهر، ويشتريها بمائة وعشرين ألفا منها ستون ألفا معجلة وستون ألفا مؤجلة لخمسة عشر يوما فهذه الصورة ممنوعة أيضا.

3- إذا اتفقا على تعجيل بعض ثمن البيع الثاني وتأجيل بعضه لأجل مثل أجل البيع الأول بأقل من ثمن البيع الأول، كأن يبيع سيارته بمائة ألف ريال إلى شهر، ويشتريها ممن باعه إليه بثمانين ألفا أربعون منها نقدا وأربعون مؤجلة إلى شهر، فإذا حل الأجل دفع البائع الأول أربعون ألفا وأخذ ستين ألفا وهذا يؤول إلى سلف بمنفعة، فلا يجوز.

4- إذا اتفقا على تعجيل بعض ثمن البيع الثاني، وتأجيل بعضه لأجل أبعد من أجل البيع الأول، بأقل من ثمن البيع الأول، كأن يبيع سيارته بمائة ألف ريال إلى شهر، ويشتريها ممن باعه إليه بثمانين ألفا أربعون منها نقدا وأربعون مؤجلة إلى شهرين وحكمها المنع أيضا. وهكذا.

فهذه جملة من صور بيوع الآجال المحرمة بسبب قوة تهمة التحايل على الربا، ومذهب المالية من أشد المذاهب احتياطا في بيع العينة.

قرار مجلس الأوربي للإفتاء

قرار 1/27 بشأن بيوع الآجال:

أولاً: إن بيوع الآجال التي تشمل كل المعاوضات المالية و التي يدخل فيها الأجل نوعان:

نوع مشروع: مثل عقود المرابحات، والمساومات الآجلة، وعقد السلم الذى يقوم على تأجيل المبيع (المسلم فيه) ويعجل الثمن فى المجلس عند الجمهور، وجواز تأجيله عند المالكية إلى ثلاثة أيام ولو كان بشرط. وكعقد الاستصناع الذى يجوز فيه تأجيل البدلين، والإجارة، والمساقاة ونحوها.

– نوع غير مشروع: مثل بيوع العينة عند جمهور الفقهاء، والجمع بين معاوضة مالية وسلف.

ثانياً: إن من بيوع الآجال المشروعة :

1 – أن يتم شراء السلعة المبيعة بيع أجل من شخص بسلعة أخرى من البائع نفسه حيث لا تدخل العينة المحرمة.

2 – أن يشتري البائع نفسه السلعة المبيعة بأقل من الثمن المدفوع له بزمن أقل.

ثالثاً: إن من التطبيقات المعاصرة المحرمة لبيوع الآجال ما يأتى:

– عقود المستقبليات (future contracts) التى يتم فيها تأجيل البدلين وفق البورصات العالمية.

– التعامل بالهامش ( Margin Transaction) فى الذهب والفضة والمعاملات لما تقوم به البنوك والبورصات العالمية.

 


المصادر:

1 – التعريفات الفقهية لمحمد عميم البركتي، ص: 17.

2 – المقدمات الممهدات لابن رشد : 2/ 535.

3 – جامع الأمهات لابن الحاجب، ص: 238.

4 – نشر البنود على مراقي السعود:2/ 265.

5 – مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب:6/ 268-.280.