تعريف بيع التقسيط : هذا البيع باسمه المعروف اليوم لم يشتهر به في المدونات الفقهية الأصلية، وإن كان له صلة وثيقة ببيع الأجل المتحدث عنه الفقهاء في كتبهم، والذي مفاده قضاء الدين على التراخي مجزئة.

وكل من بيع الأجل وبيع التقسيط من ضروب بيع النسيئة، إلا أن بيع النسيئة مؤجل لأجل واحد، وبيع التقسيط مؤجل لآجالٍ متعددة، أو يمكن القول بأنه “يوجد بين التأجيل والتقسيط علاقة عموم وخصوص مطلق، ففى كل تقسيط تأجيل، فالتأجيل هو العموم المطلق، وقد يكون في التأجيل تقسيط وقد لا يكون. فالتقسيط أخص من التأجيل”.[1]

وعرفوه في الأحكام العدلية بقولهم: التقسيط تأجيل أداء الدين مفرقا إلى أوقات متعددة معينة “.[2]

صورة بيع التقسيط والأجل: كأن يكون البيت معروضا للبيع بقيمة مأئة ألف نقدا حالا، وبمائة وعشرين ألف نقدا مؤجلا، ويقبل المشترى البيع بالأجل على أن يكون بالأقساط، ويدفع في نهاية كل شهر عشرة آلاف إلى نهاية السنة ويتم العقد بينهما على ذلك، وحيث يدفع جميع المبلغ في نهاية السنة فذاك بيع الأجل.

حكم بيع التقسيط

بيع التقسيط من أنواع البيوع الجائزة عند جماهير العلماء قديما وحديثا، لأن الأصل في البيوع الحل والإباحة لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] وجرى عليه عمل المسلمين في عقودهم منذ عصر الأول، وهو شبيه بيع السلم المجمع على حله.  

يقول ابن قدامة: البيع بنسيئة ليس بمحرم اتفاقا ولا يكره.[3]

وجاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن بيع التقسيط: قرار رقم (64) أن:” البيع بالتقسيط جائز شرعًا، ولو زاد فيه الثمن المؤجل على المعجل.”[4]

ويدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: جاءتني بريرة فقالت:” كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام وقية[5]

لكن لا بد أن يكون المبيع بحوزة البائع وتحت تصرفه قبل بيعه للمشترى، استنادا لقوله صلى الله عليه وسلم:” لا تبع ما ليس عندك.[6] وكذا يجب أن يتم نقل الملكية إلى المشترى بعد تمام العقد، وأن لا يشترط في العقد شرط الجزاء في حالة التأخر عن أداء الأقساط في مواعيدها.

أخذ الرهن في بيع التقسيط

لا يخفى على من له أدنى إلمام إحاطة بالنوازل المهمة في المعاملات المالية المعاصرة أن للناس إقبالا كبيرا في تعاملهم التجاري عن طريق بيع التقسيط، لما في ذلك من الفوائد العديدة والمصالح المتنوعة في ساحة البيع والشراء، حيث يتمكن البائع من تخليص المبيعات في أقرب الوقت، والمشترى العاجز عن دفع ثمن السلعة المعروضة يجد مصلحته من خلال تسهيل قضاء دينه على سبيل الأقساط ولو بزيادة في ثمن المبيع، وهذا من ناحية جلب المصالح، لكن توجد بعض شوائب المخالفات الشرعية والنزاعات التى ترد أحيانا بسبب ضمان الحقوق.

يقول رفيق يونس المصري : “بيع التقسيط قد انتشر انتشارًا كبيرًا في معاملات الأفراد والأمم، بعد الحرب العالمية الثانية، ولا سيما في مجال السلع المعمرة اللازمة للأسر والمنشآت، كالآلات والأدوات والتجهيزات والسيارات. . . فتشتري هذه المنشآت من مورديها بالتقسيط، وتبيع إلى زبائنها بالتقسيط، وربما لجأت إلى المصارف لتمويل هذه العمليات (بيوع التقسيط) وقد ساعد على انتشار هذه البيوع أن البائع الذي يبيع بالتقسيط يمكنه أن يأخذ من المشتري ورقة تجارية (سندًا إذنيًا لأمر البائع، أو سفتجة، أي كمبيالة، مسحوبة على المشتري) أو عدة أوراق تجارية بعدد الأقساط المؤجلة، ثم يخصمها لدى المصرف، ليحصل على قيمتها الحالية، وهذا الخصم المصرفي عندنا من ربا النسيئة المحرم، وعليه فإن المؤسسات الائتمانية الحديثة قد كانت عاملًا مساعدًا على انتشار بيع التقسيط، من طريق قيامها بعمليات الخصم وعمليات أخرى كبطاقات الائتمان”.[7]

وتجنبا لمحظورات التى تنشأ جراء الخصم الربوي من خلال عقد بيع التقسيط، فإنه بالإمكان تطبيق عقد الرهن في بيع الأقساط في جميع أشكالها، والمندوحة متاحة بأخذ رهن الأوراق التجارية أو المالية، إذ إصدار الأوراق التجارية أو المالية وتداولها كأداة الرهن لحماية الحقوق وضمان وفاء الديون من العقود الجائزة إذا كانت صافية من الأمور المحرمة، ولو اتفق المتعاقدان في عقد من أي صور بيع التقسيط أو بيع الأجل على جعل الكيمبيالة أو الودائع البنكية أو الأسهم ونحوها رهنا بحيث يستوفي منها البائع حقها عند عدم سداد الأقساط فإنه جائز لضمان العقد.      

بل يجوز جعل نفس السلع مرهونة بثمنها على الصحيح، وقد جاء في ذلك قول ابن القيم رحمه الله: “وهكذا في المبيع يشترط على المشتري رهنه على ثمنه حتى يسلمه إليه، ولا محذور في ذلك أصلاً، ولا معنىً، ولا مأخذاً قوياً يمنع صحة هذا الشرط والرهن، وقد اتفقوا أنه لو شرط عليه رهن عين أخرى على الثمن جاز، فما الذي يمنع جواز رهن المبيع على ثمنه؟ لا فرق بين أن يقبضه أو لا يقبضه على أصح القولين، وقد نص الإمام أحمد على جواز اشتراط رهن المبيع على ثمنه، وهو الصواب ومقتضى قواعد الشرع وأصوله… وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وبعض أصحاب الإمام أحمد، وهو الصحيح”[8]

فالتنويه بقضايا الرهن ومسائله مع الدعوة إلى التمسك بالرهونات الإسلامية في مثل هذه البيوع يعد مخرجا كبيرا من مزالق المحاذير الربوية وما شابهها.     


[1]  صحيح فقه السنة وأدلته 4/319 

[2]  مجلة الأحكام العدلية، المادة (157).

[3]  المغني 4/176

[4]  مجلة مجمع الفقه الإسلامي 7/736.

[5]  أخرجه البخاري في البيوع، (2168).

[6]  أخرجه أحمد في المسند، (15311)، وصححه محققو المسند.

[7]  بحث “بيع التقسيط: تحليل فقهي واقتصادي” لرفيق يونس المصري، مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. العدد 6/187-188

[8] إعلام الموقعين 4/33