﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجۡهَه﴾ قرأتْ معلمة الدين هذه الآية من سورة الكهف، وشرعتْ تسأل إبنتي في إمتحانٍ عبر النت:
– ما المراد بذكر الغداة والعشي؟
– المواظبة على العبادة. ردت إبنتي.
– خطأ. قالت الاستاذة. أريد الجواب كما في الكتاب.
حسنًا، ما هو الجواب في الكتاب؟
-الإستمرار والمداومة على العبادة.

أفتحُ معجم اللغة العربية لأتأكد من معنى كلمة “مواظبة” فإذا هو “مداومة. إبنتي تُحرَم من درجة ونصف في الإمتحان لأنها جاءت بكلمة مرادفة المعنى للكلمة المطبوعة في الكتاب. والمعلمة المسكينة بدل أن تشجعها وتضيف لها درجة على فهمها، تنقص من علامتها…

لماذا قلت أنها معلمة مسكينة؟
لأنها درست هكذا… بالتلقين… بدون فهم. أي حافظة مش فاهمة…
ادرسْ… ذاكر… ثم استرجع ما درسته واستفرغه على ورقة الإجابة كما درسته… بلا نقاش، ولا إبداء رأي، ولا تساؤل ولا حوار…
لقد أخرجتْ هذه الطريقة التلقينية في مناهجنا الدراسية أجيالاً غبية مُنقادة وقوالب جامدة وأدمغة مضطربة تحمل شهادات عليا لكنها تخاف من التفكير، وتخشى التغيير، حتى لو كان على مستوى كلمة…

أليس معظمنا يقرأ ويحفظ القليل أو الكثير من آيات القرآن الكريم بدون فهم ولا تدبر ولا علم ولا تفكير؟! في حين أن منهج القرآن هو دعوة الناس إلى التعقل، وإثارة الدافع للتفكير، وتنمية القدرة على التخيل والإستيعاب، وإتباع أساليب متعددة لتفعيل التفكير مثل التحدي والتساؤل والحوار وكل ما من شأنه ترسيخ قواعد التفكير السليم لدى المتحاورين وتنميته وتعميقه… وما أكثر الآيات التي تتضمن مثل هذه العبارات : “أفلا يعقلون”، “أفلا يتفكرون”، “أفلا يتدبرون”…

كيف سيتسنى لهذه العقول الإبداع في العلوم الإنسانية والبحث العلمي والتطور التقني… والمبادرة – مثلاً – الى إستيعاب التقدم الصناعي، فضلاً عن إضافة شيء جديد إليه واختراع ما قد يفيد البشرية؟

تذكرتُ نفسي في السنة الجامعية الثالثة، تحديدًا في إمتحان الجراحة الشفهي، عندما جاءني سؤال عن “الفتاق” فاستظهرتُ للدكتور المُمتحِن ما درسته من كتاب الجراحة بالضبط لدرجة أنه تعجّب مني وقال: لقد أجبتَ بنفس الكلمات الموجودة في الكتاب التعليمي كلمة كلمة وحرفًا حرفًا… طبعًا لم يكن تعليقه من باب المديح والإطراء… والدليل أن تقييمه لي لم يكن جيدًا جدًا… لكنني تعلمتُ أنه يُحسن بي أن أكون فاهمًا أستخدم كلماتي وجملي على أن أكون حافظًا بطريقة ببغائية…

إنه من المفترض في هذا العصر أن تهتم المؤسسات التعليمية ببناء عقول منفتحة مفكِّرة واثقة من شخوصها وقادرة على التعامل مع المستجدات قبل أن تهتم بملء عقول أبنائنا بالمعلومات.

وصدق المفكر الإسلامي الرئيس البوسني علي عزت بيغوفيتش – رحمه الله – عندما قال: “حين نُعلّم الإنسان التفكير فإنّنا نحرره، وحين نُلقّنه فإننا نضمّه للقطيع”.