في ثاني جلسة من جلسات البرنامج الرمضاني الحواري “وآمنهم من خوف”، الذي تنظمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في نسخته الثامنة، ناقش السادة العلماء المشاركون موضوع “دور الشباب المسلم في تحقيق نهضة المجتمع”، فهل الشباب قادر على تحمل المسؤولية؟ وماهي غايته ووسيلته في ذلك؟ وما دور العلماء في هذه المهمة؟ وكيف يكون الشباب قاطرة النهضة الإسلامية؟

وكانت جلسات برنامج “وآمنهم من خوف”، التي يديرها على مدار ثلاثة أيام، الشيخ مال الله الجابر مدير إدارة الدعوة والإرشاد الديني بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، قد انطلقت في بحر هذا الأسبوع بحضور نخبة مميزة من علماء ومفكري العالم الإسلامي، لمناقشة موضوعات راهنة ومشكلات وقضايا تهم حاضر الأمة الإسلامية ومستقبل أمنها الثقافي الشامل، وتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة، وطرح رؤى تأصيلية ومراجعات فكرية، ومواجهة أهم التحديات التي تعوق نهوض العالم الإسلامي. وقد حرصت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في قطر أن يكون برنامج “وآمنهم من خوف” منبرا حرا مباشرا يقَدَّمَ خلاله أعلامٌ من علماء الأمة ومفكريها أطروحات تجديدية لمشروع حضاري يليق بأمة القرآن في شهر القرآن.

وقد ناقشت الجلسة الأولى من برنامج “وآمنهم من خوف”قضية “تعليم الدين الإسلامي، واقعه وسبل تطويره”، بالنظر إلى الكم الهائل من التقارير الدولية الغربية وكذلك شرقية الصادرة في الآونة الأخيرة، والتي ادعت مراجعة محتويات ومناهج التعليم الديني في العالم الإسلامي، وربطت بين مضامينه وموجات التطرف والكراهية، وبلغ الأمر ببعضها أن أضحت تحدد ما يحسن أن يدرس في التعليم الديني وما ينبغي حذفه.

لا نهضة بلا شباب

أما الجلسة الثانية فقد اختارت موضوع “دور الشباب المسلم في تحقيق نهضة المجتمع”، حيث عجزت المؤسسات التعليمية عن بلورة بدائل فكرية وثقافية أصيلة، قادرة على تحقيق فكر نهضوي أصيل يوحد الأمة ويفسح لها المجالات لاستثمار مواردها البشرية. ولأن الشباب عماد مستقبل الأمة ورهان رقيها، فإن نهضة مجتمعاتها تبقى مؤجلة، كلما ابتعد الشباب عن أصوله الدينية والثقافية، وكلما حاد عن الأدوار المنوطة به.

وقد شارك في الحلقة الثانية من جلسات برنامج “وآمنهم من خوف” والتي تناولت موضوع “دور الشباب المسلم في تحقيق نهضة المجتمع” كلا من: الشيخ الدكتور عثمان الخميس الداعية الإسلامي والموجه الشرعي في وزارة الأوقاف بدولة الكويت، الشيخ الدكتور محمد يسري ابراهيم الداعية بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر وأمين عام الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بمصر، الشيخ الدكتور شافي الهاجري الاستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، الشيخ الدكتور عادل رفوش المشرف العام على مؤسسة “ابن تاشفين” للدراسات والابحاث والإبداع بالمغرب، الشيخ الدكتور عبد السلام المجيدي الأستاذ بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر،  والشيخ الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالجزائر وعضو أمانة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.

محمد يسري: الشباب وقود النهضة ولا لفكر بلا عمل  

الدكتور محمد يسري ابراهيم كان أول المتحدثين في البرنامج، حيث تطرق إلى مشروع النهضة الإسلامية الذي بقي مؤجلا، وقال إن في قضية النهضة تحتاج الأمة الإسلامية إلى أن تتحول فكر النهضة إلى مواضيع يتداولها أبناؤنا وشبابنا، وأن تتحول هذه القضايا الفكرية إلى الجانب العملي التطبيقي، لا مجرد خطابات موجهة للنخبة.

وأكد محمد يسري أن أكبر اشكالية واجهت الأمة أن خطاب النهضة دار في أروقة خاصة بالعلماء تارة وبالمفكرين تارة أخرى، بعيدا عن الزخم الشعبي والشباب المسلم. كما قال بأننا نحتاج أن نخلق بهذه الأفكار  وعيا جماهيريا يحرك ويجيش الأمة.

ويرى محمد يسري أن قضية النهضة لا بد لها من وقود، ووقودها هو الشباب بلا شك، وهذه القضية لا يصلح أن تكون مجرد مسألة نظرية نتحدث بها، ثم ينفض هذا السامر ولا يبقى لها أثر من عمل أو سعي أو اجتهاد، لذلك ينبغي أن يكون من وراء هذه اللقاءات تفعيل وتنشيط وتقوية وتواصل بين الشباب وبين الشيوخ، بين طلبة العلم وبين العلماء.

ويقول محمد يسري أن من أكبر معوقات النهضة هي عدم وجود إرادة سياسية لتحقيق هذه النهضة، فالجهات الرسمية لا تتبنى فكرة النهضة التي هي إرادة قبل أن تكون شيئا آخر. والإرادة أن تتوجه الأمة بقيادتها السياسية والفكرية والعلمية والثقافية والتقنية نحو ان تصير هذه الأمة شيئا مذكورا. فما لم تتوافر هذه الإرادة، سنبقى نراوح مكاننا، وهذا لا يعني أبدا أن يكف العلماء عن الكلام والكتاب عن الكتابة.

رفوش: قيم الشباب في ثلاث “نونات”

أما الشيخ الدكتور عادل رفوش فيرى أن مشكلة الشباب في هذا العصر هي في القيم التي تستحوذ على عقول الشباب المسلم، وهي قيم تتصل أساسا بملذات دنيوية ومادية من قبيل المرح والسفر والتجوال السكن والزواج والمشاريع الاقتصادية. وتساءل رفوش: أين هي القيم الكبرى التي نص عليها القرآن الكريم؟ والتي يجملها المتحدث – كما يقول – في ثلاث “نونات”: الرحمن والإنسان العرفان، وهي جلية في فاتحة القرآن (الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين) فالله تبارك وتعالى أول ما ذكر ذكر نفسه ثم ذكر العالمين المطلوبين بخطابه، ثم تأتي قيمة أخرى كقيمة الرحمة وهي، الرحمن الرحيم، وكان من سنة العلماء أن لا يجيزوا طالبا حتى يسندوا له حديث الراحمون يرحمهم الرحمن، ثم مالك يوم الدين، قيمة العرض عللى الله، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وهي الآخرة، هذا الزاد الذي يجعل الطالب راغبا أكثر منه راهبا. فأين هي قيمة الشعور بيوم التغابن ويوم الحاقة ويوم الواقعة في قلوبنا وقلوب شبابنا؟ فإحياؤها ينبغي أن يكون على هذا الميزان.

المجيدي:الشباب هم من يحول وجه العالم البائس إلى الوجه السعيد

وفي سياق دور العلماء في تحفيز الشباب لصون مؤسسة الأسرة يؤكد الدكتور عبد السلام المجيدي أن الشباب هم الذين يحولون وجه العالم البائس إلى الوجه السعيد، ولذلك ذكر الله تعالى الشباب بالهدى في بداية التغيير في قوله عز وجل [إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى](الكهف-13 )، ولما أراد سيدنا ابراهيم –عليه السلام- ان يصحح هذا الخلل العظيم، ذكر الله تعالى على ألسنة أعداءه أنه كان فتى [قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبْرَٰهِيمُ] (الأنبياء -60). وتطرق الأستاذ المجيدي إلى قصة سيدنا أبوبكر – رضي الله عنه-، وكيف أراد أن ينتدب زيد بن ثابت لأعظم مهمة هي الحفاظ على الوحي الخاتم. فما المؤهلات التي اتسم بها زيد؟ قال له إنك رجل شاب عاقل. أي أن سيدنا أبو بكر ذكر كلمة شاب أو الشباب، ومعروف أن من معاني هذه الكلمة “الدفعة من المطف” و”التوهج الذي يظهر في نور الشمس”.

الندوي:  علينا بث القدوة القرآنية في روح الشباب

ولفت فضيلة الشيخ يوسف الحسيني الندوي مدير جامعة الإمام أحمد بن عرفان الشهيد بلكناو (الهند)، إلى مسألة مهمة وهي أننا يجب أن نبث في روح الشباب القدوة القرآنية، وأشار في هذا الصدد إلى قصة موسى – عليه السلام- وكيف ذكرها الله في كتابه مرارا  وتكرارا، وكيف يخرج ويهاجر وهو شاب، وكيف يعلن عن الحق أمام جبار عتيد، هذا هو الشباب. وأيضا كيف أعلن سيدنا ابراهيم، وهو فتى، عن التوحيد أمام قوى الشرك. وأيضا اتخاذ سيدنا يوسف عليه السلام كقدوة، وسيدنا عيسى عليه وكيف كان نارا أمام الباطل..هذا هو الشباب المطلوب الذي يقرأ  القرآن قراءة صحيحة وسليمة، واتخاذ قدوات وأسوات للشباب.

ويقول الندوي: للأسف نحن مقصرون في هذا الأمر، حتى بالنسبة للفتيات، فأين سيرة فاطمة رضي الله عنها، وسيرة عائشة رضي الله عنها، سيرة شاملة متكاملة في العلم والفضل والتضحية وخدمة الزوج ونشر العلم والعفاف والحصانة والرزانة. شبابنا اليوم يحفظون كل أسماء فرق كرة القدم، ولا يحفظون عشرة فقط من أصحاب سيدنا محمد..لأن البيئة المناسبة غير متوفرة لهؤلاء.

الخميس: مطلوب من العلماء الاجتهاد والنزول من برجهم العاجي

أما الشيخ عثمان الخميس فله رأي آخر، حيث يقول بأنه لا يلوم الشباب، لأن هؤلاء الشباب الذين نتحدث عنهم لديهم القوة والعنفوان والنشاط والهمة ورحابة الصدر، لكن يحتاجون فقط إلى من يقودهم، لا يحتاجون إلى غير ذلك، وأن خير مثال واقعي على هذا الأمر عشناه جميعا ونراه جميعا، فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- والذي كان رجلا بأمة، كان يقوم بتدريس الشباب، حتى أن أعدادهم تجاوز الألف طالب، يأتونه من جميع أقطار الدنيا، فأخرج ثلة مباركة طيبة ونشر بهم الخير في كل مكان.

وأضاف الشيخ عثمان، أن ما يقصده هو أن على العلماء أن يجتهدوا في احتضان هؤلاء الشباب والتقرب منهم وإفساح المجال لهم وتقريبهم من المهمات والمسؤوليات الكبرى، وأن ينزل العلماء والمشايخ من برجهم العاجي، وان لا ينظرون إلى الشباب نظرة احتقار  واستصغار، بل يأخذون بأيديهم ويتحببون بهم، تماما كما كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام في زمانه. مطلوب من العلماء أن يقوموا بدورهم، والشباب سيتبعونهم ويكونون معهم دون أدنى شك.

المراكشي: مشكلة الشباب في ضياع الغاية وفساد الوسيلة

في حين يقول الدكتور عصام المراكشي أن مشكلةالشباب اليوم هي في أمرين اثنين: ضياع الغاية وفساد الوسيلة. أما ضياع الغاية فأكثر شبابنا اليوم إذا سأته ما غايتك في الحياة؟ أفضلهم وامثلهم طريقة من يعطي غاية عامة يستوي فيها عامة المسلمين: غايتي رضوان الله عز وجل، وحبذا بها من غاية. لكن إذا تحدثنا عن الغايات المحددة، أريد ان أكون عالما أو داعية أو طبيبا أو مهندسا متميزا  أخدم المسلمين، هذه الغايات تحتاج أن تكون جلية في أذهان الشباب الذين يحتاجون إلى تأطير.

أما في الوسيلة، فإذا أردت غاية معينة وحددتها فالطريق إليها سيكون واضحا جليا، ولا يمكن أن تسلك وسائل لا توصلك إلى الطريق.