فقدت الأسرة العلمية بالمغرب مجددا أحد رجالاتها، حيث توفي ليلة الأربعاء 28 أكتوبر 2020 الأستاذ عبد الحق يدير، رئيس المجلس العلمي وأستاذ الحديث بكلية الآداب بفاس في المغرب، وهو فقيه وخطيب وواعظ ومحاضر حظي بسمعة طيبة ومحبة كبيرة، وقد نعته عدد من الوجوه العلمية في المغرب، وفي العالم العربي والإسلامي.

ويعتبر الشيخ يدير أحد مرشدي الأمة والساطعين بالحق، عرف لدى العام والخاص بعمق في الحكمة واتزان في الكلام. كما أن لع العديد منن الكتب والمؤلفات والدراسات المحكمة مثل: “القدح في الراوي بسبب البدعة” “حكم عمل الراوي وفتياه بخلاف ما روى وأثره في اختلاف الفقهاء”، “اختلاف الفقهاء بسبب عدم بلوغ الحديث أو نسيانه وأثر ذلك في الفروع الفقهية”. وكان الشيخ غنيا بما كتب وألف وأرسى من القدوة، وتنوع المواهب والقدرات التي آتاه الله، وسعة الآفاق والمجالات التي تناولها علما وعملا، ودعوة وتعليما.

علماء وأئمة يتحدثون عن الشيخ يدير

وتعليقا على وفاة الشيخ كتب الدكتور توفيق الغلبزوري: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، بلغني قبل لحظات هذه الليلة وفاة أخينا الحبيب وصديقنا العزيز وبلدينا العلامة المحدث الأستاذ الدكتور عبد الحق يدير، رئيس المجلس العلمي لإفران والأستاذ بآداب فاس، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا على فراقك عبد الحق لمحزونون، اللهم تقبله في الصالحين، وأورثه جنة النعيم، واجمعنا به في الفردوس الأعلى إخوانا على سرر متقابلين. رحم الله الفقيد ورزق أهله الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال الإمام داوود الظاهري: قال لي إسحاق بن راهويه: ذهبتُ أنا وأحمد بن حنبل إلى الشافعي بمكة، فسألتُه عن أشياءَ، فوجدتُه فصيحا حسَن الأدب، فلما فارقناه، أعلمنى جماعة من أهل الفهم بالقرآن، أنه كان أعلم الناس في زمانه بمعاني القرآن، وأنه قد أوتي فيه فهما، فلو كنتُ عرفتُه للزمتُه.

وأضاف: ورأيتُه يتأسف على ما فاته منه. وأنا بعد حمد الله وشكره على كل حال، أتأسف على ما فاتنى من شيخي فضيلة الدكتور: عبد الحق يدير، الذي رحل عن دنيانا الفانية يوم الأربعاء الماضي، قبل عيد وذكرى المولد النبي الشريف بيوم واحد، وفي رحاب شمس الشهور -ربيع الأول- 1442، ونعاه أعضاء مختبر: العلوم الشرعية والقانونية وقضايا العصر، بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، في المملكة المغربية الشقيقة.

لقد بهرنى هذا الشيخ العلامة -رحمة الله عليه- خلال أزيد من سنة فقط من صحبته، بعلمه وهديه وعقله، والذي علا ذكرُه في جامعة سيدي عبد الله بن عبد الله بفاس، وارتفع قدرُه في الأوساط العلمية والمعرفية بفضل تلامذته وسمته، ونشرِه ورفقه.

جملةَ رجال في رجل واحد

وقال الإمام داوود الظاهري “إن جاز لى أن أصف أو أصنف المرحوم، فأحسبه: جملةَ رجال في رجل واحد. رصدتُ في فضيلة الشيخ صفات نادرة، من غزارة العلم، وخصب الإنتاج، وتنوع القدرات، وسعة الأفق، والقدرة الفائقة على خدمة العلم وأهله وحملته”.

كنتُ أُكْبِرُ في الرجل تواضعه، حين يحاول أن يفهمنا بوقاره ولطفه وحلمه، أنه ليس مجرد أستاذنا وراعي مشاريعنا وأعمالِنا العلمية فقط، وإنما محب لشنقيط والشناقطة أولا وأخيرا. يستهل حديثه معنا ولقاءاته العلمية بالثناء على الموريتانيين، ويقول: أنتم أهل شنقيط العالمة، وبلد المليون شاعر، وأهل العلم والفقه والتقى.

في حدود معرفتي بالشيخ فإنه يمثل صفحة عريضة وغنية من البشاشة والسرور، والتبجيل والمهابة والخشية العلمية، وكان يترفق بنا ويحسن صحبتنا، على مرتبته العلمية، وسنه وشيبته. ويكفينى فخرا واعتزازا أن أكون أحد تلامذته، والمتصوفة فيه.

 إن علماء المسلمين خيارُهم، كما يفيد: ابن تيمية، في كتابه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام. ولابن عباس، قال: أتدرون ما ذهاب العلم، قلنا: لا، قال: ذهاب العلماء. كما للدارمي في السنن.

علم وفقه الفاسيين

تميز الدكتور: عبد الحق يدير، بحب العلم وحملته، واستعداده التام لخدمة رواده، وتأطيرهم، وترشيد مسيرتهم.، وكان معجبا بالشناقطة يثني عليهم كثيرا. وله فضل كبير على أجيال من الباحثين الذين منحهم وقته، وأعطاهم من علمه وفهمه وخبرته، بالإشراف على أعمالهم العلمية، ورعاية إنتاجهم بالجامعة، على أنه كان مخلصا لمسؤوليته، واعيا لدوره ورسالته.

ويقول الظاهري أن الشيخ يدير – رحمة الله عليه- كان في أصول الفقه ومقاصد الشريعة والتحقيق في اللسان العربي، أبين اثرا منه في غيرهم من فنون الشريعة الإسلامية الأخرى، التي يتقنُها وكان بصيرا بها. وتعلم منه الباحثون علم وفقه الفاسيين، وعبقرية وموسوعية المغاربة.