تعتبر رواية ( آلموت ) إحدى روائع الأدب الروائي العالمي، لقد استطاع الكاتب السلوفيني فلادمير بارتول أن يعيد كتابة تاريخ فرقة الحشاشين بطريقة أكثر جذبا من ما هي عليه في كتب التاريخ، لا يعني ذلك أنه وقف مساندا لإرهاب حسن الصباح ولكنه في الحقيقة لم يندد به، لكن ذلك لم يكن دوره ككاتب روائي، دور الروائي أن يغوص إلى روح العصر الذي يكتب عنه، وأن يتمثل شخصيات روايته كما يجب أن يكونوا أو كما كانوا على الأصح.

تأخذ رواية (آلموت) أهميتها اليوم رغم مضي عقود على صدورها لكونها تسهم بشكل كبير في فهم نفسية ودوافع حركة داعش الغامضة فكرا وإيديولوجيا وتنظيما وتسليحا، والتي تضرب في كل مكان دون أن يستطيع أحد تخمين عدوها الحقيقي، وهي نسخة متطورة من حركة الحشاشين التي تدور حولها رواية ألموت.

تدور أحداث رواية (آلموت ) في قلعة بهذا الاسم الذي تقول اللغويات إن معناه (عش النسر)، هي حصن جبلي موجود بوسط جبال البرز أو جبال الديلم جنوب بحر قزوين في (مدينة رود بار) بالقرب من نهر شاه ورد على بعد 100 كلم من العاصمة طهران الآن.

لا يعرف الباني الأساسي لتلك القلعة المثيرة، ويقال إن أحد ملوك الديلم القدماء هو من بناها وسمّاها (ألوه أموت)، جدد بناءها أحد الحكام العلويين عام 860 للميلاد، بعد ذلك استولى عليها أمير الطائفة الإسماعيلية المثير حسن الصباح عام 1090 للميلاد، وطرد الحاكم منها وقيل إنه اشتراها منه ب 3000 دينار ذهبي. كانت القلعة حصينة جداً، لكن ركن الدين خورشاه وهو آخر أمراء الحصن استسلم بدون قتال على أمل أن يرحمهم هولاكو وهو ما لم يفعله، فقد دمرها بالكامل.

استطاع فلاديمير بارتول أن يعكس طبيعة الحياة الدينية والفكرية والسياسية داخل تلك القلعة في عهد أميرها الذي عرفت به حسن الصباح، والحشد العاطفي الذي يمارسه ضد أتباعه لتجنيدهم، وذلك من خلال عرضه ليوميات الحياة في تلك القلعة التي كان شيخ الجبل كما يسمونه قد جعل منها معسكرا بمواصفات غريبة يكون فيه ويجند مئات الأتباع ويحولهم إلى فدائيين ينفذ بهم عملياته الانتقامية من الأمراء والوزراء والقضاة والقادة الذين كان يختلف معهم ويعتبرهم خصوما ألداء، حسن الصباح ذلك الرجل الغامض الذي استطاع بغموضه أن يسير حركة سرية بحجم ودوي حركة الحشاشين.

المثير في موضوع رواية آلموت الحشاشين –وقد دارت حوله وفيه كل أحداث الرواية- هو تلك الجنان المعلقة والفردوس الأرضي الذي استطاع حسن الصباح أن يجعل منه طعمه الساحر الذي يحول به قناعات الشباب فيمضون للموت وهم موقنون بأنهم في طريقهم إلى تلك الحور والقصور والأنهار.

بدأت الرواية بتلك القافلة التي كانت تشق طريقها من سمرقند مرورا بجبل الإلبوزر شمالي خراسان، والتي كانت تحمل فتاة غاية في الجمل والروعة اشتراها حسن الصباح ليضيفها إلى تلك الفتيات اللواتي انتقاهن ليجعل منهم حوريات يوهم بهن فدائييه أنهم في الجنة الحقيقية، ستهرب حليمة في ختام الرواية من تلك الحدائق الذي لم تستطع نفسها السوية الانسجام معها رغم ما يحيط بها من ترف ورفاهية عيش، ستنتهي حياتها بين أظافر ذلك ذلك الفهد المهجن الذي جعل منه حسن الصباح حارسا أليفا ووحشا كاسرا في نفس الوقت.

ليست آلموت رواية تاريخية ولا فلسفية ولا وجدانية فقط، إنها كل ذلك فحوارات حسن الصباح مع مستشاريه طالت كثيرا من القضايا الفلسفية الميتافيزيقة والفكرية السياسية، كما عرض الكاتب من خلال الرواية قدرا من الأحداث التاريخية في جو سردي ماتع، أما الأبعاد الوجدانية والتشويقية في الرواية فإنها أكثر من أن يمثل لها، إذ يمكن القول إن الرواية تريد أن تقول إن الأبعاد العاطفية والوجدانية أكثر تأثيرا في النفس البشرية من اي محاولات أخرى للإقناع.

الشخصية الثانية المهمة في الرواية إلى جانب حليمة هي شخصية ابن طاهر ذلك الشاب المثقف الشاعر الذي لم يستطع أن يستوعب ما يدور داخل القلعة، والذي قاد مغامرة خطرة أودت بحياته حاول أن يكتشف من خلالها حقيقة تلك الفراديس التي يحدثهم عنها أساتذة ووعاظ القلعة، ويعدونهم بها إن هم نفذوا أوامر سيدها حسن الصباح.

الفكرة الرئيسة للرواية هي أن الحماس للمبادئ يعتمد بشكل كبير على الجهل المشوق بشيء ما، معرفة كل شيء تبرد الحماس وتضعف الاندفاع، حسن الصباح نحول إلى نبي في مخاييل أولئك الشباب الأغرار لأنهم لم يقابلوه في حياتهم، ظل متواريا عنهم، يسمعون مناقبه ولا يرون ذاته البشرية، فتحول إلى ملاك متخيل.

الفردوس الذي صنعه حسن الصباح وكان يخدر فدائييه قبل أن يدخلوه ثم يخرجهم منهم وقد استبد بهم الشوق للرجوع إليه، جعلهم يموتون في سبيل قضية أيقنوا أنه وراءها ذلك الفردوس الذي مروا به ذات مرة كلمح البرق.

الفكرة الثانية للرواية هي أن الاندفاع الأعمى يكون غالبا سببه الجهل أو السذاجة، ذلك ما قالته تصرفات حليمة وابن طاهر وسليمان حيث أصبحوا ثلاثتهم عبئا على شيخ الجبل لأسئلتهم المدققة في كل شيء وقدرتهم على تفكيك ما يأتي من روايات معلبة

كان الوصف ثريا جدا والخيال الفني للكاتب خصب بدرجة لا متناهية، فوصفه للحدائق وللحالات النفسية لشخوص روايته منحها جمالا لا يضاهيه إلا جمال اللغة العربية التي استطاعت المترجمة أن تنقل بها الرواية إلى اللغة العربية، أما استحضاره لجزئيات وتفاصيل الحياة في ذلك العصر فشيء هائل، يجعل القارئ يظن أنه يشاهد صورا حقيقية لا كلمات واصفة.

تشبه الأسطورة في غرابتها، ولكنها حقيقة تاريخية لا يتطرق إليها الشك، قصة قلعة آلموت (عش النسر) وحسن الصباح وكيف استطاع ذلك الرجل الهارب من مغالبات صراع الأسرة الداخلية على الحكم في مصر أن يقود حركة سرية صنعت الرعب في نفوس أمراء وملوك العالم.

الغريب أن أكثر من اهتم بهذه الحركة هو غير العرب مع أنها نشأت في ديارهم وضمن سياقهم التاريخي الحضاري، كتب عنها فلاديمير بارتول هذه الرواية وكتب عنها برنارد لويس كتابه: (الحشاشون: فرقة ثورية في تاريخ الإسلام).