يكاد يكون من المسلم به بين خبراء المالية الإسلامية وباحثيها والمهتمين بها أن ماليزيا تعتبر من الدول المتصدرة للمالية الإسلامية سواء تعلق الأمر بحجم التعاملات المالية الإسلامية أو بتطوير هذه المنظومة أو بحجم الابتكارات التي شملت منتجات المالية الإسلامية.

 

خلال المؤتمر الخامس عشر للمالية الإسلامية والذي عقد منذ أسابيع في العاصمة كوالالمبور لمناقشة المستجدات في مجال المالية الإسلامية والتحديات التي تواجها خاصة ما يتعلق بالتطورات التكنلوجية المتسارعة في قطاع المالية، أوضحت تقارير نشرت أثناء المؤتمر عن سيطرة ماليزيا على 51% من سوق الصكوك العالمي البالغ حجمها 396 مليار دولار.

هذا النجاح الذي حققت ماليزيا في إطار المالية الإسلامية هو ثمرة جهود كبيرة شملت تطوير الجانب التنظيمي والقانوني والمحاسبي للمالية الإسلامية وهذا التطوير مدعوم ببرامج بحثية وتعليمية مكثفة ساهمت في إنجاح هذه الجهود حتي أينعت هذه التجربة تلك النجاحات. تسلط هذه المقالة الضوء على الاستراتيجيات والسياسات التي ساهمت في جعل ماليزيا تتصدر سوق المالية الإسلامية.

نشر الوعي التعليمي

من أهم السياسات التي ساهمت في إنجاح تجربة المالية الإسلامية في ماليزيا على هذا النحو سياسة نشر الوعي العلمي بين الناس حول المالية الأسلامية وأهميتها والامتيازات التي تمنحها للزبناء والمستثمرين ،إن القدرة على زرع الوعي بأهمية هذا النظام المالي بين المواطنين سواء كانو مستثمرين أو زبناء عاديين كان له تأثير كبير في تطور مسار المالية الإسلامية في ماليزيا.

فنشر التعليم و التثقيف بخصوص ما تمنحه منظومة المالية الإسلامية من امتيازات تحمل بعد أخلاقي وتشريعي هذا بالإضافة إلى قدرة هذه المنظومة على التغلب على الكثير من مشاكل النظام المالي الربوي خاصة ما يتعلق منه بجانب “تحديد المخاطر” وغياب الجانب الاجتماعي في المنظومة الربوية بسبب الجشع الذي أصاب المستثمرين والشركات. ساهمت مجموعة من الوسائل في نشر الوعي التعليمي بالمالية الإسلامية في ماليزيا منها هذه الوسائل : المؤتمرات ، الندوات ، النقاشات الجامعية ، البرامج التلفزيونية والإذاعية.

هذه الآليات كان لها دور كبير في خلق وعي جماهيري كبير بأهمية المالية الإسلامية كنظام بديل عن النظام الربوي و كنظام قادر على تلبية احتياجات المسلم في مجال الخدمات المالية بطريقة موافقة لمبادىء الشريعة الإسلامية. إن غياب الوعي التعليمي والتثقيفي بالمالية الإسلامية تسبب في تغييب قطاعات واسعة من الناس في العديد من الدول الإسلامية عن معرفة حقيقة النظام المالي الإسلامي ومميزاته والفرص التي يمنحها لمستخدميه ، ونجاح ماليزيا في تجاوز عقبة الوعي المجتمعي بهذه المنظومة المالية فتح لها أبواب التميز في هذا القطاع.

دور فعال للقطاع الحكومي والخاص

في الدول التي لا تزال المالية الإسلامية فيها ضعيفة من حيث التواجد والانتشار هناك ضعف أوغياب للتدخل الحكومي في هذا القطاع خاصة أن الهيآت الحكومية هي المخولة بوضع الأطر والقوانين التنظيمية لهذه المنظومة المالية والعمل على تسويقها محليا ، استطاعت ماليزيا التغلب على هذه العقبة فخلال العقود الماضية ظلت الحكومة تتدخل من خلال مؤسساتها من أجل تطوير الإطار التنظيمي والقانوني لسوق المالية الإسلامية ، بل تعدى الأمر ذلك إلى إنشاء هيآت رقابية و مؤسسات تنظيمية خاصة بالعمل على تسهيل وتطوير أداء سوق المال الإسلامي.

هذا الدور الرقابي والتنظيمي للحكومة ساهم في منح الثقة للمستثمرين و بالتالي دفع القطاع الخاص إلى لعب الدور المنوط به في مجال تعريف وتطوير المنظومة المالية الإسلامية. شكل التلاحم بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص دفعة قوية للنظام المالي الإسلامي في ماليزيا ومنحته هذه الدفعة قوة وصلابة في مواجهة التحديات كما أكسبته ثقة تنمو وتتزايد مع تطور وانتشار خدمات المالية الإسلامية في ربوع البلاد. من خلال الدعم الحكومي للمالية الإسلامية استفاد القطاع الخاص من المنظومة المالية الجديدة خاصة بعد نجاح العديد من مؤسسات المالية الإسلامية في تصميم آليات قرض للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التى ساهمت في انتعاش الاقتصاد و في خفض نسبة البطالة خاصة بين الطبقات الفقيرة. كما ساهم التعاون البيني للقطاع العام والخاص من انتعاش سوق الصكوك و تمثل هذا الإنتعاش في زيادة اقبال المستثمرين على هذه السوق.

دعم البحث والتطوير

عملت الحكومة الماليزية منذ سنوات على دعم جانب البحث والتطوير في المالية الإسلامية ، ولتحقيق هذا الهدف افتتحت الحكومة عدة مراكز بحث كما قامت بتقديم مساعدات للجامعات البحثية من أجل مساعدتها على تقديم بحوث في مجال المالية الإسلامية تسهم هذه البحوث في إيجاد حلول للمشاكل التى تواجها هذه المنظومة كما تسهم مراكز البحث والمعاهد المتخصصة في تخريج متخصصين في المالية الإسلامية وذلك لتغطية احتياجات السوق المحلية من الموظفين والخبراء القادرين على أداء خدمات المعاملات الإسلامية في البنوك والمؤسسات المالية الأخرى.

ساهم الدعم القوي للبحث والتطوير الذي تقدمه الحكومة الماليزية لقطاع المالية الإسلامية في دعم الابتكارات وإيجاد الحلول لما يعترض هذه المنظومة من مشاكل وتحديات وهذا ما جعل من ماليزيا أكثر دول العالم تقدما في مجال المالية الإسلامية فحسب تقرير لوكالة تومسون رويترزلتقييم أداء المالية الإسلامية في 70 دولة حصلت ماليزيا على 4 نقاط من أصل 6 وبذلك تربعت على القمة كأفضل دولة في مجال المالية الإسلامية.

تبني هذه الاستراتيجيات مع الأداء الرقابي للحكومة من خلال مؤسساتها الخاصة كالبنك المركزي و غيره من المؤسسات ساهم في تسريع وتيرة نمو المالية الإسلامية و خلق سوق كبيرة ذات ثقة عالية من المستثمرين المحليين والدوليين ، هذا إضافة الأطر القانونية والتنظيمية التى تسعى المؤسسات المختصة على تحديثها بشكل مستمر وفقا لحاجيات السوق و مستلزمات التطور المالي المتسارع.