تعاني الأجيال العربية الجديدة في بلاد المهجر من مشكلة الهوية الدينية والثقافية بسبب اندماجها الكلي في المجتمعات الجديدة التي ولدت ونشأت بها، لكن هذا الاندماج سرعان ما يأخذ طابعا مختلفا يؤثر على الجيل الجديد عندما يتجاوز مرحلة الطفولة والمراهقة ويبدأ في رحلة البحث عن الذات وعن الهوية التي لا يعرف منها سوى أنه يعرف أن الآباء والأمهات يختلفون عنه في كل شيء تقريبا مما يتسبب لهذا الجيل في غربة عن ذاته وأزمة نفسية حادة تدفع العديد من هؤلاء إلى الانخراط في المنظمات الإرهابية -التي تركّز على هذا الجيل الجديد لسهولة التغرير به- بحثا عن هوية مفقودة لم يعرف الطريق الصحيح للوصول إليها.

وتصارع مؤسسات تربوية عربية وإسلامية في الغرب من أجل استحداث مناهج دراسية تعزز مكانة وحضور اللغة العربية والثقافة الإسلامية في نفوس هذا الجيل، نجح بعضها في الوصول إلى هذا الهدف بفضل الجهود الجبارة التي بذلتها نخبة من الأساتذة الباحثين التربويين، بينما تعاني مؤسسات أخرى من ضعف الإمكانيات المادية والبشرية التي تساعدها على بناء شخصية الجيل المسلم الجديد في بلاد المهجر ليكون لبنة صالحة وجسرا للتواصل بين الثقافة الغربية والثقافة العربية الإسلامية.

وعلى هامش منتدى الجزيرة التاسع، خصصت إحدى الجلسات لنقاش التعليم الرقمي والتعليم التقليدي والفرق بينهما، وما يمكن للتعليم الرقمي والإعلام أن يلعباه في مساعدة جيل المهجر الجديد على التواصل –ولو عن بعد- مع جذوره العربية الإسلامية، وأكدت مديرة البرامج بمعهد المستقبل بباريس الدكتورة سوسن صدفي أن الجاليات العربية والإسلامية في الغرب بحاجة إلى إعادة استنبات اللغة العربية من جديد في أوروبا، للحفاظ على هوية الشباب المسلم في هذه البلاد، وتقديم حلول عملية عن طريق التقنيات الحديثة للتواصل مع ثقافته وهويته العربية الإسلامية.

وكشفت أن معهد المستقبل بباريس نجح في إعداد مناهج جديدة تم من خلالها زيادة الساعات الدراسية المخصصة للغة العربية، والاهتمام بالثقافة الإسلامية في هذه المناهج، وقد لاقت تلك المناهج استحسان الجميع، وبدأت تؤتي أكلها بعد تخريج دفعات كثيرة من الشباب العربي المسلم المتزن العارف بلغته وثقافته التي مكّنته من أن يكون جسرا جيدا للتواصل بين الحضارة الغربية والحضارة العربية الإسلامية، مشيرة إلى أن أول شيء تغرسه المناهج الجديدة في نفوس الطلبة في المعهد هو: أنهم مسلمون أولا وأوربيون ثانيا وأن لا تعارض بين الأمرين، وألمحت إلى أن مشكلة الاستغراب والمسخ الحضاري الذي يعاني منه الجيل الشاب في البلاد العربية يجب أن تجد الجهات المعنية بالتعليم في هذه الدول حلولا عاجلة، فقد كان العلماء والمفكرون الغربيون في العصور الوسطى يفخرون على نظرائهم بأنهم يجيدون اللغة العربية التي كانت يومها لغة العلم والحضارة، حتى أن بعض هؤلاء كان يحرص على ارتداء الزي العربي ليتميز عن غيره وليعرف له المجتمع ماكنته العلمية، لكن انعكس الوضع اليوم وبدأت الأجيال الشابة في العالم العربي والإسلامي تبتعد عن لغتها، بل وتجهلها تماما، وهذا ما تسعى مؤسسات تربوية إسلامية في الغرب أن تجد له حلا يعيد التوازن إلى الشخصية العربية الجديدة في بلاد المهجر ويحول بينها وبين تقليد الشباب في العالم العربي الذي بدأ ينظر إلى لغته العربية على أنها لغة التخلف.

وأجمع الباحثون في تلك الورشة على أن صفحة تعليم اللغة العربية عن بعد التي أنشها موقع الجزيرة نت تعد ثورة في هذا المجال، خصوصا وأنها تتيح المعلومات المطلوبة للجميع وبمجانية، كما أن خصائص هذه الصفحة والخدمات المقدمة بها جعلت جامعات غربية وآسيوية عديدة تعتمد عليها في مناهجها، فالصفحة تقدم دروسا يومية للمبتدئين، ودروسا أسبوعية لأصحاب المستوى المتوسط بلغة الإعلام التي تعالج هموم الناس اليومية، الصحية منها والاقتصادية، مما مكّن الطلبة في البلاد الأجنبية من الاستفادة منها نتيجة للغة السهلة المتداولة في وسائل الإعلام، علما أن الصفحة تتيح لمشاهديها خاصية ترجمة الكلمات، والإجابة عن الاستفسارات، وتقدم خدماتها التعليمية نطقا وكتابة واستماعا، عن طريق استخدام تكنلوجيا المعلومات، وهذا ما جعل إقبال الشباب العربي في المهجر على خدمات هذه الصفحة لافتا.