يمثل هذا الكتاب قيمة علمية ونقلة نوعية في تقريب مفاهيم وقواعد وأصول “فقه التيسير في الشريعة الإسلامية”، بلغة سهلة بسيطة وميسرة يفهمها الجمهور العام من المسلمين، المتخصص منهم وغير المتخصص. وتكمن أهميته وقيمته العلمية في الجانب التأصيلي للقاعدة الشرعية الأصولية الكبرى، عن طريق جمع واستقراء النصوص والأدلة الصريحة والمباشرة، خلاف الجانب التأصيلي من الموروث الفقهي والمقاصدي، حيث والكتاب يضم جملة من العلوم، التي تشرح القاعدة في منحى ومسلك أصولي مقاصدي فقهي.

وتكتسب الدراسة أهميتها المثلى في ظّل التراجع العلمي والجمود الفقهي في الأمة والمجتمعات المعاصرة، وماتعاني من حالتي الإفراط والتشدد والتساهل، وتواجهه الشريعة الإسلامية من هجمة شرسة واستهداف من قبل الأعداء والخصوم، وفي المحتوى العلمي والعملي التطبيقي، في أهم جوانب الشريعة الإسلامية وهو العبادات التي أحوج ما يكون الناس اليوم إلى فهمها ودرايتها بصورة مرتبة في الجانب العام والخاص.

تدور الفكرة الرئيسية للكتاب، في دراسة وبيان أصل كلي ومقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، هذا الأصل هو فقه التيسير في الحالتين الاختيارية والاضطرارية، وتفصيل ذلك، وتأصيله وبيان مستنداته وقواعده وصوره وأمثلته في الجانب النظري والتطبيق العملي على السواء. واستخدم الباحث المنهج الاستقرائي، من خلال تتبع نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وأفعال الصحابة والتابعين، والقواعد والأصول الضابطة، ومحاولة قراءة أنواعها وصورها وتحليلها على ضوء ما يمكن الوصول إليه من استنتاجات تحقق مقصود القاعدة.

والمتأمّل في نصوص الفقه الإسلامي ومقاصد الشّريعة الإسلامية يجد أنّ التّيسير يعتبر أحد المبادئ الكبرى الّتي قامت عليها شريعتنا الغرّاء، فالشّريعة يُسْر كلّها، لا عُسر فيها بوجه من الوجوه، ولم يرد وصفها بالمشقّة أو العُسر، ولا بالتوسُّط بين اليُسر والشِّدّة.

ولمّا كانت الشّريعة الإسلامية آخر شريعة سماوية، كان لابدّ أن تكون مميّزة بخصائص ومميّزات تجعلها قابلة للثّبات والاستمرار ومواكبة لحياة الإنسان مهما كان، وفي أيّ عصر كان وفي أيّ مكان كان، ومن أهم هذه المميّزات “رفع الحرج عن المكلّفين والتّيسير عليهم”، وهي ميزة مَيّزَت شريعتنا عن غيرها من الشّرائع الأخرى السّابقة الّتي ضمَّنها اللّه عزّ وجلّ من الأعمال الشّاقة ما يتناسب وأحوال وأوضاع تلك الأمم الّتي جاءت لها تلك الشّرائع.

ويعد موضوع الدراسة، من المواضيع الهامة والحيوية التي يجب أن تبرز في هذا العصر وكل عصر، وفي عصرنا الحاضر بصورة أشد وآكد. والأمر يتعلق هنا بإحياء وبث روح الشريعة الإسلامية التي تستدعي من عموم المسلمين وخاصتهم، التبشير بمحاسنها وإظهارها حتى يقبل الناس عليها ويعملوا بها لأن من غير الممكن أن يقبل الناس أمراً فيه شدة وحرج ومشقة.

وقد جاءت هذه الدراسة – كما يقول الباحث- لكسر حِدّة ما انتشر من بعض الأفكار والتصورات الخاطئة، الواردة من بعض المناطق والبلدان، المترعة بالتشدد والتطرف والغلو الذي قتل روح الشريعة الإسلامية في المسلمين قبل غيرهم. كمايسد حاجة مُلحة للمسلم المعاصر، ويعالج مشكلة أسلوبية في تبسيط مفاهيم وأصول وقواعد التيسير في الشريعة الإسلامية، بعيداً عن ذلك المنحى والتوجه التخصصي الذي درج عليه علماء الأصول والفقه والمقاصد في دور ومراكز التعليم، التي لا تتناسب مع جمهور الأمة وعامتهم.

ويعتبر “فقه التيسير في الشريعة الإسلامية”، من القضايا والمفاهيم الغائبة والعائمة والملتبسة، في واقع الأمة والمجتمعات اليوم، التي هي أحوج ما تكون إلى إحياء فقه التيسير وبث روح الشريعة الإسلامية، ولأن التيسير قد يستخدم في غير مقصودة، فقد عمل الباحث على تقييده بـ ” الفقه”، وذلك في أن يكون الأمر على مراد الشارع وليس أهواء الناس وأمزجتهم.

ولأهمية التيسير وضرورة التفقه في قواعده، ومعرفة ضوابطه على ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية وقواعد وضوابط علماء القواعد التشريعية في الفقه والأصول والمقاصد لتحقيق الرشد في فقه التشريع الإسلامي تصوراً وتطبيقًا في هذا الباب، – فقد رغب الباحث كما يقول في مقدمته – للإسهام في التوعية فيه، وفتح المجال للمزيد من البحث والدراسة، وصياغته بصورة تكون في متناول فهم الجمهور، ولا يستغني عنه أهل الاختصاص، وجاءت الدراسة على جانبين: الأول: الجانب التأصيلي من خلال النصوص الشرعية والقواعد التشريعية، والجانب الثاني: التطبيقي على أبواب العبادات التي يحتاجها جمهور المسلمين.

مؤلف الكتاب هو: الدكتور عبد الرقيب صالح محسن الشامي، ويعد من طليعة الباحثين الشرعيين القلائل الذين برعوا في تقديم وتبسيط علوم الشريعة بلغة سهلة بسيطة وميسرة، وصدرت لهم العديد من الكتب والمؤلفات، والدراسات والأبحاث، ويأتي في صدارتها:” القواعد الأصولية عند الإمام مالك من خلال المدونة الكبرى”، و ” الحكم الشرعي بين النظرية والتطبيق.. دراسة أصولية على ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية”.

والكتاب -” فقه التيسير في الشريعة الإسلامية ” – إلى جانب كونه إضافة علمية للمكتبة الإسلامية، فهو خلاصة دراسة بحثية متقنة ومحكمة، لا يستهدف شريحة معينة. فهو يلامس حاجة الكثير من الناس والمجتمع ويستفيد منه العالم والمفتي، والفقيه، والقاضي، والداعية، والإمام، والخطيب، والداعية، وتحتاج إليه مختلف المؤسسات والدوائر الرسمية والحكومية، وزرات الأوقاف والإرشاد، وقطاع المساجد، والمحاكم الشرعية، ودور الإفتاء، والجامعات، والمعاهد والمراكز الشرعية، وكافة دور العلم والمعرفة.