من سمات الصراع والتشابك الحضاري.. أنه يدفع الأفراد والمجتمعات إلى الاستفهام والتساؤل.. وعادة ما يكون السؤال الرئيس لذلك الاستفهام المفصلي هو: من أنا.. ومن نحن؟.. إلا أن المؤسف حقا أن تنطبق هذه السمة في مجتمعات المسلمين.. وان تصدر عن أفرادهم.. الأمر الذي يتطلب توعية شاملة لأجيال الجديدة للإجابة عن تساؤلاتها بدرجة تضمن الحفاظ على توافقها النفسي وثقتها بذاتيتها وإحساسها بالانتماء إلى الإسلام وحضارته وثقافته وقيمه السامية الفريدة.. ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم والمعرفة..

– الآخر يعترف بتميزك وحسب الشباب الناشئ أن يدرك- في هذا الإطار- أن ما يقوله أعداؤهم من قبيل: (إن المسلمين ليس لديهم في الوقت الحاضر إلا التغني بأمجاد أجدادهم..).. حسبهم أن يدركوا أن مثل هذا القول في حقيقة الأمر- اعتراف ضمني موثق بفترة (العبقرية والعطاء والإسهام الإسلامي) التي أفرزت أسماء خالدة ما زالت تذكر في قاعات الأكاديميات العالمية.. واعتراف كذلك بأن العصور الإسلامية الأولى كانت فترات زاهرة وزاهية عمرانيا وعلميا وإنسانيا أيضا.. والاعتراف سيد الأدلة والفضل ما شهدت به الأعداء.. والمنصفون منهم كثر بفضل الله..

– التاريخ خير معـلم وبالمعرفة والاطلاع على بعض الدراسات التاريخية- وما أصدق التاريخ- يمكن لناشئنا الصاعد أن يبتني جانبا مهما من ثقته بذاته الحضارية.. ويستعيد جانبا من أصالته وشخصيته.. إذ يستحيل على من لا يملك عدة تاريخية مناسبة أن يبني شخصية خاصة مستقلة ذات ملامح متميزة.. فضلا عن أن يكون مجددا أو راغبا في التجديد الاجتماعي والثقافي والإنساني العام.. وما الدين إلا رحمة للعالمين..

– لا حيرة مع المعرفة والعلم وبالمعرفة والاطلاع والتثقف.. تتناقص الأسئلة الحائرة.. وتتزايد في نفس الوقت- الرغبة في المعرفة وفي اكتشاف المزيد من الأفكار والوقائع والرموز والعلاقات.. وكلما قدمت المعرفة إجابات أكثر عن تساؤلات الناشئة والشباب.. ازداد تعلقهم بها وحبهم لها وتفاعلهم مع ما يرتشفونه منها..

–  التحديات على خط المعرفة وليس أدل على أهمية القراءة والتثقف في الحضارة الإسلامية– من أن كلمة (اقرأ ) كانت أول كلمة تنزل على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم.. وينبغي- هنا- أن نفهم الدلالة العميقة لهذا الأمر.. وذلك في صورة اكتشاف لأهمية العلم والمعرفة في وجودنا المادي والمعنوي على حد سواء.. فنحن بحاجة إلى العلم لإخضاع الطبيعة.. وللحصول على فرص عمل.. وقبل ذلك نحتاجه لفهم أنفسنا.. وفهم طبيعة علاقتنا بخالقنا سبحانه وتعالى.. إلى جانب حاجتنا لفهم العصر الذي نعيشه.. ومن ذلك بالطبع: فهم التحديات التي تواجهنا وتهدد وجودنا المادي والمعنوي المشار إليه سابقا.

– القراءة.. وسيط معرفي ولأن أذهاننا لا تدرك الأشياء على نحو مباشر.. وإنما عبر وسيط معرفي مكون من (مبادئ علمية وعقلية ومعارف وخبرات حياتية).. لذا يتحتم علينا أن نقرا.. ونتعلم.. ونجرب.. لنحسن من مستوى الوسيط المعرفي.. وبتحسنه يتحسن فهمنا للوجود.. وتتحسن بذلك نوعية الحياة.

بالمعرفة والاطلاع على بعض الدراسات التاريخية يمكن لناشئنا الصاعد أن يبني جانبا مهما من ثقته بذاته الحضارية

–  لأمر ما أراد الله أن تكون أول كلمات الوحي القرآني (اقرأ باسم ربك الذي خلق).. ولأمر ما أيضا.. أراد الله أن يكون القسم القرآني بالقلم.. وإننا نعتقد اعتقادا راسخا أن الإسلام لا وجود له إلا في جو المعرفة والعلم.. وكما أن السمك يموت إذا أخرج من الماء.. كذلك الإسلام يموت في جو الجهل والأمية والتخلف الذهني.. ولا تعرف مفاهيمه وأحكامه وحكمه التشريعية البليغة إلا في جو العلم الغزير والثقافة الرحبة..

– خطوات عملية وموضوعية وأشير هنا إلى ضرورة أن يعمق الناشئ في نفسه معاني الانتماء إلى أمة الإسلام وحضارته وفكره.. وإن كانت مسؤولية القيام بهذه المهمة هي من مهام التربية ومؤسساتها في المقام الأول.. لكن التعامل مع واقع الحال يظل دائما هو الأقرب إلى الصواب والموضوعية.. فالناشئ المسلم وقد تجاوز الرابعة عشرة.. بإمكانه أن يثقف عقله وينمي ذاته ويكمل ما قصرت فيه الجهات التربوية المعنية.. وإن كنت مستوعبا ومدركا لصعوبة ما أقوله نسبة لكثرة الجهات التي سيقوم ناشئنا بأدوارها الغائبة ولكن: إذا لم إلا الأسنة مركبا.. فما حيلة المضطر؟

– الثقافة.. مرجعية وجدار واقٍ وإلى جانب تعميق معاني الانتماء.. وتأصيل الذاتية الحضارية والثقة بالنفس- يجدر بالناشئ تعلم القيم الإسلامية والأخلاق الفاضلة.. والتمثل.

بها في سلوكه.. ومن استخدامها كمرجعية وجدار واق في عصرنا الذي طابعه: الغزو والتدجين الثقافي والفجور الغرائزي والتفسخ..

كلما قدمت المعرفة إجابات أكثر عن تساؤلات الناشئة والشباب.. ازداد تعلقهم بها وحبهم لها وتفاعلهم مع ما يرتشفونه منها..

– من (بكار) إلى أفكار تأصيل الانتماء الحضاري.. وتنمية السلوك.. ووضوح المرجعيات التي يحتاجها الذهن في نموه الثقافي.. كلها أمور في غاية الأهمية..

يقول المفكر الدكتور رشدي فكار: اعتقد أن المرجعية التي تكونت لي في طفولتي من خلال القرآن والحديث والفقه وألفية ابن مالك وغير ذلك- قد أدت دورا مهما في تكويني الذهني.. كانت نتائجه النهائية لصالحي لا لتدميري.. وفي اعتقادي أن العالِم حين يصل إلى درجة من النضج.. لا بد له أن يفعل شيئا: فإما أن يبني وإما أن يدمر.. وقد تؤول به القضية إلى أن يدمر ذاته القادرة.. وتجدني التمس عذرا للعديد من الذين تمردوا الآن في الغرب (أي أحسوا بعدم الانتماء).. فإنهم قد نشأوا في أُسر مهتزة إلى حد ما.. فلم يتكون لديهم انتماء محدد ولا مرجعية للإحالة حين وصلت أذهانهم إلى قمتها.