في كتاب فلسفة الآخرية : الآخر بين سارتر وليفيناس وبهجة الضيافة ، ضمت الدراسة 422 صفحة موزعة على ستة فصول، يعالج فصلها الاول الفلسفة الآخرية وبدايات تكاملها، ثم التحول في مفهوم الزمن من (كم الحركة عند أرسطو ) إلى الوعي (عند سارتر)، ويوضح مفهوم الآخر من خلال ثنائية الفيلسوف ليفيناس النظر والسمع ، الأولى لرؤية الذات كشرط لحضور الآخر، والثانية لاستقبال الآخر.

وفي تحديد مدارس دراسة الآخر يتناول :

1- تحديد الذات في سياق معين (أدب، سياسة، جغرافيا..الخ) .

2- الهوية (الدراسات الاجتماعية) .

3- صناعة الآخر ومدرسة التحليل النفسي (العالم المتخيل، ومنظور المرآة عند “لاكان”-وتعرف الطفل على أمه وسلوكيات الآخرين نحوه)

4- المدرسة الفلسفية من خلال البعد الأنطولوجي والبعد الأخلاقي مميزا في دراسة الآخر الفرق بين التعريف والتعرف (من خلال مثال الضيف)، ليصل الى التمييز بين الفلسفة النسبوية (عدم وجود أحكام موضوعية) وبين فلسفة الآخرية (الكشف عن الأخلاق لا تأسيسها) مع توضيح أن أساس الاخلاق عند سارتر هو الحرية ويجسدها في عبارته الشهيرة” أن الآخرين هم الجحيم” بينما عند ليفيناس هو المسئولية وشعاره (العناية بالآخر).

في الفصل الثاني حول الفينومينولوجيا يقارن الجذور الفلسفية المشتركة عند سارتر وليفيناس بعد أن يعرف الفينومينولوجيا وتطورها مستندا إلى (Cerbone) في مثاله التطبيقي عن العلاقة بين الكتاب (نقل فكرة للقارئ) والقارئ (الاهتمام بالآخر).

ويناقش آراء هوسرل (اتصال الوعي بخارجه من خلال بعدين: الطبيعي-العلاقة العملية مع الاشياء- والفلسفي-إمكانية المعرفة الموضوعية-، أما منهج هوسرل فيعرضه من جانبين: الرد الفينومينولوجي (وصف الاشياء كما هي) والرد الماهوي (بنية الوعي وعلاقته بالقصدية الموجِهة للآخر).

في الفصل الثالث يتناول أولوية الصراع مع الآخر عند سارتر الذي يتساءل هل الوجود- مقابل العدم- وموجوداته كظواهر هما نفس الشيء، ثم ما شرط جعل المعرفة ممكنة؟ وهنا يميز بين وعيين- التفكري وما قبله-التأكيد على انفصال الوعي عن موضوعه مما يجعل الكينونة غير مغايرة للآخر، وعليه فالعدم وجود مفارق للوعي لا مُنشئا.

ويتناول العلاقة بين الحرية والقلق من خلال خداع النفس ، أما الوعي – الاتصال بأشياء في الخارج- عنده فينطوي على نزوع للاتحاد مع الآخر، فإذا التقى وعيان في مكان واحد يُطِلُ الصراع على ترتيب العالم.

وينتقل بعد الاشارة لمفهوم الزمن ودور الآخر في صناعته الى الفكرة المركزية لسارتر وهي دخول الآخر للذات (ويوضحها بفكرة الخجل عند اكتشافك متلصصا على آخر)، وهنا تبرز مواجهتك لذاتك من خلال الآخر.

بعد ذلك يعرض الكاتب موقف سارتر من موضوع الجسد، فيراه عبر كينونات ثلاث: الماضي من خلال تحقق الوعي في علاقته مع العالم الخارجي، ثم الموضعة من خلال المشابهة مع الآخر ثم محاولة هروبنا من التغير الجوهري في وعينا، وعليه يكون الجسد مرجعية الوعي ونقطة تحققه.

ثم يناقش مفاهيم ذات صلة بموضوع الآخر: اللامبالاة ( إلغاء نظرة الآخر)، الرغبة (تحويل الذات الى موضوع بالانغماس في الجسد) ،الكره (النفي لوجود الآخر لا لصفاته) والسادية (فشل الذات في حفظ ذاتيتها اثناء الرغبة)، ثم ينتقل سارتر لنقد فرويد وفكرة اللاوعي، ثم الفرق بين ما يسميه روح الجدية (الماهية سابقة على الوجود) وروح الحرية (الوجود سابق على الماهية) مما يجعلها معيارا للحكم على الأخلاق.

وينتقل في الفصل الرابع إلى ليفيناس الذي تقوم رؤيته على التعامل مع الآخر أخلاقيا لا انطولوجيا، والاقرار بانفصال بين الذات والآخر دون الغاء الاتصال (مثل اللغة بين المتحاورين)، ويعرض لدراسات ليفيناس ليربطه مع ديكارت في الشمولية واللامتناهي ومع هايدجر في الميتافيزيقيا والآخرية من خلال الحرية والأخلاق (تحدان من حرية الذات لصالح حرية الآخر) ثم الأخلاق (علو الآخر على الذات) والسياسة (تكافؤ الذات والآخر).

أما الفصل الخامس فيقارن بين الفيلسوفين من خلال: مفاهيم ما قبل الآخر (الطفل والأم)، لقاء الآخر (الذات من منظور الآخر عند سارتر، ووجود الآخر لأجل الآخر عند ليفيناس)، الحرية (عند سارتر يوقظنا الآخر من وهم الحرية الكاملة للوعي، وعند ليفيناس فالآخر يكشف للذات أن حريتها السابقة لا أساس لها.

الفصل الأخير مقارنة لتفاصيل السلوك الفعلي خلال الضيافة (استقبال الآخر دون شروط او منفعة) عند الفيلسوفين، فيراها سارتر من منظور أولوية الصراع، ويراها ليفيناس تناقضا بين العلاقة الأخلاقية مع الآخر وبين الاستمتاع بالعالم ، ويقف كاتبنا قرب الثاني.

مناقشتي للكتاب

تمثل هذه الدراسة جسرا بين الفلسفة والتربية و علم النفس، فمن ناحية تعرض الدراسة لفيلسوفين هما سارتر وليفيناس من جوانب معرفية ومنهجية مع تركيز على موضوع محدد هو موقفهما من الآخر والعلاقة معه، ومن ناحية أخرى ينقل الباحث مفهوما تربويا وهو مفهوم ” الضيافة” بمعناها المباشر، مع توظيف المفهوم لتقديم نظرة نقدية لفلسفة كل من سارتر وليفيناس بخصوص العلاقة مع الآخر الذي هو في الجانب المقابل للذات. وتتم المناقشة في الكتاب ضمن سياق المدرسة الفينومينولوجية مع محاورة ومقارنة مساهمات فلاسفة آخرين ممن لهم تصورات في جانب من جوانب الموضوع (كانت، هايدجر، هيجل، هوسرل،ماركس،دريدا، فوكو،..الخ).

ومع أن الكاتب أوفى الموضوع حقه في مقارناته وتحليله لمفهوم الآخر، إلا أن الملابسات السياسية بشكل خاص لم تنل اهتمام الباحث إلا بسطور قليلة لا تتجاوز فقرة واحدة ومن خلال عرض لفكرة ليفيناس عن أن الفلسفة الغربية حجبت الآخر بسبب انشغالها بالانطولوجيا واعتبار الأخلاق تاليا لذلك (صفحة 35) والإشارة لمشروع كانت عن السلام العالمي وحق مقاومة الاستعمار( نموذج الضيافة صفحة 416) ، ومع أن الظلال السياسية للمفهوم طغت على مناقشات الموضوع في مرحلة لاحقة لكتابات سارتر (توفي قبل 42 سنة) ولكنها كانت في صلب فلسفة ليفيناس ( مات قبل 27 سنة)، ويكفي النظر في الفصل 28 من كتاب : Mountz, Alison (et.al) (2009). “The Other”. Key Concepts in Political Geography (وهو ليس بين مراجع هذه الدراسة) للتثبت من ذلك، فالبعد السياسي في مفهوم الآخر عند ليفيناس تحديدا غاب من دراسة الدكتور المطيري رغم إنه خصص لهذا المفكر اكثر من 135 صفحة ، ولدي قائمة بالمراجع من دراسات ليفيناس للبعد السياسي في مفهوم الآخر وكلها غائبة تماما –ودون مبرر-عن دراسة الدكتور المطيري، وأعتقد أن حضورها كان سيثري هذه الدراسة المهمة.

أرى أن الباحث كان دقيقا في الجوانب التي تناولها (رغم الاغفال الذي أشرت له)، لكن الطابع المدرسي طغى على الفصول الثالث والرابع والخامس، بينما كانت مقاربته لمفهوم الضيافة في الفصل الاخير من الدراسة (حوالي 50 صفحة) مقاربة شارحة بشكل تطبيقي لمضامين الفصول المدرسية المشار لها.

وفي تقديري أن الكتاب – فلسفة الآخرية – يأتي في زمن عربي مضطرب جدا سواء في العلاقة مع الذات أو في العلاقة مع الآخر، وأرى أن الكتاب أقرب لظاهرة البرق في ليل دامس، يضيء ولكن كلمح البصر، فمضمونه المعرفي- رغم أنه متداول في الأدبيات الغربية كثيرا وبعض الأدبيات العربية – يفوق كثيرا مضمونه الوظيفي، فتحسب له الأولى لكني لا أجد ما يسوغ له حساب الثانية، فنحن بحاجة ماسة لتوظيف مفهوم الآخر لتطويق اتساع دائرة الهويات الفرعية والعنف الديني والمذهبي ، وهناك دراسات تطبيقية ومتكئة على مضمون فلسفة ليفيناس للأخر تعالج الموضوع تحديدا من زاويته العربية ، انظر مثلا:

Reinke de Buitrago, Sybille Self-Other constructions, difference and threat: U. S. and Arab “ Othering ” of Iran. In Regional insecurity after the Arab Uprisings,. Palgrave Macmillan-. NewYork: 2015.pp.85-106 .

خلاصة الرأي عندي ، أن الدراسة في أغلبها هي أقرب للشرح على المتون، ولا أجدها تضيف جديدا ، مع الاقرار بقدرة الكاتب على نقل أفكار فلاسفته التي أوردها بشكل دقيق للغاية، وتمكن من تقريب جانبها النظري للقارئ غير المتخصص من خلال فصل الضيافة- التطبيقي – الذي اختتم به دراسته، وعليه فإني اقترح على الباحث أن يجعل الفصل الاخير هو الفصل الاول مع تحديد علاقة كل بعد من ابعاد الضيافة بالفصل الذي يتناول ذلك البعد، فتصبح الدراسة أكثر وضوحا بخاصة لغير المتخصص غير المعتاد على التجريد الفلسفي الوعر.

تتابعت هذه الدراسة في فصولها على النحو التالي: عرض أفكار فيلسوفين (سارتر وليفيناس) حول موضوع ألآخرية، ثم مقارنة بينهما في هذا الموضوع، وأخيرا تقديم نموذجا سلوكيا (هو الضيافة) ومقاربته استنادا لرؤية كل من الفيلسوفين لينتهي الكاتب إلى جعل المسافة بينه وبين ليفيناس أقرب من مسافته عن سارتر. ولكن ما هي أهداف الدراسة التي بين أيدينا؟ لننظر فيما ورد في الدراسة بخصوص أهدافها:

  1. إنجاز مهمتين اساسيتين : الأولى التقديم لفلسفة الآخرية (فقرة 1 صفحة 127) .
  2. التعرف بشكل سريع ومختصر على المنهج الفينومينولوجي (الفقرة 2 صفحة 128)
  3. الكشف عن وجود الآخر باعتباره ذاتا حرة وليس باعتباره موضوعا للذات (الفقرة 2 صفحة 169)
  4. بحث العلاقة من خلال الحوار بين الذات والآخر مع نموذجين أساسين في الطرح الفلسفي المعاصر. (السطور الستة الأخيرة صفحة 328 ابتداء من عبارة ” الدافع الاساسي خلف هذه الدراسة…الخ”.

وأعتقد أن الباحث أنجز بقدر معقول أهدافه المسطرة أعلاه، لكنه كان أحيانا قليلة يتناول موضوعات أقل ارتباطا بموضوعه، وهو ما يقر به (أول الفقرة الثانية صفحة 216) ، وكما أشرت سابقا فإن نموذج الضيافة الذي عرضه لتوضيح موضوعه امبريقيا كان مساعدا في جلاء فكرته من خلال التركيز على مجموعة من المؤشرات وربطها بالمنظور الفلسفي عند سارتر وليفيناس بشكل رئيسي: (الفصل الأخير- صفحات متفرقة) .

أ- الأبعد عن الذات هو أولى بالضيافة (درجات الآخر)

ب- الحديث أثناء الضيافة هو غالبا” خطاب الضيف “(أي الآخر)

ج- تحقيق الذات بالاستجابة للضيف ( الآخر).

د- التمييز بين الموقف الأخلاقي والواجب الأخلاقي في التعامل مع الضيف (الآخر) فالأول سابق للحساب العقلي ويعبر عن انفتاح على الآخر ويؤسس لوجوده انطلاقا من المسئولية، أما الثاني فيقوم على الحساب العقلاني المستند للحرية (وهو رأي إيمانويل كانت)

هـ- المخاطرة في الضيافة مبررة لتوفير عالم بديل يحتوي الآخر.

لكني أتساءل: كما طبق الباحث نموذج الضيافة بتفاصيله ليرجح موقف ليفيناس على سارتر، فماذا لو طبق نموذج ” الطلاق” على موقف سارتر؟، أظن أنه سيجد ما يستوجب إعادة النظر في “بعض ” اصطفافه الى جانب ليفيناس، بخاصة أن الباحث وظف الكثير من السلوكيات الواقعية لتوضيح المفاهيم مثل: لاعب كرة القدم، عد السجائر، المقامر، الكاتب الذي يتهرب من النقد ، النادل ، التلصص من ثقب الباب، الفرق بين المرض والألم، القارئ والكتاب، المقهى وصديق سارتر.