أعمال القلوب شأنها في الدين عظيم ، اهتم بها العلماء ، فصنفوا فيها المؤلفات ، وابتدؤوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها ، فإن أعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية .

والنجاة مدارها على أعمال القلوب ، بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لابد أن تأتي إذا صحّت أعمال القلوب ، فلا يمكن أن تصح أعمال القلوب ولا يكون هناك أعمال الجوارح ! فإذا صحت أعمال القلوب جاءت أعمال الجوارح صحيحة تبعا لذلك .

والإخلاص هو أول أعمال القلوب وأهمها وأعلاها وأساسها ، وهو حقيقة الدين ، ومفتاح دعوة المرسلين عليهم السلام { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (البينة:5). أي : ما أمر سائر الأنبياء في سائر الشرائع إلا بالإخلاص لله عزوجل ، في كل العبادات الظاهرة والباطنة ، كما قال سبحانه { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل:36) .
وقال { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (الأنبياء :25) ، وقال سبحانه { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر:3). فالإخلاص هو الدين الذي ارتضاه الله لنفسه ، وارتضاه لصفوة خلقه ، وأمرهم به ، لأنه متضمن لكمال التأله له والعبودية ، وهو الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها ، بعكس الشرك المفسد للقلوب والأرواح ، والدنيا والآخرة ، لذلك أمر الله تعالى بالتوحيد والإخلاص لما فيه من النفع والنجاة للعباد فالإخلاص هو لب العبادة وروحها.

قال ابن حزم: النية سر العبودية ، وهي من الأعمال بمنزلة الروح من الجسد ، ومحال أن يكون في العبودية عمل لا روح فيه، فهو جسد خراب.

والإخلاص هو أساس قبول الأعمال وردها ، فهو الذي يقود إلى الفوز أو الخسران ، وهو الطريق إلى الجنة أو إلى النار، والإخلال به يؤدي إلى النار وتحقيقه يؤدي إلى الجنة.

معنى الإخلاص

ما معنى الإخلاص ؟

أما معنى الإخلاص لغة: فخلص خلوصاً وخلاصاً ، أي : صفى وزال عنه شوبه ، وخلص الشيء صار خالصاً ، والشيء الخالص هو الصافي الذي ليس فيه شائبة مادية أو معنوية. وخلصت إلى الشيء ، وصلت إليه ، وخلاص السمن ما خلص منه. فكلمة الإخلاص تدل على الصفاء والنقاء ، والتنزه من الأخلاط والأوشاب.

أما شرعا : فأخلص الدين لله ، أي : قصد وجهه سبحانه وترك الرياء. وقال الفيروز أبادي : أخلص لله : ترك الرياء.
وقال ابن القيم رحمه الله : هو إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة ، أن تقصده وحده لا شريك له.
فكلمة الإخلاص كلمة التوحيد ، لا إله إلا الله ، والمخلصون هم الموحدون والمختارون ، وتنوعت عبارات السلف فيه ، فقيل :
– أن يكون العمل لله تعالى ، لا نصيب لغير الله فيه
– نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.
-إفراد الحق سبحانه بالقصد في الطاعة .
-تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
-تصفية العمل من كل شائبة.
-أن لا تطلب على عملك شاهداً إلا الله .
– استواء الظاهر والباطن .
فالمخلص هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الناس ، من أجل صلاح قلبه مع الله عز وجل ، ولا يحب أن يطلع الناس على عمله ، إلا ما كان من العبادات جماعة أو أراد منه اقتداء الناس به .


1- الأمر به من ربنا سبحانه : قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (البينة:5) .
أي : ما أمر سائر الأنبياء في سائر الشرائع إلا بالإخلاص لله عز وجل ، في كل العبادات الظاهرة والباطنة ، كما قال سبحانه { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } (النحل : 36 )، وقال تعالى: { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } (الأنبياء :25)، وقال سبحانه { أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (الزمر:3).
فالإخلاص هو الدين الذي ارتضاه الله لنفسه ، وارتضاه لصفوة خلقه ، وأمرهم به ، لأنه متضمن لكمال التأله له والعبودية ، وهو الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها ، بعكس الشرك المفسد للقلوب والأرواح ، والدنيا والآخرة ، لذلك أمر الله تعالى بالتوحيد والإخلاص لما فيه من النفع والنجاة للعباد.

وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم آمرا له أن يقول ويبين للخلق جميعا : { قل الله أعبد مخلصاً له ديني} (الزمر :14 ).
وقال أيضا { قل إن صلاتي وتسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}. (الأنعام :162) إنما خص هاتين العبادتين بالإخلاص ، لشرفهما وفضلهما ، ومحبة الله لهما ، وسائر العبادات تبع لهما ، { لله رب العالمين} أي : الجميع لله سبحانه ، لا شريك له في العبادة . {وبذلك أمرت } أي : أمرا لازما حتما ، لا بد من امتثاله.


2- توقف قبول الأعمال عليه : قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك:2)
قال الفضيل بن عياض :(أحسن عملاً ) أي أخلصه وأصوبه. قيل له : ما أخلصه وأصوبه؟
قال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإن لم يكن خالصاً وكان صواباً لم يقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون موافقاً للسنة ، ثم قرأ : { فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} (الكهف:110) .

3- كونه أفضل الأعمال والخصال ، قال تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) (النساء:125).
يعني : من أحسن من هذا الذي أخلص القصد والعمل لله ، والإحسان فيه : متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم وسنته .
والذين يريدون وجه الله ويعملوا على السنة ، فليبشروا بالجزاء الحسن .


4- أمر تعالى بملازمة أهله : وقال { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} (الكهف:28).
ففيها الأمر بصحبة الأخيار ، من المؤمنين المخلصين الصادقين الأبرار ، ومجاهدة النفس على ذلك وحبسها ، وإن كانوا فقراء ، فإن في صحبتهم من الفوائد الدينية والدنيوية مالا يحصى .


5- مافيه من الثواب العظيم :وقال (فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّه وأولئك هم المفلحون ِ) (الروم:38) . يعني : من أعطى النفقات الواجبة والمستحبة من الهدايا والعطايا ، للقريب والفقير ، مبتغيا الأجر من الله سبحانه ، فله الخير الغزير ، والثواب الكثير .فنبه على الإخلاص في النفقات .


ومثلها قوله تعالى {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} (الليل) أي: الذي ينفق ماله ابتغاء تزكية نفسه ، وتطهيرها من أدناس البخل المذموم ، وأقذار الذنوب والمعاصي ، قاصدا وجه الله ، لا يجزي أحدا بنعمة له عليه ، إنما عمله خالص لله ، فسوف يرضى ، أي : يرضيه الله بأنواع الكرامات والمثوبات .

وقد قال أكثر المفسرين : إنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وغيره تبع له . وذكر الله تعالى عن أهل الجنة في الدنيا أنهم كانوا يطعمون المساكين لوجه الله ، لا يريدون جزاءا عاجلا ولا ثناء من الناس أو مدحا ، قال تعالى : {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} (الإنسان :9) .

وقال { لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (النساء:114) .

أي : من يقصد وجه الله سبحانه بهذه الأعمال الصالحة ، في كل وقت وحين ، حصل له الأجر العظيم ، والثواب الجزيل .
وهي تنبيه ليتعود المسلم الإخلاص والنية الحسنة ، في سائر الأعمال والقربات .

وأما أهل النقيض من ذلك : وهم أهل الرياء والسمعة ، فإن الله ذمهم وبيّن عاقبتهم في مواضع من كتابه الكريم :


1- فقال تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} (هود:16) . يعني : من كان كل إرادته ومقصوده الحياة الدنيا وزينتها ، ولم يجعل للدار الآخرة شيئا من إرادته وهمه ، كأنه خلق للدنيا ! وهذا من شقائه وجهله ، ولذا فإن الله تعالى يعطيهم ما قسم لهم من الدنيا ، وهو منتهى نعيمهم ، وليس لهم في الآخرة من نصيب ، بل لهم النار وبئس المصير.

2- وقال سبحانه { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً } (الإسراء : 18) . يعني : من كان سعيه للدنيا الفانية وحدها كما سبق ، فإن الله يعجل له من حطامها ما يشاء ، ثم يصير إلى النار في الآخرة ، يصلاها مذموما مدحورا ، عياذا بالله من ذلك .


3- ومثلها كذلك قوله {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} (الشورى:20) .


4- وقال {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (لأنفال:47) .


أي هذا مقصد الكفار والمشركين في خروجهم من ديارهم ، وهو الأشر والبطر والخيلاء في الأرض ، وقد هددهم على هذا بقوله ( والله بما يعملون محيط ) ، فيجب عليكم أيها المؤمنون ألا تكونوا مثلهم ، بل ليكن خروجكم وجهادكم من أجل الله ، وفي سبيله ، ولإعلاء كلمته في الأرض ، ودعوة الخلق للحق الموصل إلى جنات النعيم .


5- وفي غزوة أحد ، أراد الله أن ينقي المسلمين بالابتلاء والتمحيص ، والتخليص من شوائب الدنيا ، فدفعوا ثمنها دم قتل وجراحات بسبب مخالفتهم أمر رسولهم صلى الله عليه وسلم ، وتركهم لمكانهم رغبة في الغنيمة ، فقال الله تعالى {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} (آل عمران:152) يعني :هو الذي أوجب لكم ما أوجب (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) وهم الذين لزموا ما أمر رسول الله وثبتوا حيث أمروا .


6- وقال سبحانه { وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا } (الفرقان : 23 ). أي : باطلا مضمحلا ، قد خسروه وحرموا أجره ، بسبب ريائهم وعدم إخلاصهم.

أما الأحاديث فهي كثيرة منها :
1-عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :قال صلى الله عليه وسلم : ((إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه)) رواه البخاري .وهو من أهم الأحاديث وأعظمها في الباب ، وتواتر النقل عن العلماء في تعظيم قدره ، فالإمام البخاري صدر به كتابه الصحيح ، فجعله أول حديث فيه ، وقال فيما نقل عنه : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث .

واتفق الأئمة عبدالرحمن بن مهدي والشافعي وأحمد وابن المديني وأبوداود والترمذي والدارقطني وغيرهم : أن هذا الحديث ثلث الإسلام .ومنهم من قال : ربعه .أي أحد القواعد الثلاث أو الأربع التي يقوم عليها دين الإسلام . وقال الشافعي : إنه يدخل في سبعين بابا من أبواب العلم .

2-وقال صلى الله عليه وسلم : (( من غزا في سبيل الله ولم ينوي إلا عقالاً ، فله ما نوى)).رواه النسائي وحسنه الألباني .


3- وعن أبي أمامة قال :جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ، ماله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لا شيء له ” فأعادها ثلاث مرار ، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :لاشيء له ” ثم قال :” إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا له ، وابتغي به وجهه ” رواه أبوداود والنسائي – صحيح الترغيب (8).

4- كذلك فإن بعث الناس يوم القيامة يكون على حسب نياتهم : فعن أبي هريرة رضي الله غنه : قال صلى الله عليه وسلم :((إنما يبعث – وفي رواية : يحشر- الناس على نياتهم)). رواه ابن ماجة وصححه الألباني – الترغيب 13-14