لو كنت مديراً لإدارة ما أو مصلحة معينة أو لجنة متخصصة، فإن هدفك الأول أن تقوم على رعاية وخدمة الجهة التي أنت تديرها، لتحقيق الهدف الرئيس من إنشاء اللجنة أو الإدارة أو الجهة التي أنت على قمة هرم الإدارة فيها. هذا أمر منطقي لا يختلف عليه أحد، لأنه لا يوجد من يرأس إدارة ما ليعمل ضدها أو لا يسعى لتحقيق ما هو مطلوب منه، هذا هو الأصل أو هكذا يجب أن يكون عليه أي مدير، ما يهمنا اليوم ليس ما تقوم به في إدارتك إن كنت مديراً لإدارة، أو قسمك إن كنت رئيساً لقسم، أو حتى أكبر من ذلك من وظائف ومسؤوليات، لأن المهم ها هنا أو ما أجده أهم من كل ذلك هو كيف تدير حياتك؟ ، هذه الحياة التي إن صلحت، كان ما بعدها صالحاً وبحسب المنطق، والعكس صحيح أيضاً لا غبار عليه، وقبل أن نتعمق أكثر في الموضوع، دعني أطرح هذه التساؤلات:

هل تدير حياتك بشكل صحيح؟

هل تشعر أن ما تقوم به تجاه نفسك يوازي ما تقوم به لغيرك؟

هل توقفت يوماً لتسأل نفسك عن نفسك؟

هل تعطي نفسك حقها كما يجب، أم إنك ما زلت في الظلم سائرا ومستمرا بحقها؟

هل توقفت لحظة في يوم من الأيام لتطرح كل تلك الأسئلة سواء على نفسك أو على أقرب المقربين إليك: زوجتك، زوجك، صديقك أو غيرهم؟

لنتابع السطور التالية ونعود مرة أخرى لنتفاكر حول ما بدأنا به موضوع اليوم ونقول افتراضاً: إذا تمت ترقيتك لتولي منصب مدير إدارة في عملك، فما هو أول ما تفكر به؟ بالطبع ستفكر في إثبات أنك جدير بالمهمة، وأنك ستقوم بإصلاح الكثير والكثير، وستعمل على تجويد العمل بالإدارة لتكون الإدارة المميزة. أليست تلك الأهداف هي بعض ما ستفكر بالعمل على تحقيقها؟ بالطبع ستقول نعم.

لنكمل إذن الحديث

اعتبر نفسك وقد تم تعيينك مديراً لأهم إدارة في حياتك ولنطلق عليها اسم إدارة نفسك أو إدارة حياتك، وهل هناك ما هو أهم من حياتك؟ قد تقول لي نعم، هناك حياة أبنائي وربما تقول أمي وأبي إن كانا على قيد الحياة. وهاهنا لا أختلف معك على أهمية حياة كل أولئك الذين ذكرتهم، فهم من أغلى ما يملكه أي أحد منا في هذه الحياة الدنيا، لسبب فطري موجود مع الإنسان منذ أن خلقه الخالق عز وجل، ولسبب ديني واضح قد يغيب عن الكثيرين منا، ولكن مع ذلك سأكرر السؤال لتتفكر بعمق أكثر. هل هناك حياة أغلى من حياتك؟ في الحقيقة والواقع لا، ليس هناك أغلى من حياتك، حتى حياة أبنائك ووالديك ومن تعزهم، لسبب فطري لا تتحكم به، ذلك أن الإنسان ظهر على هذه الأرض، وهو يحب نفسه ويدافع عنها ويعتز بها، ولا يمكن أن يعيش الإنسان لأجل غيره، بل هو أولا ثم غيره. نعم، قد تقل درجة الاهتمام بالنفس من بعد أن يظهر آخرون في حياة أي منا، مثل زوجة وأبناء، أو وصول الوالدين إلى مراحل العجز والحاجة إلى الأبناء.

لكن لا يعني ذلك أن ينسى الإنسان نفسه، هو قد يصل إلى درجة من الإيثار أن يضع أولئك جميعاً كأولوية في حياته، ولو على نفسه، مرة وأخرى وثالثة، لكن لاحظ أن الإنسان رغم ذلك وفي لحظات معينة، لن ينسى نفسه، الأمر فلسفي متشعب طويل، لا يمكن الحديث عنه في مساحة محدودة كهذه، لكن يمكن لأي منكم التفكر في الأمر بينه وبين نفسه في ساعة خلوة وصفاء. ولعل ظروف الحجر المنزلي الحالية، هي من الأوقات الثمينة التي يمكن تخصيص بعضها لمثل هذه التساؤلات والتأملات.

لا بد أنك في ساعة التفكر تلك – لو افترضنا أنك من الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة – تصل إلى حقيقة مهمة مفادها أنك ظالم لنفسك بعدم الاهتمام بنفسك ولا حياتك التي بين جنبيك، نعم إن لوالديك عليك حقاً، وكذلك لزوجك وأبنائك، ولكن أين نفسك؟.

أتدري لماذا حياتك مهمة وتستحق كل اهتمام ورعاية، حتى لو كنت من النوع المضحي الذي يرى أن حياته مُسخّرة لخدمة أبنائه ووالديه؟ إن حياتك أهم، لأن رعايتك لنفسك وإدارة حياتك بشكل صحيح منظم وبأداء متقن وعمل ذي جودة عالية، من شأن كل ذلك أن تكون نتائجه إيجابية على كل الذين تفكر فيهم وتضحي بوقتك بل وحياتك من أجلهم.

لنأخذ مثالاً واحداً فقط لتوضيح ما أرمي الوصول إليه، لنفترض عدم اهتمامك بصحتك وعدم إيلائها الأهمية والرعاية المطلوبتين حتى تقع فريسة لمرض ما، فأي الحالتين أفضل وأنفع لأبنائك ووالديك ومن تضحي وتعمل لأجلهم: أن تكون صحيحاً معافى في بدنك أم طريح الفراش، تستجدي رعاية من هذا أو خدمة من ذاك؟.

كيف أدير حياتي؟

السؤال المهم في هذا الموضوع هو كيف أدير حياتي بشكل صحيح، حتى أحصد نتائج تلك الإدارة في النهاية؟ والإجابة باختصار هي أن أول ما يجب القيام به في هذا السياق وأنت تدير حياتك، ألا تركن مشكلاتك على الرف، وتسوّف علاجها وإيجاد الحلول لها، لأعذار وحجج تكون جلها غير مقبول.

أحدنا قد يقرر مثلاً أن يحل مشكلات غيره والآخرين حوله ولكن على حساب مشكلاته الشخصية، وتراه يضحي بالوقت والصحة لأجل ذلك. فهل يمكن قبول ذاك الفعل؟ نعم، ولكن هي قد تبدو للوهلة الأولى بادرة كريمة راقية منك، لكن أين التوازن؟ أعتقد أن التوازن هاهنا مطلوب، أنت إن أهملت مشكلاتك بحجة التفرغ لمشكلات الآخرين، فقد تستطيع الإبداع في ذلك ولكن ليس دائماً، أتدري لماذا؟ لأن مشكلاتك هي أشبه ببراكين تبدو خاملة ظاهرياً، لكنها فعلياً تغلي وتتراكم من الداخل لتنفجر بشكل فجائي في وقت ما لا تتوقعه، بل لم تحسب حسابه، فتكون النتيجة سلبية غير محبذة لك، فتتوقف مجبراً عن مساعدة الآخرين لتنظر ما حل بك، فإذا أنت بحالة يرثى لها، وسيكون الأمر مؤلماً أن تبحث عن كل أولئك الذين أجهدت نفسك في سبيل إيجاد حلول مناسبة لمشكلاتهم، فلا تجدهم! بل ربما قد يصل ببعضهم أن يلقي عليك باللائمة، لماذا؟ الجواب عندهم حينها: لأنك أهملت نفسك ومشكلاتك! فما تفعل ساعتئذ وأنت تسمع ذلك؟

نفسي نفسي

نفسك نفسك، حقيقة حياتية أو مفهوم حياتي مهم يجب أن يظل حاضراً في كل الأوقات وأنت تدير حياتك. اهتم بنفسك وعالج مشكلاتك وقدّر ذاتك وأرح نفسك وخطط لها، تكن أسعد الناس، بل وسيسعد كل من حولك في كل الأزمنة والأمكنة والمواقف المتنوعة في هذه الحياة، هذه حقيقة أولى مهمة في إدارتك لحياتك.

الحقيقة الثانية هي أن الاهتمام بالنفس أولاً وقبل الغير مفهوم ديني، بمعنى أنك ستأتي يوم القيامة، يوم الحساب والكتاب، وأنت بمفردك لا أحد معك أو ينفعك في ذاك اليوم، الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، هذا دليل واضح أنه لا أحد سينفعك إن كنت مقصراً في دنياك. وربما يومها تتوسل إلى ابنك أو زوجتك أو حتى أمك أن يمنحوك بعض ما لديهم من حسنات أو تطلب منهم أن يسمعوك أو يقفوا معك لحظات تشرح لهم وضعك، فلا تجد آذاناً صاغية، وستراهم يهربون منك، وأنت الذي بذلت الغالي والنفيس في الدنيا من أجلهم.

لا أعني بالحديث السابق أن نتجاهل الأرحام والأهل والأصدقاء أو تنقطع صلات الرحمة وعلاقات الود والمحبة والتعاون بين الناس. لا، ليس أعني هذا أبداً، لكن بالقدر الذي نقوم في الدنيا بتعزيز علاقاتنا مع الغير ونسير في حاجاتهم، فإنه بالقدر نفسه مطلوب أن يهتم أحدنا بنفسه وحياته، لأنه لن ينفعنا أحد في غدنا سوى أنفسنا (وإن لبدنك عليك حقاً).

تلكم حقيقة مهمة لابد أن نعيها ونحن نتفكر في مسألة إدارة حياتنا ونتأملها، تلك الحياة التي صار كثيرون منا لا يعطيها إلا أقل القليل، في الوقت التي تستحق منا الكثير والكثير، حفظنا الله وإياكم من كل سوء، إنه سميع عليم مجيب الدعوات.