كما هو معلوم أنَّ القرآن العظيم لا تنقضي عجائبُه، ولا تُحصَى معانِيهِ وفوائدُه، ولهذا حثنا اللهُ سبحانَهُ تعالى على قراءته وتدبره، ففي تدبُّرِه والعملِ بِهِ شفاءٌ للفردِ وللمجتمع من أمراضه الحسية والمعنوية، وتلبيةٌ لحاجاتِهِ الدنيوية والأخروية، وكلما ازداد العبد تأملاً فيه ازداد علماً وعملاً وبصيرة. قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين)، وقال أيضا: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)، وقال سبحانه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)..إلخ .

فما هي الخُطُواتٌ العمليةٌ التي تساعدنا على تدبر القرآن الكريم؟

النموذج التطبيقي

  قوله تعالى في سورة إبراهيم /34: ﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ، وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾

بعض الخطوات العملية للتدبر:

نأخذ المصحف الشريف

نقرأ الآية بتأنٍ وهدوء، ونتفاعلُ معها بحضور القلب،  وإمعان النظر، وإعمال العقل.  فلا يجب أن يكون هَمُّهنا الإكثارَ من القراءة بدون تأمُّلٍ وفَهْمٍ لما نقرأ.

نكْرر الآية ونرددُها، فقد ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَامَ بِآيَةٍ يُرَدِّدُهَا حَتَّى أَصْبَحَ، وهي قوله تعالى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، وعن الحسن البصري أنه ردَّدَ في ليلة حتى أصبحَ قول اللهِ تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، فقيل له في ذلك؟ فقال: إن فيها مُعْتَبَراً، ما نرفع طَرْفاً ولا نَرُدُّهُ إلا وَقَعَ على نِعمَةٍ، وما لا نعلمه من نِعَمِ اللهِ أكثر.

 نستشعر أننا نحن المخاطبون بهذه الآية.

 نستشعر بأن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وأن هذه الآية رسالة من الرسائلُ التي أرسَلَها الله إلينا لهدايتنا للطريق المستقيم التي فيها نفعنا في الدنيا والآخرة.

نتساءل، وذلك بأنْ يسألَ القارئُ نفسَهُ، لماذا ختمت الآية بقوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ؟ لماذا كتبت لفظة “نعمت” بالتاء المبسوطة وليس بالتاء المربوطة كما هي عادة الاسم دائما؟ لماذا جاءت مفردة ولم تأت جمع؟ لماذا حرف “إن” وليس كان ؟ …وهكذا

نتأمُّلُ في سِياقِ الآيةِ، والسياقُ يتكون من السابق واللاحق، فالسِّابقُ هو ما قبل الآية، واللاحق هو ما بعد الآية.

الاطلاع على كتب التفسير لمعرفة ما ورد في تفسير هذه الآية وتدبرها، دون أن نغفل فهمُ اللغةِ العربيةِ التي نزل بها القرآن ومعرفة معاني الكلمات ودَلالاتها، وما توحي إليه من اللطائف.