السفاهة كما عند اللغويين، هي الخفة أو الطيش والتسرع في القول والفعل، إضافة إلى الجهالة، فإن جاهل الحق أو من يتعمد الابتعاد عنه، وفق هذا التعريف، سفيه من السفهاء، وقد ذكر الجاحظ في كتابه تهذيب الأخلاق، بعض علامات السفاهة، كسرعة الغضب، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسّرف في العقوبة، وإظهار الجزع من أدنى ضرر، والسب الفاحش.

حين وصف الله عز وجل الشخص الذي يعرض أو يرغب عن ملة النبي الكريم إبراهيم – عليه السلام – بالسفاهة، فلأن هذا المُعرض أو المائل عن الحق، حمل أغلب معاني السفاهة في عمله، فإن الذي يرى الحق ثم يعرض عنه، لا شك أنه جاهل متسرع في حكمه وقراراته، بل رديء الفهم، خفيف العقل، ضعيف الرأي.

{ أنؤمن كما آمن السفهاء } ؟ هكذا قال الأولون، عبارة رددها كثيرون منهم لأنبيائهم، ثم تكرر الأمر مع من جاء بعدهم من المصلحين والمجددين، بل ما زال الأمر يتكرر اليوم وغداً وإلى ما شاء الله أن تدوم هذه الحياة، روحٌ متعالية متكبرة كانت تسري فيهم، وبسبب ذلكم التعالي وذلكم التكبر، انحرف كثيرون منهم، وضلوا وأضلوا غيرهم عن سواء الصراط.

المشركون عبّاد الأوثان من الحجر والشجر والدواب وغيرهم، كانت تلك طريقتهم في التعامل مع أتباع الأنبياء والمرسلين، فقد دعتهم قدراتهم المالية ومكانتهم الاجتماعية، ونفس مستبدة طاغية، واتباع الشيطان، إلى نعت أتباع الرسل والمصلحين بالأراذل والسفهاء، وما كان السفهاء حينذاك إلا هم أنفسهم وما كانوا يشعرون.

مما تقدم إذن من تمهيدات، يمكننا بها تأكيد القول هاهنا أن السفاهة باختصار هي عدم استخدام العقل بحكمة، وعدم استثمار المعرفة في موضعها، مع استبداد في الرأي، ونفس مائلة مطواعة للشيطان في كثير من الأمور، وضعف في الدين ملحوظ.

السفاهة مثلما كانت من صفات المشركين، فإنها كذلك صفة لصيقة بالنفاق والمنافقين. إذ إن من صفتهم – كما يقول سيد قطب في ظلاله – التطاول والتعالي على عامة الناس، ليكسبوا لأنفسهم مقاماً زائفاً في أعين الناس { وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون} (البقرة: 13)

اقرأ أيضا :

كتاب نظام التفاهة

قطار السفهاء

مثلما السفهاء على مر الزمان اعتادوا على مضايقة أنبياء الله ورسله وأتباعهم، ونعتهم بأقبح الأوصاف، واستهزائهم المتنوع بدعواتهم، فإن قطارهم ما زال يسير في سكة الضلال والإضلال، بل ويركبه كثيرون، يواصلون عمليات أسلافهم من الاستهزاء بالمصلحين والمجددين، وإطلاق أقبح الأوصاف عليهم، مع التفنن في بث الشكوك بالنفوس تجاه الدين وتعاليمه ورموزه ومقدساته، والتهوين من شأنها وإظهارها بصورة مشوهة، يريدون بذلك القول: أنها من أسباب التخلف عن المواكب الحضارية!.

قد لا يكون هؤلاء السفهاء المستهزئون بالقيم والدين والأخلاق من خارج الملة كما كان سفهاء الماضي، حين كان هناك فريق حق وفريق باطل. لا، اليوم اختلط وتداخل الأمر، حيث تجدهم من الملة نفسها على شكل مفكرين، مثقفين، فنانين، وساسة، وأحياناً على شكل طلاب علم أو علماء دين، وهو ما يزيد ويعمّق في أمر تشكيك الناس في شؤون دينهم وصالح أعمالهم. يستخدمون كل الوسائل الممكنة لعمليات التشكيك والاستهزاء – أو إن صح وجاز لنا التعبير- استمرار سفاهتهم وتفاهتهم وكشفها على الملأ، وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعا!.

السفاهة المعاصرة

السفاهة المعاصرة صارت تنافس تلك القديمة، سفاهة اليوم ميدانها الأوسع والأشمل وسائل التواصل الاجتماعي، فإن أحببت رؤية السفاهة واقعاً متجسداً أمامك، أو أحببت رؤية نماذج من السفهاء، فما عليك سوى مشاهدة ميادين وسائل التواصل، وما يجري فيها.

إن كمية المواد المنشورة في تلك الميادين، المرئية منها والمسموعة والمقروءة، تفيض سفاهة وتسطيحاً للأذواق، ما تدفع بالعقول والألباب المنخرطة والمتابعة لها، لمزيد خفة وطيش وجهالة، وهو الأمر الذي يتوجب، كخلاصة لموضوع اليوم، تصدياً مجتمعياً منهجياً له، عبر رؤى بيّنة وبدائل عاقلة نيّرة، والأخذ بالوصية القرآنية {خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199).

ثم تتحلى كشخص مُعرّض لتفاهات السفهاء بخُلُق الأنبياء والمرسلين، أخلاقيات العفو والصفح، ولتكن تلك الأخلاقيات من أعمالك اليومية، فلا ترد على جهالة السفهاء بالمثل، فإن عدم الرد بالمستوى نفسه، قد يدعو السفيه لأن يتنبه لحاله ورداءة واقعه، فيقوم من سبات الغفلة والسفاهة، وفي الوقت ذاته يكون لك أنت المُعرض عن السفاهة والجهالة، أجر كظم الغيظ والإعراض عن الجاهلين، وما أعظمه من أجر.. فاللهم اجعلنا من (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه).