تساءلت إحداهن : لماذا حق الزوجة على زوجها معظم في الشريعة ، ونصوص القرآن والسنة النبوية ؟!

فقلت : أما سبب تعظيم الشريعة لحق الزوج على زوجته فلعظيم منَّته وفضله عليها ، ولعظيم واجباته ومسؤولياتها تجاهها ،  فلقد أوجب الشريعة عليه ما لم يوجبه على المرأة ، فأوجب لها عليه مهراً ، وأن ينفق عليها طول حياته ، وأن يؤمن لها السكن والكسوة حسب وسعه ، وفي المقابل أعفى المرأة من النفقة على نفسها ،  حتى ولو كانت غنِّية ، أو كان لها مورد مالي يكفيها ، أو يزيد على حاجتها .

كما أوجب على الزوج النفقة على أولاده منها حتى يستغنوا عنه ، حتى ولو طلقها وفارقها ، وإن طلقها في مدة الحمل وجب عليه أن ينفق عليها حتى تضع حملها ، فإذا وضعت حملها فلها أن تأخذ أجرةً على إرضاع ولدها منه .

كل ذلك ثابت لها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وينظر تفصيله في مظانه . أفلا يعظم حقه عليها مقابل ما كُلِّف به من واجبات ونفقات تجاهها ؟!

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ” لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد ، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ” رواه الترمذي وأحمد من أبي هريرة ومعاذ رضي الله عنهما .

وفي رواية ” والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها ، حتى تؤدي حق زوجها كله ، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه ” رواه أحمد وابن ماجة من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه.

فأكد النبي صلى الله عليه وسلم- على فضل الزوج على زوجته ، ونبَّه إلى عظيم حقه عليها حتى يكون ذلك أدعى لها أن تطيعه ولا تعصيه ولو فيما تكره ، إلا فيما هو من معصية الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام .

وقال صلى الله عليه وسلم : ” لا يشكر الله من لا يشكر الناس ” رواه أحمد وأبوداود وصححه ابن حبان والألباني .

ومثله نقول : لماذا جعل الله عز وجل حقّ الأم على ولدها- سواء كان ذكراً أو أنثى- أعظم من حق الأب عليهم ؟ وأوصى الشارع بها أعظم من وصيته بالأب ؟ كما في الحديث المشهور: ” يا رسول الله ، من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال: أمك ، قال: ثم من ؟ قال: أمك ، قال: ثم من ؟ قال: أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أبوك” رواه البخاري (5971) ومسلم (2548) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

أليس تعظيم الشرع الحنيف لحق الأم على حق الأب ، هو لأجل أنما تحتمله من مشاق في حمل الولد وولادته وحضانته ورضاعته وتربيته وتغذيته ؟! أكثر مما يقدمه الأب ؟

بلى ، هو كذلك ، فكذلك الزوج ، عظم حقه على زوجته هو لعظيم فضله ومنـته ونفقته عليها ، وقيامه على شئونها .

قال الله تعالى:  { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } النساء : 34.

ثم إن البيوت لا تصلح بلا راع يسوس الرعية ، كما لا يصلح البلد بلا حاكم ورئيس ، ولا الجيش بلا قائد وأمير ، ولا السفينة بلا ربان، فكذلك لا تصلح البيوت بلا طاعة الأزواج .

وتعظيم حق الزوج عليها لا يعني هضم منزلتها، ولا بخسها شيئاً من حقوقها أو قدرها ، ولا يلزم منه احتقارها وإذلالها.

إن تعظيم الزوج وحقوقه أمر متقرر بالشرع ، لا مجال للنقاش فيه والجدل ، بل سمى القرآن الزوج : سيدا ، كما في سورة يوسف { وألفيا سيدها لدى الباب } ( يوسف : 25 ) أي : زوجها .

فهو إذن مما اتفقت عليه الأمم ، مؤمنها وكافرها ، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله سبحانه ، وهو ما يقضي به العقل الصحيح .

فما نراه من استخفاف بعض النساء بذلك ، ليس من الشرع في شيء ، بل ولا من الجبلة الإنسانية ، والعقل المستقيم .

لكن تعظيم حق الزوج على زوجته لا يعني الغض من منزلتها ، ولا بخسها شيئاً من حقوقها أو قدرها ، ولا يلزم منه احتقارها وإذلالها ، كما يفهم بعض الرجال .

كما أن إيجاب الطاعة للزوج على زوجته لا يمنحه حق الاستبداد والتعسف والظلم ، ومن فهم ذلك فقد جار على الشريعة ، وأساء الظن بها، فالاستبداد داء خطير، لا يدخل مملكة ولا إمارةً إلا أفسدها وأذل أهلها، وأفضى إلى كراهية الرعية لراعيها ، الزوجة لزوجها، والأولاد لوالدهم ، والمحكومين لحاكمهم ، والواقع أكير شاهد على ذلك .

لقد منح الشرع الحاكم والأمير والزوج حق الطاعة على أهل مملكته أو أهل بيته ، لكنه أوجب لهم عليهم حق الشورى ، وحرّم عليهم الاستبداد بالرأي ، كما قال تعالى: { وشاورهم في الأمر} (آل عمران:159)، وقال تعالى : {وأمرهم شورى بينهم } (الشورى:38)، لأن الأمور مشتركة بينهم ، والشورى والتشاور مما يزيد في ألفتهم ومحبتهم ودوام اجتماعهم .

كما أمرهم بالرفق بالرعية ، والبعد عن التعنيف بغير داع أو سبب ، فقد دعا نبينا  صلى الله عليه وسلم فقال : ” اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم ، فاشقق عليه ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم ، فارفق به ” رواه مسلم ( 1828) من حديث عائشة رضي الله عنها .

 ما أنصف أحد المرأة ، زوجةً كانت أو أماً أو بنتاً أو أختاً كما أنصفها دين الله الإسلام ، ففي مقابل ما أوجبه عليها من حق الطاعة لزوجها ، أوجب الشرع لها على الزوج حقوقاً كانت منسية ومضاعة عند الأمم والمجتمعات الأخرى ، بل لم توجبها القوانين الوضعية المعاصرة عند الأمم التي تدعي الحضارة والرقي !!

فأوجب الله تعالى الرفق بالزوجات ، وأمر بالمعاشرة بالمعروف لهن ، حتى ولو كرهها فإنه لا يجوز له أن يظلمها ، قال تعالى { وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً } (النساء:19) .

فقوله { وعاشروهن بالمعروف } يشمل القول والفعل ، فعلى الزوج أن يعاشر امرأته بالمعروف ، بحسن المعاملة ، والصحبة الجميلة ، وبذل الإحسان ، ويدخل في ذلك النفقات من المطعم والمشرب والكسوة والمسكن بالمعروف ، وحسب سعة الزوج وقدرته ،  وكف الأذى عنها ماستطاع .

بل حتى ولو كرهها ، فعليه أن يجبر نفسه على التخلق بالأخلاق الجميلة نحوها ، ويجاهد نفسه على ذلك ، فإن الكراهة ربما تزول ويخلفها المحبة – كما يحصل كثيرا بين الأزواج – وربما رزق منها ولدا صالحا ، نفعه الله به في الدنيا والآخرة .

وفي امتثال أمر الله سبحانه الخير الكثير ، والسعادة في الدارين .

وقد أوصى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- أيضا بالنساء وحقوقهن ، وذكر بهذا في خطبة الوداع ، فقال: ” اتقوا الله في النساء ، فإنكم أخذتموهن بأمان الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح ، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف…” الحديث . رواه مسلم (1218) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما .

وقال صلى الله عليه وسلم-: ” إني أحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم والمرأة ” .( أخرجه أحمد(2/439)، وابن ماجة (3678) ، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في الصحيحة (1015)) .

وقال صلى الله عليه وسلم-: “خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي” . رواه الترمذي (3895) وأبو داود (4899) من حديث عائشة – رضي الله عنها .

 وكان  رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يغضب من ضرب بعض الأزواج لزوجاتهم ، فوعظهم في ذلك ، وقال: “علام يضرب أحدكم امرأته ضرب العبد ، ثم يضاجعها من آخر الليل” ؟!!

فعلى الزوجين اتقاء الله تعالى ومراقبته ، وآداء ما وجب ، والتذكير بالحق ، بالحكمة والموعظة الحسنة ، والصبر على ذلك ، فإن فيه خيرا كثيرا كما وعدنا الله سبحانه .

والله الموفق لكل خير ، والهادي الى سبيل الرشاد .