عرفت مؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر انتشارا واسعا خلال العقدين الأخيرين، حيث شكلت هذه المؤسسات دورا محوريا لمكافحة الفقر في العديد من الدول الإسلامية، ويلاحظ الخبراء الاقتصاديون بأن تطور هذه المؤسسات قطعا مراحل كبيرة في دول جنوب شرق آسيا خاصة: ماليزيا وإندونيسيا، كما تطورت هذه المؤسسات رغم التحديات في باكستان والهند وبنغلاديش وشكلت موردا هام من موارد تمويل المشاريع الصغيرة للطبقات الفقيرة ومحدودي الدخل.

 

يعود تنامي هذه المؤسسات بسبب تبنيها لقوانين الشريعة في التعامل مع المستفيدين من خدماتها، حيث تشير الاحصائيات إلى أن 72% من المسلمين في العالم لا يستخدمون الخدمات المصرفية لعدم مراعاتها لقوانين الشريعة في تحريم الربا والقمار وغيرها من المحرمات المتعلقة بالتعاملات المالية. تشير التقارير الحديثة إلى أن عدد مؤسسات التمويل الإسلامي في العالم وصل 300 مؤسسة تعمل في 32 دولة.

لقد دفع الدعم الحكومي -في بعض الدول الإسلامية-هذه المؤسسات إلى المزيد من النجاح في خطة مكافحة الفقر وتحسين ظروف السكان، بينما ظلت هذه المؤسسات تعاني ضعف الأداء والإنتاجية في الدول التي غابت فيها سياسات دعم هذا القطاع التمويلي الهام. هذه المقالة تسلط الضوء على دور مؤسسات التمويل في مكافحة الفقر في كل من ماليزيا إندونيسيا بصفتهما من أثرى دول العالم الإسلامي تجربة في هذا المجال.

إندونيسيا سياسات طموحة ومستقبل واعد

إندونيسيا أكبر الدول الإسلامية من حيث عدد السكان، تواجه مشكلة حقيقية في كبح ظاهرة البطالة التي أدت إلى انتشار الفقر في قطاعات واسعة من الشعب الإندونيسي. تعمل السلطات على تقديم كافت المساعدات اللازمة لمؤسسات التمويل الإسلامي وذلك لدعم جهود الحكومة وخططها في التخفيف من الفقر بين السكان. وفي إطار استراتيجيتها نحو مستقبل أفضل لعمل مؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر قامت السلطات بتقنين عمل هذه المؤسسات لمساعدتها على العمل بشكل شفاف ومهني، وقد ساهمت مجهودات الحكومة في الإطار إلى توسع نشاط هذه المؤسسات وزيادة الطلب على خدماتها خاصة في المناطق الفقيرة.

كما زاد عدد مؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر حيث منحت هيئة الخدمات المالية في إندونيسيا، تراخيص التشغيل لعشر مؤسسات جديدة للتمويل الإسلامي الأصغر، ومن المتوقع أن تسهم المؤسسات الجديدة في دعم أصحاب المشاريع الصغيرة من تحسين وضعيتهم المعيشية عبر تقديم الدعم اللازم لمشاريعهم في المناطق المستهدفة.

وتأتي هذه التراخيص في إطار السياسة الحكومية الجديدة التي تهدف إلى دعم هذه المؤسسات وذلك بعد الدور الكبير الذي أظهرت هذه المؤسسات في دعم خطط الدولة لمكافحة الفقر وتحسين الظروف المعيشية للسكان الأشد فقرا. ويعتبر قطاع التمويل الإسلامي الأصغر في إندونيسيا جزء من المنظومة المصرفية للبلاد حيث يوجد ما يقارب 5500 مؤسسة مالية لتمويل المشاريع الصغيرة برصيد مالي يبلغ 590 مليون دولار. ساهمت هذه المؤسسات في تمويل مشاريع صغيرة للكثير من سكان الريف والمناطق التي ينتشر فيها الفقر والبطالة وقد ساعدت هذه المشاريع السكان في تحسين وضعهم المعيشي.

ماليزيا تجربة طويلة و دعم وتطوير مستمر

يشكل المسلمون نسبة 60% من مجموع سكان ماليزيا البالغ عدد 28 مليون نسمة، وتشكل هذه النسبة سوقا كبيرة ومهمة لمؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر، حيث تسهم هذه المؤسسات بالتعاون مع المؤسسات المالية الوطنية كبنك ماليزيا الوطني في تقديم خطط وسياسات لتمويل المشاريع الصغيرة لمحدودي الدخل في ضواحي المدن والريف وأغلب المستفيدين من هذه السياسات التمويلية هم من المزارعين وأصحاب الحرف.

“الإختيار الأمين ماليزيا” تعتبر من أقدم وأنجح مؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر تأسست 17 سبتمبر 1987، واستهدف المشروع تقديم التمويل لمشاريع نسوية في المناطق الفقيرة و حسب تقارير المؤسسة فإن مجموعة التمويل المقدم حتى 2015 وصل مايزيد على 15 مليار رينغت ماليزي شملت 382,178 ألف مشروع.

خلال سنوات قليلة من إنشائها ارتفع عدد فروع مؤسسة الإختيار الأمين الماليزية من 27 فرع سنة 1990 إلى 135 فرع سنة 2014، بينما ارتفع منتسبي هذه المؤسسة من 3220 شخص سنة 1990 إلى 347,907 شخص سنة 2014. هذه الزيادة الكبيرة في عدد فروع مؤسسة التمويل الإسلامي الأصغر وكذلك الزيادة في عدد المستفيدين منها جعلتها تحقق نجاحا كبيرا وتسهم بفاعلية في تحقيق أهداف الحكومة في التخفيف من حدة الفقر في المناطق الريفية و ضواحي المدن.

في سنة 2013 حقق أكثر من 22% من مستخدمي مؤسسة “الإختيار الأمين الماليزي” سقف الدخل المقدم من طرف المؤسسة حيث حقق 49000 من أصحاب المشاريع دخل شهري 3500 رينغت ماليزي وتتوقع المؤسسة أن يصل جميع المنتسبين سقف الدخل المحدد في سنة 2022.

تحديات في الطريق

على الرغم من النجاحات التى حققتها هذه الدول فيما يتعلق بمؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر سواء من حيث التقنين أو من حيث التنظيم أو آليات العمل ، لا تزال تواجه هذه المؤسسات مجموعة من التحديات والعقبات التى تحول دون الاستفادة القصوى من خدمات هذه المؤسسات التى ساهمت في التخفيف من الفقر بين سكان هذه البلدان وعززت من سياسات الحكومة في الرفع من مستوى معيشة السكان، في طليعة التحديات التى تواجه هذه المؤسسات عقبة التمويل فهذه المؤسسات تعتمد بشكل كبير في تمويلها على أموال الزكاة والصدقات والمنظمات الخيرية وهذه المصادر لا تكفي لتغطية عمل هذه المؤسسات وتوسعها لمساعدة 44% من فقراء العالم الإسلامي.

لمواجهة هذه العقبة يجري الحديث عن تفعيل ما يعرف ب”الصكوك الاجتماعي” حيث يهدف هذا الصكوك على سد العجز في مسألة تمويل هذه المؤسسات، الصكوك الاجتماعي لا يزال موضوع البحث والدراسة من ضمن الجهات الاكاديمية و البنوك المركزية لاكتشاف مدى تأثيره في التغلب على إشكالية التمويل في مؤسسات التمويل الإسلامي الأصغر.