لئن كان شهر رمضان المبارك قد انتهى ، فإن عمل المسلم لا ينتهي إلا بمفارقة روحه بدنه ، قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : {و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين} وقال سبحانه قبل عن عيسى عليه السلام: { وأوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حياً }  .

وذكر لبعض  السلف أناسا يجتهدون في رمضان ، ثم يتركون ذلك بعده ، فقال : بئس القوم لا يعرفون الله تعالى إلا في رمضان !!

فلئن كان صيام الفرض في رمضان قد انقضى زمنه ، فقد شرع الله تعالى للسابقين بالخيرات أياماً تصام طوال العام ، أولها صيام الست من شوال ، ففي صحيح مسلم : من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر .

وصيام الاثنين والخميس ، كما في حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس ، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم” رواه الترمذي .

أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، و الأولى والأحسن أن تكون أيام البيض وهي : الثالث عشر و الرابع عشر والخامس عشر من الشهر العربي ، لحديث أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام ، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة” رواه الترمذي و النسائي .

وإلا صام ثلاثة أيام من أي الشهر، لحديث أبي هريرة : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث … وأن أصوم ثلاثة أيام من كل شهر.

وصيام شهر الله الحرام ، ففي صحيح مسلم : عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أي الصيام أفضلُ بعد شهر رمضان ؟ قال : ” أفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم ” .

وصيام يوم عرفة ، فإنه يكفر سنتين: ماضية وباقية ، كما في صحيح مسلم . وصيام عاشوراء يكفر سنة ماضية ، وغيرها من التطوعات.

ولئن كان قيام رمضان قد انتهى ، فإن قيام الليل هو دأب الصالحين الأخيار دائماً ، كما قال صلى الله عليه وسلم : «عليكم بقيام الليل ، فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وقربةٌ إلى الله تعالى ومنهاةٌ عن الإثم ، وتكفير للسيئات ، ومطردة للداء عن الجسد» رواه أحمد والترمذي والحاكم عن بلال رضي الله عنه .

وقوله تعالى: { تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون }  السجدة .

وقوله: { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً * وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً * والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً } ( الفرقان: 63 -65) .

وقوله تعالى: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون* و بالأسحار هم يستغفرون} ( الذاريات : 17 -18 ) ليس خاصاً برمضان ، بل هي سمةٌ من سماتهم ، و صفة من صفاتهم .

ولما ذُكر عبد الله بن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم قال : نعم الرجل عبد الله ، لو كان يقوم من الليل ، فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً ، رواه البخاري .

وقال : لا تكن مثل فلان ! كان يقوم الليل فتركه .

وهذا يدل على أن ترك قيام شيء من الليل نقص في إيمان الرجل وعمله ، وقيام الليل يتحقق ولو بركعتين بعد العشاء ثم يوتر بركعة ، وأفضله بعد شطر الليل أو في ثلثه الأخير.

وعبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «أيها الناس أفشوا السلام، و أطعموا الطعام، و صلوا الأرحام، و صلّوا بالليل و الناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام»، رواه الترمذي .

وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى ترم قدماه ، وفي رواية: ساقاه ، رواهما البخاري.

ولئن كان رمضان هو شهر القرآن الذي أنزل فيه ، ويكثر فيه المسلمون من قراءته وسماعه في أيامه ولياليه ، فإن المؤمن لا يهجر كتاب الله تعالى في غير رمضان ، بل هو كتابه الأول يتلوه ليلاً و نهارا ً، سراً و جهارا ً، سفراً و حضراً ، لا يفارقه أبداً ، قال عز وجل: {الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به} (البقرة: 121) ، و قال سبحانه: { إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور} (فاطر: 29) .

وقد أثنى الله تعالى على طائفة من أهل الكتاب بقوله : { من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل و هم يسجدون } (آل عمران: 113) .

وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالمحافظة على قراءته ومعاهدة حفظه ، فقال: «تعاهدوا القرآن ، فوالذي نفسي بيده لهو أشدُّ تفصياً من الإبل في عقلها» متفق عليه .

ولئن كان رمضان هو شهر الزكاة لأكثر المسلمين ، فإن انفاق المنفقين الخيرين لا ينقضي ولا ينتهي ، بل هو مستمر دائم ، كما قال الله عز وجل: { الذين ينفقون أموالهم بالليل و النهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون } (البقرة : 274 )

وقال: { والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل و المحروم } ( المعارج : 25-26) .

وهذا يدل على دوام إنفاقهم في كل وقت وحين ، وليس خاصاً بزمن دون زمن .

لأن الفقراء والمساكين حاجاتهم مستمرة ، فلا يغفل عنهم المسلم بقية السنة .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان ، لكن هو صلى الله عليه وسلم كان أجود الناس دوما ، بل كما وصفه أصحابه أنه ما سئل شيئاً قط فقال : لا .

وجوده كان بكل أنواع الجود ، بالمال وبالعلم وبالبدن وبالجاه .

ولئن كان شهر رمضان هو شهر إطعام الطعام للفقراء والأقرباء والجيران ، فينبغي أن يدوم ذلك ، كما قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذر رضي الله عنه: «يا أبا ذر، إذا طبخ أحدكم قدراً فليكثر مرقها ، ثم ليناول جاره منها» رواه الطبراني في الصغير.

والمسلم الحق من يخاف من عدم قبول الاعمال ، قال تعالى ( إنما يتقبل الله من المتقين ) المائدة  : 27.

وكان السلف يجتهدون في إتمام العمل وإكماله وإتقانه ، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله ،  وهؤلاء الذين قال الله فيهم (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) المؤمنون : 60 .

وهذا من حذرهم أن يكون العمل فيه دغل ، كأن يكون لغير الله تعالى ، أو يكون فيه خلل أو نقص يوجب فساده .

ويروى عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان : ياليت شعري ! من هذا المقبول فنهنيه ؟ ومن هذا المحروم فنعزيه ؟!

ولا بد من العلم أن تكفير السيئات في رمضان ، مشروط بترك الكبائر من الذنوب ، كما قال عليه الصلاة والسلام : “الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات لما بينهن ، إذا اجتنبت الكبائر ” رواه مسلم .

فاللهم نسألك دوام فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين، وأن تغفر لنا وترحمنا ، وتتوب علينا ، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين ،،، يا سميع الدعاء …