على قارئ كتاب الله تعالى أن يراعي آداب تلاوة القرآن التالية :

1- إخلاص النية لله سبحانه وحده في القراءة أو الحفظ ، وطلب الأجر والثواب من الله تعالى ، والبعد عن الرياء والسمعة والمباهاة .

فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما أنه مرّ على قارئ يقرأ ثم سأل – أي سأل الناس – فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” من قرأ القرآن فليسأل الله به ، فإنه سيجيء أقوام يقرؤون القرآن ، يسألون به الناس ” (رواه الترمذي ، وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة ( 257 ) ) .

وقد جاء في الحديث : ” مَن قَرأ حرفاً من كتاب الله ، فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقولُ { آلم } حرف ، ولكن : ألفٌ حرفٌ ، ولامٌ حرف ، وميم حرف ” رواه الترمذي . وقال صلى الله عليه وسلم : ” اقرؤوا القرآن ، فإنه يأتي شفيعا لأصحابه يوم القيامة ” (رواه مسلم) .

2- يستحب للقارئ الطهارة من الحدثين الأصغر والأكبر. أما مس القرآن ، فلا بد له من الوضوء ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ” لا يمس القرآن إلا طاهر ” رواه الطبراني في معاجمه والدارقطني والحاكم . وكذا مراعاة النظافة في البدن والثياب والمكان .

ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد ، لكونه جامعاً للنظافة ، وشرف البقعة .

3- ومن آداب تلاوة القرآن أن ينظف القارئ فمه بالسواك وغيره . قال علي رضي الله عنه : إنّ أفواهكم طُرقٌ للقرآن ، فطيّبوها بالسواك . (رواه ابن ماجة وصححه الألباني).

4- يستحب استقبال القبلة عند القراءة .وتجوز قراءة القرآن واقفا وماشيا وراكبا ومضطجعا . قال تعالى : { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } (آل عمران : 191) . ولا يشترط الحجاب لتلاوة القرآن للنساء .

5- الاستعاذة من الشيطان الرجيم ، لأنه مطردة له . لقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ( النحل : 98) .وتقدير الآية عند الجمهور : إذا أردت القراءة فاستعذ بالله .وذلك أن الشيطان يحضر عند شروعه بالقراءة ، ليصرفه عن مقاصد القرآن الجليلة ، ومعانيه العظيمة ، والتي فيها صلاح دينه وديناه .والاستعاذة مستحبة لكل قارئ ، في الصلاة وخارجها .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله فيقول : ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، من همزه ونفخه ونفثه ” (رواه أبو داود وابن ماجة وصححه ابن حبان) . وكان أحيانا يزيد فيقول : ” أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان … ” (رواه أبوداود والترمذي) .

الخشوع والتدبر

6- القراءة بخشوع قلب ، وسكون جوارح ، مع استشعار عظمة من يقرأ كلامه . قال تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الحشر: 21) . وقوله : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } (الإسراء : 109) .

وأن يكون بعيدا عن مواضع اللغط ، وارتفاع الأصوات ، وليترك العبث باليد وغيرها ، فإنه يناجي ربه سبحانه وتعالى ، ومن ذلك النظر إلى ما يلهي ويبدد الذهن ، ليتحقق له الخشوع في القراءة ، أو الإنصات للتلاوة .

7- التدبّر أثناء القراءة ، والتفكر في معاني الآيات التي يقرأها ، وعدم هذّه ، والاستعجال في قراءته ، فبذلك تنشرح الصدور ، وتستنير القلوب .لقوله سبحانه : { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } (ص : 29).

وقوله تعالى : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } (محمد : 24) .وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم بآية يرددها حتى أصبح ، وهي قوله { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} ( المائدة : 118 ) . (رواه أحمد والنسائي) .

وجاء رجل إلى ابن مسعود رضي الله عنه فقال : إني لأقرأ المفصل في ركعة ؟! فقال عبد الله : هذّاً كهذّ الشعر ؟! إن أقواماً يقرؤون القرآن لا يُجاوز تَراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه ، نفع . (رواه مسلم ( 822) وأحمد (3607 )) .
والهذّ : شدة الإسراع في القراءة ، وهي عادة العرب في الشعر .

وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضا : ” من أراد علماً فليقرأ القرآن ، فإن فيه خير الأولين والآخرين ” .وسنده صحيح ، أخرجه الإمام أحمد في الزهد ( ص 157) وابن أبي شيبة ( 35839) وغيرهما .

وقال الحسن البصري : إنّ من كان قبلكم رأوا أن هذا القرآن رسائل إليهم من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل ، وينفذونها في النهار .

ورتل القرآن ترتيلا

8 – ومن آداب تلاوة القرآن ترتيل القرآن ترتيلا ، وأن لا يختمه في أقل من ثلاث ، ولا يجعل همّه عند التلاوة بلوغ آخر السورة . لقوله سبحانه وتعالى : { وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } ( المزمل : 4) .

وقوله { وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا } ( الإسراء : 106 ) . فقوله ( على مكث ) أي : على مُهل ، ليتدبروه ويتفكروا في معانيه وعلومه.

وقول رسوله صلى الله عليه وسلم : ” لا يَفقه مَن قرأ القرآن في أقل من ثلاث ” (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة ، وصححه الألباني رحمه الله) . وقالت عائشة رضي الله عنها : ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قََرَأ القرآن كلّه في ليلة ، ولا قام ليلةًً حتى أصبح ، ولا صام شهراً كاملا غير رمضان . (رواه مسلم ( 746 ) وأحمد ( 6/54 )) .

9- سؤال الله سبحانه من رحمته عند المرور بآيات الرحمة ، والتعوذ من عذابه عند المرور بآيات العذاب . عن عوف بن مالك الأشجعي قال : قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلةً ، فقام فقرأ سورة البقرة ، لا يمرّ بآية رحمة إلا وقف فسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ . (رواه أحمد وأبو داود والنسائي).

ويستحب هذا السؤال والاستعاذة والتسبيح لكل قارئ ، سواء كان في الصلاة أو خارجها ، ويستحب ذلك في صلاة الإمام والمنفرد والمأموم ، لأنه دعاء فاستووا فيه كالتأمين عقب الفاتحة ، وهذا مذهب جماهير العلماء رحمهم الله . وكذا البكاء والتأثر عند قراءة القرآن ، وهو صفة النبيين ، وشعار عباد الله الصالحين ، قال الله تعالى { ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً } ( الإسراء : 109 ) .

تقطيع القراءة

10- التغني بالقرآن وتحسين الصوت به ، دون تكلف . فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ليس منا من لم يتغن بالقرآن ” وزاد بعضهم : ” يجهر به ” (رواه البخاري ( 7527 )) .

وعنه أيضا : أن رسول صلى الله عليه وسلم قال : ” زيّنوا القرآنَ بأصواتكم ” (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة) . وقال صلى الله عليه وسلم : ” حسّنوا القرآن بأصواتكم ، فإنّ الصوت الحَسن يزيد القرآن حُسنا ” (رواه الدارمي ( 3373 ) والحاكم والبيهقي) .

11- ومن آداب تلاوة القرآن تقطيع القراءة آية آية : وذلك بالوقف عند رؤوس الآيات . فعن أم سلمة رضي الله عنها : أنها ذكرت – أو كلمة غيرها – قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم { بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * ملك يوم الدين } يقطع قراءته آية آية . رواه أبو داود (4001 ) . وفي رواية الترمذي ( 2928 ) : كان يقطّع قراءته ، يقول { الحمد لله رب العالمين } ثم يقف { الرحمن الرحيم } ثم يقف .

12- العمل بالقرآن ، والإئتمار بأوامره ، واجتناب نواهيه ، والوقوف عند حدوده ، إذً الأصل أن يكون حفظ القرآن وتلاوته ، وسيلة للعمل به ، والتحاكم إليه ، وطريقا للتخلق بأخلاقه .

13- حضور القلب عند التلاوة ، والاستماع والإنصات إلى قراءة غيره في الصلاة وغيرها ، وعدم الانشغال عنها .
لقوله سبحانه وتعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (الأعراف : 204) . ومن ذلك اجتناب الضحك واللغط والحديث خلال استماع القراءة ، إلا كلاماً يضطر إليه .

14- الأفضل أن يقرأ على ترتيب المصحف ، فيقرأ الفاتحة ثم البقرة ، ثم آل عمران ، ثم ما بعدها على الترتيب ، سواء كان في الصلاة أو في غيرها .

15- ومن آداب تلاوة القرآن، عدم قطع القراءة إلا لحاجة ، كرد السلام أو الأمر بمعروف أو النهي عن منكر .

سجود القارئ

16- السجود عند تلاوة آية سجدة ، أو سجود القارئ . فعن أبي رافع قال : صليت مع أبي هريرة العتمة فقرأ (إذا السماء انشقت) فسجد فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه. (رواه البخاري ومسلم).

عن أبي هريرة أنه قال سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في { إذا السماء انشقت } و { اقرأ باسم ربك } . (رواه مسلم).

والسجود للتلاوة مستحب وليس بواجب . فعن زيد بن ثابت قال : قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم والنجم فلم يسجد فيها. (رواه البخاري) .

ولا تشترط لسجود التلاوة الطهارة على الصحيح ، وليس فيه تسليم بعده ، ولا تكبير عند الرفع منه ، على الصحيح أيضا .