كتاب سنن الدارقطني ، تأليف الامام الحافظ أبي الحسن علي بن عمر بن أحمد بن محمد الدارقطني المتوفى سنة خمس وثمانين وثلاث مائة.

وللدارقطني مصنفات كثيرة غير السنن، سماها بما ينبئ عن مضامينها، فألف كتاب التتبع والإلزام، تتبع فيه أحاديث من الصحيحين يراها لا تفي بشروط الصحة، كما ألزم الشيخين إدخال أحاديث في كتابيهما، وألف كتاب العلل، جمع فيه الأحاديث المعللة على منوال لم يسبق إليه، وكذلك ألف كتاب السنن، وهو اسم يوافق مضمونه، ويستبعد من مثل الإمام الدارقطني أن يضع كتابا في العلل، ويضفي عليه اسم السنن.

موضوعه : وضعه في بيان السنن، فهو يشبه في ذلك كتب السنن كسنن أبي داود والترمذي والنسائي، ويختلف عنها كما تحتلف كتب السنن بعضها عن بعض، ففي سنن الترمذي من بيان المذاهب واختلاف الفقهاء والكشف عن درجات الأحاديث من الصحة والحسن والضعف، وإعلال الأحاديث ما ليس في غيرها، وفي سنن أبي داود من كثرة الأبواب والتفريعات وبيان العلل والاختلاف الإسنادي ما يميزها عن سواها.

كذلك يختلف سنن الدارقطني عن سائر كتب السنن، إذ تعرض فيه للأحاديث الضعيفة والموضوعة والمضطربة والمعللة إلى جانب الأحاديث الصحيحة والحسنة.

فكتاب السنن للدارقطني جامع للفقه، واختلاف الأحاديث، والكلام على الرجال، والعلل.

أنواع حديثه

يشتمل كتاب السنن للدارقطني على خمسة آلاف حديث (إسناد وطريق) تقريبا، منقسمة إلى أنواع مختلفة:

الصحيح والحسن : وفيه عدد لا بأس به من الحديث الصحيح والحسن، منه ما هو في الصحيحين، ومنه ما هو صحيح على شرط غيرهما، ومنه ما حكم الدارقطني نفسه بصحته أو حسنه، حيث أخرج أحاديث في سننه قال عقبها: حديث إسناده صحيح، أو إسناده حسن، أو هذه أسانيد صحاح، وأمثال ذلك.

ووجود هذا العدد الكبير من الأسانيد الصحيحة والحسنة فيه يرفعه عن أن يكون كتابا في العلل.

المتابعات والشواهد : وأكثر الدارقطني من إيراد المتابعات والشواهد في كتابه، فإنه يسرد الحديث سردا بصرف النظر عن درجة طرقه صحة وضعفا، وهو منهج معروف اتبعه الإمام مسلم في صحيحه، والنسائي في سننه، وانظروا على سبيل المثال إخراج الدارقطني لطرق حديث القلتين وغيره.

المقطوع والموقوف: واستدل فيه بالأحاديث والآثار الموقوفة والمقطوعة على طريقة البخاري في تراجمه، ووفقا لمنهج كتب المصنفات.

الغريب والمنكر والموضوع: قال شيخ كثير من شيوخنا العلامة محمد بن جعفر الكتاني: “وسنن الدارقطني جمع فيها غرائب السنن، وأكثر فيها من رواية الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة”. (الرسالة المستطرفة ص 32)

وقال الحافظ ابن عبدالهادي: “والدارقطني الذي يجمع في كتابه غرائب السنن، ويكثر فيه من رواية الأحاديث الضعيفة بل والموضوعة، ويبين علة الحديث وسبب ضعفه وإنكاره في بعض المواضع”. (الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 19).

وقال الإمام الذهبي: “سنن الدارقطني بيت المنكرات”.

مزاياه

سرد الأحاديث والآثار التي تؤيد المذاهب الفقهية: صنف الدارقطني السنن على منهج الكتب الفقهية، وجاء فيه بتبويبات الفقهاء، وأورد فيه الأحاديث التي استدل بها الفقهاء على مذاهبهم وإن كانت ضعيفة أو غريبة أومنكرة أو شاذة بل وموضوعة، قال القاضي أبو علي الصفدي: “قصده أن يذكر الأحاديث التي يحتج بها الفقهاء، فيكتب الخلاف، ويعلل ما يمكن أن يعلله” (المعجم في أصحاب القاضي أبي علي الصدفي ص 79)

بيان الغريب:  قال الإمام ابن تيمية: الدارقطني صَنّفَ سُننه ليذكر فيها غرائب السُّنَن، وهو في الغالب يبيّن ما رواه، وهو من أعلم الناس بذلك. (تلخيص كتاب الاستغاثة ص 20)

وقال ابن تيمية أيضًا: “أبو الحسن الدراقطني، مع إتمام إمامته في الحديث، فإنه إنما صنف هذه السنن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في الفقه، ويجمع طرقها، فإنها هي التي يحتاج فيها إلى مثله”. (الفتاوى الكبرى 5/299).

ووصفه الزيلعي بأنه مجمع الأحاديث المعلولة، ومنبع الأحاديث الغريبة.

بيان العلل : والإمام الدارقطني جهبذ ناقد علامة العلل، فلا يفوته ذكر علل الحديث كلما وجد إلى ذلك سبيلا، ومن كثرة ما فيه من بيان الغريب والإعلال قال شيخنا عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله: “فحقه أن يكون عنوانه واسمه (السنن المعلولة)” (ملحق تحفة الأخبار ص 154).

لا عتب على الدارقطني: لا يعني وجود تلك الأحاديث الغريبة والمنكرة والموضوعة في كتابه تساهلا فيه، لأنه لم يشترط في كتابه صحة الحديث، وقد عمد إلى مثل ذلك غيره، فمثلا قد يبدأ الترمذي بحديث فيه ضعف ويترك حديثا صحيحا في معناه أخرجه الشيخان البخاري ومسلم. قال الدكتور أكرم ضياء العمري: “سنن الدارقطني من دواوين السنة التي لم تشترط الصحة لتخريج الحديث، ففيه الصحيح، والضعيف، والواهي، وفيه غرائب كثيرة، وقد حكم الدارقطني على عدد من رجاله بأنهم متروكون، وهم خمسة وستون رجلا، منهم خمسة لا يستحقون الترك، ويضاف إليهم أربعة من الوضاعين” (مناهج البحث وتحقيق التراث ص 178-179).

وقال ابن القيم بعد ذكر حديث باطل أخرجه الدارقطني في سننه: “والدارقطني إنما رواه للمعرفة وهو أجل من أن يحتج به”. (إغاثة اللهفان 1/317)

الخلاصة

فكتاب السنن للدارقطني يشبه كتب السنن لا كتب العلل، فيه الصحيح والحسن ودونهما، وتسمية الدارقطني إياه بهذا الاسم خير شاهد على غرضه، ولم يؤثر عن أحد من الحفاظ المتقدمين أن سنن الدارقطني كتاب علل، وبيان الدارقطني للعلل فيه لا يخرجه عن مضمونه، وهل يستغرب من مثل الدارقطني أن يبين علل الحديث في كتاب خصصه لبيان السنن الفقهية، وهذا أمر اعتاده الحفاظ  في مؤلفاتهم، فإنهم يناقشون علل الحديث في كتبهم التي لم توضع لبيان العلل، وقد مر شرح ذلك.