بعض الكُتّاب الشباب، خاصة ممن انبروا للكتابة على شبكة المعلومات- تجدهم من حملة الأقلام الرائعة لغة وعرضاً، ونحو ذلك من فنون الكتابة ومهارات الكُتّاب.. إلا أن الكتابة ليست مقصودة لذاتها، وإنما هي وسيط لنقل الأفكار والمفاهيم.. لا أكثر..

فقد اطلعت في بعض المدونات العربية على الإنترنت- على موضوعات تتناول قضايانا الفكرية والاجتماعية بانشطارية موغلة في التقليد، وجزئية متطرفة في (النسخ واللصق).

من ذلك ما يتناوله بعض الشباب من قضايا شائكة- وأقول قضايا احتراماً لوجهة نظر من تناولها بهذه الصفة- كما يسمى بقضية المرأة، بنفس الصورة التي تناولها بها مَن سبقهم من الكُتّاب والمفكرين..

من الناحية الفكرية المحضة، ومن الواقع أيضاً- يتعذر على الشخص- أي شخص- تناول موضوع- ذي صلة بأطراف عديدة- من ناحية واحدة فقط.. وهذا ما أسميه بانشطارية الرؤية، التي تفتح على صاحبها كل ما تبقى من ألوان الانشطار والجزئية..

فما يسمى بقضية المرأة، لم تكن من الناحية التاريخية- وليدةً لمجتمعاتنا الشرقية.. وإن كان في مجتمعاتنا ما لا يخفى من صور الجهل والتخلف والظلم والاضطهاد والتسلط.. إلى غير ذلك مما لا يُرضي.. ولعل استيطان هذا المصطلح بين ظهرانينا- نموذجا لعولمة المشكلات، وتبني (بُكائيات) الآخر، كقولنا دون وعي: العصور الوسطى!!

ثم، إن تناول (القضايا) بهذا الشكل، لم يكن وليداً أيضاً- لمجتمعاتنا.. والنظر إلى القضايا كقضية للمرأة، وأخرى للطفل، وثالثة للرجل!! مما نُسخ إلينا بطريقة النسخ واللصق التي ذكرت..

هذا فضلاً عن أن (نظرية الصراع) التي تبلور (قضية المرأة) ليست مما أنتجناه من قيم ومعارف وفكر.. ولا يخفى على المهتم أن الإيمان بلزوم الصراع وأبديته- إنما كان مما ورثه الفكر الغربي عن الحضارة اليونانية التي كان من مفاهيمها: صراع الآلهة، وتقابلها.. إله للخير وآخر للشر، وثالث للحب، ورابع، وعاشر…

فإذا تقررت لدينا النقاط الثلاث السابقة- وهي صورة عرض القضية، وزاوية التناول وخلفياته..

إذا تقرر ذلك في أذهاننا من الناحية الفكرية (التصورية) فإننا سنستطيع تدارك ما يحدث في مجتمعاتنا من أخطاء أدت- فيما أدت إليه- إلى تدهورها القيمي والحضاري المُشاهَد..

عندما نتناول قضايانا في أطر (كلية)، تُراعي خصوصياتنا، وتنطلق من بيئاتنا بكل أبجديتاها- فإننا حتماً سنصل إلى غاياتنا في الإصلاح..

صحيح أن مجتمعاتنا العربية والشرقية، تعاني من أوضاع ليست مقبولة- لدى أكثر الإيجابيين- يتعرض فيها الرجل للظلم، والطفل للاضطهاد، والمرأة للتجاهل..

ولكن.. إذا ظللنا نتناول ونتعاطى مع كل (جزء) من مكونات المجتمع- بمعزل عن الأجزاء الأخرى، فإن النتائج التي سنصل إليها ستكون (جزئية) كذلك.. وما دامت نتائج جهودنا بهذه الصفة، فإنها ستؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر- على طرف آخر أو أكثر، فيجأر ذلك الطرف بالشكوى، وتُرفع له (قضية) مستقلة..

ولعل الإطار (الكلي) الذي ترتكز عليه قضايانا الصغيرة و(الكبيرة) هو الحاجَة الملحة، (للإصلاح) بكل ما تحمله الكلمة من إشارات ومعان ودلالات..

وبما أنني من ناحية، وأنت- عزيزي القارئ- من ناحية أخرى، وهذه وتلك.. بما أننا- كلنا- نريد الإصلاح، فإن هذا الاتفاق يعني- فيما يعني- أن هناك أوضاعاً غير صحيحة نريد- كلنا- إصلاحها و(تحسينها)..

وبما أن الأمر كما ذكرت.. فلا بد من تحديد حجم (الخراب) الذي يتطلب وينتظر جهودنا الإصلاحية، ومن ثم درجة الإصلاح التي نرجو- جادين- الوصول إليها.. هذا فضلاً عن وضع تصورات ورؤى واضحة لمرجعيات الإصلاح وآلياته وأهدافه ومراحله..

ولعلي أخلص مما سبق إلى الآتي:

–  مجتمعاتنا تعاني ما تعانيه من صور الفساد والظلم والاضطهاد والجهل والفقر والمرض والتخلف و(الانشطارية)!!

–  الإصلاح مطلب لكل ذي عَينين مُبصرتين، بغض النظر عن فلسفته وآيدلوجياته..

–  الإصلاح الاجتماعي- ونحوه من الأمور التي ترتبط بالثقافة والتاريخ والبيئة- لا يجدي حياله أسلوب نسخ التصورات من هنا وهناك ولصقها كيفما اتفق، وإنما يُفترض تُراعى فيه الخصوصية الثقافية والقيمية،و…، ويجب ألا تنطلي علينا موجة عولمة المشكلات والقيم، فنتحمّل تبعاتها، ونفقد- في ذات الوقت- قيمنا وهي أكثر قابلية للتصدير والتعولم..

–  لا مانع من الاستفادة من تجارب الأمم والشعوب والحضارات الأخرى، خاصة في التقاطعات والقواسم الإنسانية المشتركة، أما ما يتعلق منها بالقيم ونسخ التصورات فلا..

–  مَن يريد الإصلاح و(التقدم) دون أن يثق بنفسه ويعتز بذاته، فإنه يصبح برأيي كريشة في مهب الريح لا أكثر..

–  إن كنا جادين في دعوانا بالإصلاح، فلا بد من وضع تصورات وأهداف وبرامج واضحة لخطوات ومراحل وآليات ذلك الإصلاح..

–  ختاماً.. أتودد- راجياً – إلى الذين يودون شقّ طريق الكتابة الفكرية الاجتماعية- أن يراعوا ما يتعلق بمثل هذه القضايا من روابط لا سيما من الناحية التاريخية، فضلاً عن العيش في أوساط الجماهير، ومعالجة قضاياها الآنية الملحة.. لا أن يعتلوا أبراجاً عاجية، ثم يلقوا إلينا بإبداعات النسخ واللصق..