عندما تحدث ظواهر في الكون يسميها بعض الناس ظواهر طبيعية أو غضب الطبيعة، ويسميها  المسلم آيات من آيات الله يسارع البعض إلى تقديم تفسيرات لا علاقة لها بالدين ولا بالإيمان بالغيب ولا بالعلم وتجد هذه التفسيرات قبولا مطلقا أو على أقل تقدير مساحة للنقاش والترويج بينما عندما تقدم تفسيرات تربط بين هذه الكوارث، وما يقترفه البشر من ذنوب تجد حملات على وسائل التواصل ومنابر الإعلام تتهم أصحاب هذا التوجه بالخرافة والبعد عن التفسيرات العلمية ولنا أن نقول أن حرية الرأي والفكر تقتضي ممن يؤمنون بها أن يسمحوا لأصحاب الآراء المختلفة – سواء اتفقوا معهم أو اختلفوا – بالطرح على الساحة الفكرية وأن تأخذ حظها من النظر والنقاش.

ونود أن نؤكد على أن التفسيرات الدينية للزلازل والكوارث الطبيعية هي اجتهادات قد تصيب وقد تخطأ وقد تتسم بالشمولية والعمق وقد ينقصها الكثير من الموضوعية والنظر إلى مجمل النصوص الشرعية. 

ونحب أن نوضح أن التفسير الديني كما يستند إلى النصوص الشرعية فإنه يتأمل سنن الله تعالى في الكون ويبحث في أسباب الظاهرة التي تحدث سواء كانت كونية أو نفسية أو اجتماعية، فالدراسة المبنية على النظر والتأمل فيما حولنا نوع من العبودية لله تعالى، وتكرر التذكير بها في كتاب الله عز وجل مرات كثيرة.

ومن ينكرون أن يكون للتفسيرات الدينية مكانها على ساحة الفكر والعلم تغيب عنهم أحد أوضح البديهيات وهي أن الكون خلقه الله تعالى والقرآن أنزله الله عز وجل فكيف يتعارض ما خلقه الله مع ما أنزله الله؟! 

قد يقدم هؤلاء تبريرا  لرفضهم وهو خوفهم على الدين نفسه من أن يساء إليه ونرد بالقول لقد أكدنا على أن ما يقدم من تفسيرات إنما هو اجتهاد قابل للصواب والخطأ وقبل ذلك واجب مناقشته من المتخصصين فالخطأ ينسب لقائل الرأي وليس للدين، الدين تنزيل من حكيم حميد الاجتهاد هو عمل البشر في فهم هذه النصوص.

ونقطة أخرى وهي أن موقع الدين في نفوس المتدينين موقع النور الذي يكشف والميزان الذي نزن به الأقوال والرجال فكل تصرف أو حدث لابد أن نعرضه على هذا النور ونزنه بهذا الميزان.

والذي دفع البعض إلى عدم قبولهم للتفسيرات الدينية للكوارث هو غياب مفهوم الارتباط بين الإنسان وبين الكون من حوله وغياب تأثير ما يقع فيه الإنسان من ذنوب وآثام وما يمكن أن يترك من آثار سلبية على البيئة.

إن الكون بسمائه وأرضه  وكواكبه  يتحرك وفق ما وضعه الله من سنن، والإنسان جزء من هذا الكون فإذا تحرك وفق هواه دون أن ينضبط بما وضعه الله من قواعد تنظم حياته وعلاقاته بالكون من حوله بإنسه وجنه وأحجاره وأشجاره وجباله وأنهاره، سيصبح بذلك نشازا لابد أن يُحدث خللا يظهر في شكل كوارث .

 ونحن نتحدث عن التفسير الديني للآيات الكونية قد يسيطر على البعض الحديث عن غضب الله تعالى على الإنسان ويغيب عنهم قوله تعالى { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 143]. وقوله صلى الله عليه وسلم ” إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ [1]ودائما ما يقرن الله تعالى بين الرحمة والعقوبة {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ} [غافر: 3]

ربنا سبحانه وتعالى برحمته يمهل العصاة مهما كانت معصيتهم فلا يعاقبهم بذنوبهم ففرعون الذي ادعى الألوهية عاش عشرات السنين والنمرود الذي قال أنا أحيي وأميت عاش كذلك عشرات السنين وخلال هذه المهلة تأتيهم الإنذارات المتوالية لكي يعودوا لرشدهم وبعد أن أغمضوا اعينهم للنور النازل من السماء وأصموا آذانهم عن صوت الحق انتقم الله تعالى منهم،  وإذا أردنا أن نقف مع النصوص الشرعية التي تحدثنا عن نزول العقوبات الإلهية على المذنبين.

نجد قوله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا} [الإسراء: 59] {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30]

الآيات التي تحدث في الكون لردع من يفكر في الخطأ والفساد الحاصل في البيئة بسبب ما وقع فيه الناس من ذنوب وعقاب الله تعالى للخلق أحد وسائل إعادتهم للصراط المستقيم وما يعفو الله تعالى عنه من الذنوب أكثر مما يعاقب عليه ومما نحتاجه لكي تكون تفسيراتنا الدينية أقرب إلى الواقع والحقيقة أن نتذكر أن الابتلاءات والمصائب لا تنزل على الكفار وحدهم بل على المؤمنين كذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا؟ قَالَ: «أَجَلْ، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلاَنِ مِنْكُمْ» قُلْتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجْرَيْنِ؟ قَالَ: «أَجَلْ، ذَلِكَ كَذَلِكَ.»[2]

وقد أصيبت مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمجاعة حتى اضطر لطلب المساعدة من مصر والشام ومات عدد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في طاعون عمواس

ولابد قبل أن نقدم تفسيرنا الديني لهذه الكوارث أن نستمع لأسئلة حائرة تشغل بال الناس بل تكاد تخرج بعضهم عن حدود الإيمان منها أن هؤلاء المنكوبين  يعانون أساسا من بلايا متعددة  ولهؤلاء نقول إن الله تعالى أرحم بخلقه بل أرحم من الأم بوليدها إن الناس ساعة الابتلاء لا يفكر أي منهم إلا في نفسه بل ربما اعتدى على أعز الناس عليه لكي يبقى هو بينما ربنا سبحانه وتعالى ينزل الابتلاء ومعه اللطف ويبتلي بالعسر ويسوق معه اليسر. 

لكي نفهم اقدار الله تعالى لابد من التفكير في عدة أمور أن كل إنسان يملك شيئا يرى أن من حقه التصرف فيه وفق ما يريد حتى لو تلقى آلاف التنبيهات بأن هذا التصرف يضره وقد يفقد معه الكثير مما يحب إلا أنه يرى ملكيته للشيء  سببا كافيا لأن يتصرف فيه وفق ما يريد فما بالنا بالإله الخالق الرازق المحيي هل نأتي لنناقشه سبحانه وتعالى عندما يأخذ ما نحب من مال أو ولد او غير ذلك،  والدنيا بما فيها ومن عليها ملك لله.

ولابد من الإيمان الكامل بحكمة الله تعالى تلك الحكمة التي يعجز البشر عن فهمها بل إن البشر يعجزون عن فهم أنفسهم في كثير من الأحيان ويعجزون عن تفسير بعض تصرفاتهم وتفسير ما يصيبهم من مشاعر الحزن والغضب فهل يمكن لنا بعد هذا العجز أن نفهم حكمة الله تعالى في منع أو حرمان أو إهلاك أو إتلاف.

تغيب عنا الكثير من الأمور المتعلقة بالقضاء الإلهي لذلك فإن العقل الصحيح لا يمكن أن يحكم على أمر لم تكتمل صورته بين يديه.

ومع ما في هذه الأقدار من صعوبة تذكرنا بأننا في دار اختبار  إلا أن فيها من آثار رحمة الله المتعلقة بإصلاح النفوس وتنبيه الغافلين وتحريك عاطفة الشعور بالآلام الآخرين بعد ما أصابها من تبلد  ومد يد العون كل بما يملك وإظهار الوحدة بين المسلمين و ما في طريقتنا في الإدراة من عيوب تنخر كالسوس وما في استعدادنا من جاهزية أو تقصير وتكشف عن قدراتنا على إعداد خطط للطوارئ تبادر ساعة الخطر

وختاما لا ينتظر الناس من العلماء والمفكرين أن يقدموا تفسيرات فقط لما يحدث – مع أهمية ذلك لتفكير سليم  – إنهم ينتظرون حلولا للكوارث مبنية على العلم والواقع، يحتاجون إلى من يقدم لهم زادا نفسيا وروحيا لكي يتجاوزوا به هذه الأزمة فإن الأرواح إذا تعبت ويأست لم ينفع معها معونة مادية ولا تخطيط سليم إلى جانب ألوان الدعم المادي والعلمي وما يمكن تقديمه في مثل هذه الحالات.

ستمر هذه الأزمة كما مر غيرها من أزمات أكل البشر لحوم بعضهم بعضا وعانوا من القتل والتشريد  بسبب هجوم المغول والتتار وأصيبوا بالطاعون مرات عديدة وفي مناطق مختلفة مرت كل هذه الكوارث وبقيت البشرية  تواجه الألم بثقتها بنفسها أو بحسن ظنها بربها، سيكبر الصغير اليتيم الذي فقد والديه، سيشفى المريض بإذن الله تعالى، سيعاد بناء المباني التي تهدمت، وستمر لحظات سعادة على هؤلاء الذين عاشوا لحظات صعبة تحت الأنقاض.

هذه هي الدنيا يختلط خيرها بشرها وحلوها ومرها ستعود الحياة بإذن الله تعالى خيرا مما كانت وسنجتهد في التواصي بالحق والتواصي بالصبر.


[1] الصحيحين واللفظ للبخاري

[2] صحيح البخاري